الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زيارة بوتين بين ذكاء الدب.. وغباء الفيل!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحب الرأي العام بزيارة الرئيس بوتين للقاهرة والتي جاءت في توقيت تحولت فيه من زيارة رسمية إلى زيارة تاريخية.
وقبل الحديث عن الظروف المحيطة بهذه الزيارة والتي أكسبتها أهمية حيث الموقف يشتعل في العالم العربي والإسلامي والمسيحي للقرار الغريب الذي أصدره "ترامب" الذي هبط به من مقام القمة إلى القاع لدى البسطاء في العالم لدرجة أن هناك من يقوم أنه لم يعد أي إنسان في العالم يرى الرمز الأمريكي بعد هذا القرار السيئ سوى الشعور بأن الجالس في البيت الأبيض ليس رئيسًا لكنه يمثل دور الرئيس، وقالوا إن أكبر ميزة له الآن أنه قريب الشبه بالفنان الكبير حسن كامي، وغرور عصبي شبيه بيور قدمه الفنان العظيم عبدالسلام النابلسي عندما تقمص دور حسب الله السابع عشر في فيلم أبيض وأسود كان دور البطولة فيه العندليب، كما إن ضحكته على الشاشات تذكرنا بالضحكة الشهيرة للفنان الراحل يوسف داوود، وبدلًا من أن يكون رئيسًا تاريخيًا فقد تورط لتتحول قرارته إلى فضيحة كونية حيث صور لهه مستشاريه إنه إذا اتخذ القرار وضع في قلبك بطيخة صيفي فالعالم كله سيهلل لهذا القرار، وهكذا تورط الذي خسر فيه كل شيء، والخاسر الأكبر هي بلاده التي كانت تتمتع بمنزلة ومكانة خاصة في نفوس العالم.
تجيئ زيارة بوتين وبعيدًا عن المقارنة بين الدب الروسي والفيل الأمريكي رمز الحزب الجمهوري، لكن المقارنة بالرؤية التي يتمتع بها الرؤساء في إختياراتهم وإستراتيجياتهم للتعامل مع الشرق، ومصر درة الشرق بدليل إن زيارة الرئيس بوتين هي الزيارة الثانية له لمصر لكن هذه المرة تأتي بعد أربعة أيام فقط من إعلانه الاعتزام على الترشح لمنصب الرئاسة في انتخابات مارس 2018 مـ أي بعد شهور قليلة وهي أول انتخابات له بعد أن تم تعديل الدستور الروسي لتصبح المدة 6 سنوات بدلًا من 4 سنوات، ولو أن الرئيس بوتين يعلم أن هذه الزيارة سوف تخصم من رصيده لقام بإرجائها حتى يفوز بالمنصب، لكنها زيارة لها وقتها الصحيح، ومكانها الصحيح، وتم تحديد هذه الزيارة وبصفة عاجلة عند استقبال الرئيس السيسي لوزير الدفاع الروسي عقب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الأزهر، ويبدو أن الروس كانت لديهم معلومات مؤكدة أن "ترامب" كان على موعد مع هذا القرار الانتحاري.
والرسالة التي يوجهها الرئيس بوتين للعالم أن مصر ليست فقط مجرد دفتر شيكات أو لوبي ضاغط ومنظمات، لكنها سجل رفيع المستوى في المجد والحضارات.
جاء بوتين إلى القاهرة، وبالطبع بالطائرة ليعلن انتهاء الآثار الناتجة عن حادث 31 أكتوبر 2015 م التي سقطت فيها الإيرباص الروسية والتي توقفت في رحلتها بمطار أسطنبول، وجاء ليؤكد بطريقة قاطعة ومن أرفع موثع سيادي في روسيا سلامة إجراءات الأمن والأمان بالمطارات المصرية، وللأمانة فأن مصر عالجن هذا الموقف بكل عقلانية محسوبة أرتقت إلى مستوى العلاقات التاريخية بين الدولتين على عكس التصرف الأهوج الذي أحاط بملابسات إسقاط الطائرة سوخوي بمعرفة تركيا.
جاء بوتين إلى القاهرة في أوج الموسم السياحي الشتوي في أسوان والبحر الأحمر وشرم الشيخ، وهو إشارة يرد بها على ما ذكره أردوغان من أن داعش قد نقلت نشاطها إلى سيناء، وهي إشارة أيضًا تشجع على عودة السياحة التي بلغت في عام 2010 م حوالي 14 مليون سائح يحققون دخلًا يصل إلى 20 مليار دولار في المقاصد السياحية المصرية، وعلى الجانب التسييرات المنتظرة للمصريين الذين سوف يسافرون إلى روسيا لحضور المونديال العام القادم، وأعتقد أن هذا الملف سيكون حاسمًا في هذه الزيارة.
وجاءت الزيارة التي تعلن توقيع عقود إنشاء 4 محطات نووية للأغراض السلمية لتوفير طاقة تصل إلى 4800 ميجا وات وهذا المشروع العملاق يذكرنا بالإسهام الروسي في بناء حلم الأجيال السد العالي الرابض على النيل معلنًا دخول مصر منذ ذلك الوقت عصرًا جديدًا من عصور "الحضارة المستنيرة" لا الحضارة الغشيمة التي يروج لها حديثي العهد بفلسفة بناء السدود على النيل.
