السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الظهير الديني لأنظمة الحكم في مصر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عدم سعيها للحكم أبعدها عن الصدام مع الأنظمة أعلنت تأييدها لثورة 23 يوليو امتدحت «عبدالناصر»: مثلنا الأعلى.
شهدت العلاقة بين الطرق الصوفية والسلطة على مدار العقود الممتدة الكثير من المواقف، التي أظهرت بالفعل مدى التعاون بينهما، وبدت أنها قائمة على المنفعة المتبادلة، فالصوفية تساعد في دعم شرعية السلطة عبر الملايين من مريديها، فيما تحصل في المقابل على مكانة اجتماعية، وحظوة لدى الحكام.

ويستعرض الملف التالي تاريخ التعاون بين الجانبين:
الصوفية: نساند السلطة
تأييد ثورة ١٩٥٢ ومواجهة الإخوان
في أعقاب ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، كان للصوفية دور بارز، وأصدرت المشيخة العامة للطرق الصوفية حينها بيانًا قالت فيه: «جاءت الثورة المباركة، وجاءت معها روح الإيمان والتوثب وأشرق الوادي الكريم بنور الأمل وانبعث الشعب العريق للجهاد والعمل وأخذت يد الإصلاح تبني وتشيد وتبعث الطاقات المدخرة، وما كان للتصوف الإسلامي أن يتخلف عن موكب الحياة وفجر النهضة».
كما امتدحت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قائلة: «عبدالناصر مثلنا الأعلى في الكفاح وهو الإيمان والصبر، وهي كلمات خالدة يجب أن نقف عندها طويلًا وأن نتدبرها ونتذوقها لأنها ترسم لنا حقيقة كبرى من حقائق الحياة وترشدنا إلى أسرار البطولة ومسببات النصر».
وتقربت الطرق الصوفية المختلفة إلى السلطة الحاكمة حينها، من أجل محاربة «إرهاب جماعة الإخوان»، التي حاولت حينها أن تنقض على ثورة يوليو وتشوه صورتها، كما تعاون الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، معها بشكل كبير وتقرب هو الآخر منها، لمواجهة أعداء الثورة.
وواجهت الصوفية «خطر الإخوان» من خلال المؤتمرات والندوات، وحينها، أصدر الشيخ محمد محمود علوان، شيخ المشايخ في ذلك الوقت، بيانًا قال فيه: «إن رسالة الصوفية هي الدعوة للأمن والسلام ومحاربة أساليب العنف والإرهاب»، في إشارة منه إلى إرهاب الإخوان.

الصوفية: نساند السلطة
مقاومة العدوان الثلاثي 
أما في مرحلة «العدوان الثلاثي»، الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في ١٩٥٦، فأظهرت أيضًا الطرق الصوفية موقفها الوطني تجاه ما حدث من اعتداءات، ودعت حينها إلى الجهاد ضد هذا العدوان.
وعقب نكسة يونيو١٩٦٧، أعلنت الطرق الصوفية حينها مساندتها التامة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولم تكتف بهذا بل أقامت أيضًا أكبر موكب صوفي رسمي، لحشد المصريين خلف قيادتهم.
وبعد رحيل عبدالناصر، شهدت العلاقة بين السلطة والمتصوفة تطورًا كبيرًا، وتقرب إليها الرئيس الراحل محمد أنور السادات بشكل لافت، بسبب المواقف السياسية الجيدة، التي اتخذتها معه، إذ أيدت اتفاقية السلام، التي وقعتها مصر مع إسرائيل.
وكان السادات يحرص دائمًا على حضور موالد الصوفية واحتفالاتها، خاصة المولد النبوي ومولد الحسين، والسيدة زينب، والسيد البدوي.
كما أمر السادات بإصدار مجلة التصوف، وفي مايو ١٩٧٩ تم إصدار أول عدد لها، وحينها قالت المجلة « يسر مجلة التصوف الإسلامي أن تتوج عددها الأول بهذا المقال للرئيس المؤمن محمد أنور السادات والذي يتحدث فيه عن رسالة التصوف حديث العالم ببواطنها، الغيور على تعاليمها، الحريص على تطهيرها والسمو بها إلى مكانها الأول في صدر الإسلام، وقد شاء الله أن يحقق كل ما كانت تصبو إليه نفسه الكبيرة نحو رسالة التصوف».
وفي تعليقها على اعتقالات سبتمبر ١٩٨١، التي شملت المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، قالت مجلة التصوف حينها «هذا الانحراف الذي جرف في تياره فريقًا من أبنائنا، ألم ننبه إلى ضرورة تبصرة الشباب بأمور دينه؟ ألم نحذر من خطر تسرب المبادئ الهدامة تحت شعار الدين إلى صفوف الجمعيات الدينية لتضليل الشباب؟ ألم نحذر من استغلال هؤلاء الأدعياء لجهل الشباب بالدين والتراث؟ إن الحل يتطلب تجنيد كل القوى المؤمنة بحق هذا الوطن فى أن يعيش في سلام وأمن».

