الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إيمان البحر درويش.. سلامتك يا «كريم العنصرين»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إيمان البحر درويش كتلة إنسانية رائعة جميلة له حضوره الطاغى وموهبته المصقولة والإحساس الرائع بما يؤديه، فهو ليس مطربا لكنه فنان، لا يدخل فى دائرة الأصوات التى تتغنى بالألحان التى ينفعل بها وجدانه، لكنه حالة خاصة جدًا، فهو صاحب رسالة، جاء إلى الساحة مبهرًا ومناديًا يستنير الأصالة من منابعها فوجد الذوق العام يتضامن معه فى رسالته ويوقع له على بياض ويعتمده سفيرًا فوق العادة للغناء الراقى الذى أرسى قواعده وبنيته الأساسية جده خالد الذكر فنان الشعب سيد درويش.
رسالة إيمان البحر درويش ليست فقط الحفاظ على تراث، لكن تذكر الأجيال بمواهب عديدة وساهمت فى بناء الصورة المتكاملة لمجد فنى شارك فيه توءم روحه محمود بيرم التونسى، وبديع خيرى، وأمين صدقى، ويونس القاضى، مؤلف نشيد «بلادى بلادى» لم يدرس الموسيقى فى معهد لكنه درس مادة جافة لا تعرف العواطف، مدرسة الحسابات الرقيقة والمسطرة والقلم، وهى الهندسة، وإيمان فى هذه الفترة لم يكن مشغولًا بالغناء لأنه كان أحد نجوم كرة السلة بنادى الاتحاد السكندرى وكلية الهندسة أيضًا.
إيمان البحر درويش، لو اختار الهندسة لأصبح اليوم أستاذًا مثل شقيقه الأكبر الدكتور مهندس حسن البحر درويش «عميد الأسرة حاليًا» والذى يعتبر من رواد علم اللوجيستيات بالجامعات والأكاديميات المصرية والعربية ومع ذلك فقد اتفق الاثنان على طريق واحد هو استكمال مسيرة والدهما المرحوم محمد البحر السيد درويش، فى الحفاظ على تراث والده فى كل المحافل حتى ولو أدى الأمر إلى اللجوء إلى القضاء كما فعل.
وأذكر فى الستينيات عندما قامت مؤسسة السينما بإنتاج فيلم عن «سيد درويش» وكانت النهاية تسىء إلى تاريخ الرجل من وجهة نظر والده واستنجد محمد البحر السيد درويش، بمحافظ الإسكندرية الأسطورى المرحوم حمدى عاشور، وهو فنان برتبة ثائر فأجرى اتصالًا مع وزير الثقافة فى ذلك الوقت العالم الكبير الدكتور سليمان حزين، الذى أسس جامعة أسيوط، وبحكم سعة أفق الرجل حضر للعاصمة الثانية على الفور استجابة لنداء المحافظ وشعب عروس المتوسط والرأى العام وخشى العالم الكبير أن يذكر فى التاريخ أنه تم إنتاج فيلم فى عهده يسىء إلى رمز الموسيقى الحديثة للبلاد وأن الفنان الكبير كرم مطاوع بطل الفيلم، وانتهى الاجتماع إلى الاستجابة للحقيقة وهذه أول مرة يتم تغيير نهاية فيلم قبل عرضه بأسابيع!
تذكرت أيضًا الخطاب الذى بعث به الأستاذ الكبير عبد الحميد الحديدى مدير عام الإذاعة إلى محمد البحر درويش، وهو الموافقة على تشكيل لجنة تضم فضيلة الإمام الشيخ أحمد حسن الباقورى والكاتب والمفكر الكبير الأستاذ توفيق الحكيم، والدكتور (السندباد) حسين فوزى ليكونوا أصحاب القول الفصل فى أى خلاف يقع بين الإذاعة ومحمد البحر، ولا تعليق بالقطع على عظمة تلك الشخصيات لكن الأعظم أنها تكريم وارتفاع بقاعة الإنتاج الموسيقى فى البلاد.
ومحمد البحر درويش، الذى سخر حياته ليس مجرد الحفاظ على تراث والده ولكن الحفاظ على الثروة الإبداعية العربية فى الموسيقى وظل حتى نهاية حياته فى محرابه بحى كوم الدكة على بعد أمتار من البيت الذى ولد فيه والده حتى آخر لحظة فى حياته ولم يتاجر باسم والده أو بإنتاجه، والغريب أن محمد البحر تحمل تلك المسئولية التاريخية رغم ما تعرض له من ضرب وأكثر من علقة ساخنة من والده الذى أراد أن يبعده عن الوسط الموسيقى لأسباب تربوية تتفق مع ثقافة جيل سيد درويش.
إيمان البحر الفنان تحمل هذه المسئولية وعندما أعلن أول رسالة له فى حفل قدم فيه طقطوقة (الجرسون اليوناني) فحرك فى نفوس الشعب إحساسه الحضارى الدفين فى الصدور وهى أن مصر أرض (كوزموبوليتانية) استوعبت حضارات العالم وذابت فيها لكنها احتضنت بخصائص شخصيتها، وأثبت إيمان منذ اللحظة الأولى إبداعه وفنه، بل كان حالة لها دلالتها وملأ الذوق العام فنًا وتألقًا وثابر وواجه ولم يتوقف، واكتشف من تصفيق الملايين أن بداخله فنانًا لم يكتشف بعد، واكتشف الجمهور واستطاع أن يحلق بالناس بالنغمات الساحرة إلى الأجواء الجميلة الأسطورية، وفى اعتقاده أن رسالته ليس فقط الحفاظ على تراث لكن الهدف الأسمى تحقيق الارتقاء بالذوق العام لكى يسهم فى تأكيد أن دوره ليس لهوًا أو ترفيهًا لكن نشر الموسيقى الخالدة التى ترتقى وتسمو بالنفس، فرسالته كانت ولا تزال، هو أن يصفو العقل ويسمو فوق الصغائر ويزرع الأمل ويزرع الابتسامة والرقى.
وأثبت الفنان إيمان البحر درويش فى رحلته أن الفنان فى داخله ليس مجرد تجربة شجن، لكنه نداء وطن، وصيحة حق، وصراخ طفل بعيدًا عن وطنه، غنى للقدس، وغنى للأرض، يوقظ الضمائر، ويشعل فى النفس الاعتزاز بالقيم والمثل العليا، فأمر طبيعى أن يصدر هذا من حفيد خالد الذكر الذى استنهض الشعب برائعته قوم يا مصرى.. وأحسن جيوش فى العالم جيوشنا.. أنا المصرى كريم العنصرين. هذه ليست كلمات لكنها باقات من الورد تحيطك أيها النجم الكبير وأنت تعيش فى أزمة صحية اجتزتها بنجاح والحمد لله بفضل دعاء الملايين الذين أحاطوا سريرك بكل معانى المحبة والاعتزاز بك نجما وصاحب رسالة.. سلامتك يا إيمان.