الخميس 06 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التحدى فى سرعة إنهاء الخارطة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعيش الآن خلافاً جذرياً، فى النظر السياسى والممارسة على الأرض، تحدد نتيجتُه مسارَ مستقبل البلاد إلى أمد غير منظور، ويمكن تلخيصه فى: هل تستمر الأغلبية الشعبية الساحقة، ومعها التوافق العام من النخبة، على اختيارهم بدعم القوات المسلحة فى إبعاد جماعة الإخوان وحلفائهم عن السلطة؟ أو بمعنى أصح: هل تُصرّ هذه الأغلبية وممثلوها من النخب السياسية والثقافية على "مطالبتها" للقوات المسلحة أن تدعم الشرعية الثورية حتى تُستكمل خارطة الطريق المقرر لها بضعة أشهر قليلة؟ أم أن تنساق الجماهير وراء دعاوى "يسقط حُكم العسكر"، فيكسب الإخوان وحلفاؤهم ويقوى عودُهم مجدداً ويظل احتمال عودتهم للحُكم قائماً ليستكملوا برنامجهم الذى ثار الشعب ضده فى 30 يونيو وخرج ليعزز اختياره فى 26 يوليو؟
إذا تحقق هذا الاحتمال الأخير لاكتملت بالفعل دائرة العبث!
لقد وضع الإخوان البلاد فى موقف شديد الحرج عندما تعنتوا فى رفض المطلب الشعبى الديمقراطى بإجراء انتخابات مبكرة، وأجبروا الجماهير على خيار من إثنين: إما الإذعان للفشل المدوى لسياستهم التى بانت ملامحها بوضوح عبر عام من الحكم والتى أخفقت فى تنفيذ بند واحد من برنامجهم الانتخابى، خاصة فيما يلبى الاحتياجات المعيشية للناس، مع الرضوخ لاستفزازهم لكل السياسيين من الأحزاب والتيارات والقوى والأفراد من خارج توجههم الفكرى والسياسى، الذين باتوا على يقين بأن الإخوان جاءوا إلى الحكم لا ليشاركوا فى تأسيس قواعد الديمقراطية، حيث يجرى تداول السلطة سلمياً، وإنما اعتبروها تجربة لمرة واحدة فقط لا غير، يصلون بها إلى الكرسى ليستمروا إلى أجل غير منظور؟
وإما، وهذا هو الخيار الثانى، أن يخرج الشعب عليهم ويستعين بالقوات المسلحة لتحمى البلد من الوقوع فى الفوضى.
وقد وفّر الإخوان الدليل بعد الدليل على سذاجة مخططاتهم، على الأخص فى سرعة كشفها، بل أحياناً ما تكون مفضوحة بمجرد النظر! كما فى هذه المرة، عندما كرروا نسخة طبق الأصل ما فعلوه ضد المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى، وظنوا أنهم سيفلحون فى هذه المرة فى الوقيعة بين الشعب وجيشه تحت قيادة السيسى وأن تجيئ النتيجة لصالحهم كما يشتهون!
ولكن التاريخ لا يعرف التكرار المتطابق كما فى أوهام الإخوان، بل إن من يتخيل هذه البساطة فى واقع شديد التعقيد عادة ما يوصم بالغفلة فى أكثر النعوت تلطفاً!
المؤامرة الساذجة هذه المرة فى تصور إمكانية فرض الهيمنة على فهم وخيال وأمزجة واختيار عموم الجماهير العريضة لشعب من قرابة 90 مليون نسمة، يتسم تكوينه بالتعقيد الشديد بكل ألوان الطيف السياسى والثقافى والاجتماعى والعمرى، يتوزع أبناؤه بين بادية وريف وحضر، فيه من الثراء الفاحش ومن الفقر المدقع، وفيه من تحرروا من كل المكابح ومن هم فى قيد التقاليد البالية، ويدخل أكثر من نصف سكانه فى فئات الشباب الذين لم تُجرَ عليهم أبحاثٌ علمية معمقة تساعد على فهم ما يفكرون فيه وما يحلمون به..إلخ إلخ!
وبرغم كل هذا فقد اندفع الإخوان فى مسعاهم نحو ما يعتقدون أنه ممكن التحقق!
انظر إلى هذه الحالة التى يروّجون لها هذه الأيام فى حالات صارت كثيرة على أياديهم، عندما يعتمد خطابهم الدعائى على استغلال شعارات حقوق الإنسان، التى صار فى يقين الجماهير العريضة أنهم أكثر من أهدروها بمجرد أن بدا لهم أنهم تمكنوا، بل ربما اعتبروا هذا الهدر أحد أدوات التمكين بترهيب الناس من مجرد الاعتراض على حُكمهم، ولكنهم الآن يتباكون على ما يحدث للقاتل الذى يُلقى القبض عليه متلبساً بالجريمة حاملاً سلاحه الفتّاك ويداه ملطختان بالدماء وهو مزهو بجريمته، فإذا بالإخوان يدينون بشدة أن هذا المجرم أُصيب بجرح فى معركة القبض عليه، ويطالبون بلجنة لتقصى الحقائق لتبين من الذى خرق حقوق الإنسان أثناء القبض على المتهم الذى هو برئ حتى تثبت إدانته! ولكنهم لا يتذكرون هذه الحقوق لضحايا هذه الجريمة مِمَن فقدوا حياتهم أو تعرضوا لإصابات جسيمة من جراء ما هو منسوب لهذا البرئ الذى لم تثبت إدانته بعد!!
يدخل هذا ضمن المؤامرة الساذجة التى تستهدف التشويش على أهم مهام المرحلة بعرقلة خارطة الطريق المطلوب استكمالها بأقصى سرعة ممكنة حتى تتجلى الشرعية الحقيقية التى خرج الشعب على الإخوان بأمل أن تتحقق، بأن يُحسَم، أولاً، أمر الدستور، ثم أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق الترتيب الذى ينتهى إليه التوافق العام.
ويعلم الإخوان، بحكم غريزة البقاء، أن استكمال هذا المسار هو إعلان فى حده الأدنى هزيمة تاريخية لهم، ويصل البعض إلى أنه سيكون إشهاراً لشهادة وفاتهم على الأقل سياسياً!
ومن أسف شديد، أن هذه المؤامرة الساذجة تنطلى على البعض فيتورطوا فى الصخب بوجوب توفير الضمانات الكاملة للمجرمين، دون أن يضعوا فى الاعتبار أن الحق فى الحياة الذى أهدره هؤلاء المجرمون هو أسمى حقوق الإنسان، وأن القتل العشوائى واحد من أبشع الجرائم الهمجية التى ينبغى أن تتوفر كل الجهود للتصدى لها ولدرء إمكاناتها ولردع من يفكر فى القيام بها، وبسرعة عقاب مقترفها!
ولقد ثبت أنه لن يقدر على هذا رئيس مؤقت وحكومة انتقالية، وإنما رئيس وحكومة وفق دستور مدعوم بتوافق وطنى وبموافقة شعبية.

ahmadtawwab@gmail.com