تجديد الخطاب الديني في عهد مبارك
وبعد رحيل السادات، وقدوم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، تقربت الطرق الصوفية مجددًا من السلطة، وحاولت تجديد الخطاب الديني، لمواجهة التنظيمات المتطرفة، خاصة بعد اغتيال السادات.
واعتمد مبارك على الصوفية في تصحيح الأفكار المغلوطة، وجعلهم يشتركون مع أبناء الأزهر الشريف، في عقد الندوات والمؤتمرات، التي تواجه الإرهاب، وتساعد الشباب على فهم الدين الإسلامي الصحيح.
ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ 
وفي ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، شاركت الطرق الصوفية المختلفة فيها، للإطاحة بجماعة «الإخوان» الإرهابية، ووقعت على آلاف الاستمارات، التي أعدتها حركة «تمرد»، وكانت تدعو لتظاهرات ٣٠ يونيو، ثم تحولت إلى ثورة شعب.
وكان للصوفية دور بارز في تلك الثورة، لأنها استطاعت أن تحشد ضد المعزول محمد مرسى وجماعته، وعقب الثورة، فوضت الرئيس عبدالفتاح السيسى لمحاربة الإرهاب، وحشدت أيضًا من أجل الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٤، وأعطت أصواتها للرئيس السيسي، كما طالبته بالترشح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في ٢٠١٨. 
وخلال السنوات الأربع السابقة، حرصت الطرق الصوفية على إقامة الندوات والمؤتمرات بالمشاركة مع مشيخة الأزهر، لمحاربة الفكر المتطرف وتجديد الخطاب الديني.

تبادل المصالح.. سر زيادة الشعبية
حصلوا على الهبات والعطايا مقابل دعم السلطة 
تبادل المتصوفة والسلطة المنافع، إذ ساهموا في زيادة شعبيتهم، والوقوف بجانبهم في أوقات الأزمات، وفي المقابل قدم لهم الحكام، العون المادي من أوقاف وهبات وغيرها، فضلا عن الدعم المعنوي عبر حمايتهم.
فمقاربة المتصوفة في العلاقة مع السلطة قامت على السياسة المهادنة، ومحاولة نيل أكبر مكسب ممكن سواء ماديا أو معنويا، وربما أسهمت تلك النزعة الواقعية والبراجماتية في ازدهار التصوف. 
وبالفعل، حصد المتصوفة الكثير في صورة، التكايا والزوايا والمقامات وغيرها من المنشآت، التي أقيمت لهم على اختلاف أنواعهم وفئاتهم، وهناك أيضا الأوقاف التي أوقفها الحكام على المتصوفة، هذا بالإضافة إلى الاحترام الذي نالوه من المجتمع. 
وبعد ثورة يناير ٢٠١١، شهدت الطرق الصوفية ما بدا أنه انقسام داخلي، بين وجهة نظر ترى ضرورة الالتزام بوظيفتها الدينية كأيديولوجية فردية للخلاص الروحي فى إطار مؤسساتها التقليدية «الطرق» والانشغال بالآخرة، ووجهة نظر أخرى ترى ضرورة الاشتغال بالسياسة من خلال الأحزاب.
وفسر البعض حينها هذا الانقسام بين العودة للتقليد أو الدخول في الحياة السياسية، بأنه محاولة لتصفية الحسابات مع الشيخ عبدالهادي القصبي شيخ مشايخ الصوفية لكونه أحد أعضاء الحزب الوطنى المنحل، وعضو مجلس الشورى المعين من قبل نظام حسني مبارك، بل وقامت ١٥ طريقة صوفية بإصدار بيان طالبت فيه بعزل شيخ المشايخ باعتباره من «الفلول»، ولا بد من تطهير المشيخة الصوفية.
فيما أعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية برئاسة عبدالهادى القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، بالإضافة إلى مشايخ ٤٥ طريقة رفضهم إنشاء أحزاب سياسية باسم الصوفية، وبعد ثورة ٣٠ يونيو، عادت معظم الطرق إلى النهج القديم.
وبصفة عامة، فإن الدولة كانت حريصة على علاقتها بالصوفية، وأنشأت المجلس الأعلى للطرق الصوفية في عام ١٨٩٥.