والملف الأكاديمي سوف يكون على مائدة التفاوض الرئاسي خاصة وأن هناك توجها من الرئيس بوتين لنشر الثقافة واللغة الروسية في الشرق وهذا قرار جاء متأخرًا لأن هذه العلاقات لها بنيتها الأساسية في الجامعات والمصانع والتكنولوجيا والترسانة البحرية بالإسكندرية والحديد والصلب، وقد كانت هناك ملاحظات تسويقية على السلع الروسية وملاحظات أخرى عن مخاطر بناء المفاعلات النووية بعد حادث "تشرنوبل" لكن العقلية الروسية بتحديثها للأبحاث العلمية وتطوير الفكر التسويقي حققت رقيًا وضمانات كاملة لأي مخاطر في المفاعلات خاصة وإن هناك تعاونا روسيا دوليا في هذا المجال والخبرة الروسية أصبحت من ثوابت هذه الفروع من العلم والتكنولوجيا.
ويقودنا هذا إلى ضرورة تحقيق تعاون عسكري في المنطقة ولاداعي لإعادة الحديث عن التعاون القديم خاصة في ليبيا، ولو أن السراج رئيس وزراء ليبيا أتجه صوب البيت الأبيض ثم المانيا بحثًا عن مخرج للقضية الليبية، فإن الثلاثي خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب وقائد الجيش المعترف بهم دوليًا الذي اختاروا القاهرة لتكون مركزًا لاجتماعاتهم مع اللواء محمد الكشكي، مساعد وزير الدفاع المصري المسئول عن هذا الملف يؤكد دور مصر الإقليمي بعيدًا عن خطة "ترامب" الدراميتيكية للتصدي للأزمة.
وفي تصور أن التعاون العسكري بين البلدين بصرف النظر عن تفاصيله فإنه سيعيد للمنطقة توازنها الذي أفسده التدخل الأمريكي وآخرها رفضتها الانسحاب من سوريا رغم انتهاء المهمة وهي القضاء على داعش هناك.
وبالمناسبة فإن التعاون المصري الروسي ضروري لإعادة الأعمار في سوريا والتي تبلغ تكاليفها 250 مليار دولار، وقد بعثت نقابة المهندسين المصرية بالمهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين لكي يقدم تصور المهندسين المصريين وهم أقرب بيوت الخبرة إلى طبيعة النسيج العمراني والمعمري السوري.
وأقول بمنتهى الصراحة إن هذه الزيارة نقطة تحول في المنطقة وتعني بداية لإبعاد الولايات المتحدة من المعادلة الأمنية خاصة وإن "ماكرون" رئيس فرنسا (39 سنة) يقوم بدور فاعل في المنطقة فهو الذي زار الجزائر لمدة 12 ساعة وأعرب عن مساندته لها رغم رفضه الاعتذار عما قامت به فرنسا من أعمال وحشية أثناء الكفاح الجزائري، ثم توجه إلى قطر وهذه الحركة هو إعلان بأن فرنسا سوف تحل محل أمريكا في المنطقة وهذا وارد تمامًا خاصة وإنه يساند كردستان بل إنه يحفظ مواد الدستور العراقي عن ظهر قلب.
ونقطة مهمة أقولها تعليقًا على ترشيح الرئيس بوتين للانتخابات الرئاسية فهي تتزامن مع الإنتخابات المصرية وهذا يجعل أن (الكيمياء القيادية) التي نشأت بين الرئيس السيسي وبوتين أصبحت ضرورية لتحريك أليات الإتفاقيات التي سيعلن عليها في هذه الزيارة، والطريف إن القيادات الروسية كانت أكثر وعيًا بهذا الأمر ويتضح هذا من إعلان وزير الخارجية الروسي عدم ترشحه للرئاسة وأخرين تأكيدًا لمفهوم الإستقرار السيادي، لا الجمود كما حدث عندنا.
وإن واجبنا إن نستفيد سياسيًا من نمو العلاقات وتأكد للعالم إن مصر هي مفتاح الشرق للقوى الأعظم سواء روسيا أو أمريكا، ونستفيد علميًا من التعاون مع روسيا، وقد روى صديقي الدكتور كمال قنديل، عميد كلية العلوم بالإسكندرية ورئيس نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة سابقًا، قصة علماء الطاقة النووية الروسي بعد تفكيك الإتحاد السوفيتي عرضوا على أن يعملوا في مصر بمبالغ زهيدة لكن الوفد المصري أبلغوهم إنهم سيعرضون الأمر بعد عودتهم، وفوجئ الجميع إن الوفد الإسرائيلي قد عرضًا مغريًا لتشغيلهم بأرقام فلكية، بينما القطاع السياحي كان أسرع حيث تعاقد مع الراقصات الروسيات في فنادق القاهرة بمبالغ خرافية ووقتها قيل إن مصر لم تستفيد من العلماء ولكنها استفادت من العوالم!.