الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقال لن يُعجِب العرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما تُصْدم بعبارتي، وربما تَنزع عني فتيل العروبة والقومية، وإذا بك في بعض الأحيان تجردني من ردائي الوطني العربي، فالكل وقف على حائط المبكى يلطم من قرار "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي بشأن نقل سفارة بلاده لدى الكيان الصهيوني إلى مدينة القدس المحتلة، وإذا بي لم أنزعج! ولم أستغرب فعلة "الترامباوي"! الذي يلعب لصالح نفسه وبلده ومصالحها المرتبطة بالصهيونية العالمية، لكني أطلق صيحات اعتراضي لتكون بمحازاة التحذيرات التي زفرتها الأطراف العربية والإسلامية والأوروبية. 
يا عزيزي، ترامب يتبول من فمه شعارات محاربة الإرهاب، وتسهيل التواصل إلى اتفاق سلام بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، ودعم الفلسطينيين في أحقية إقامة دولتهم، ودعم الدولة المصرية في مبادرتها لحل القضية الفلسطينية، وإذا بكم يا عرب تننظرون أن تشموا في البول رائحة المسك، أو أن تبقى الشعارات "البولية" على جدران رجولة رئيس أمريكا وأنتم تعرفون أن شمس رجال الكونجرس اليهود تجففه في بضع دقائق، أو يسحبه "سيفون" اللوبي اليهودي بماله وإعلامه وسلاحه في لحظة، أفلا تفقهون؟!
وإذا القدس سئلت بأي ذنب احتُلت ؟ وإذا فلسطين سئلت بأي ذنب ضاعت قضيتها؟ وإذا الاحتلال سُئِل بأي نخوة ومعتقد وقانون ومواثيق تهينون العرض وتستبيحون المقدسات وتنتهكون الحرمات؟
لتكن الإجابة بأيديكم يا عرب! برضاكي يا عروبة! بِصَمْتِك يا قومية.. 
القدس لم تضع يوم إعلان نقل سفارة أمريكا إليها، القدس ضائعة من زمان، القضية بِيعتْ مع انشغال العرب بربيعهم الثوري منذ سبع سنوات، فتَمزقت الجيوش، ونُشرت الفوضى في كل ربوع الدول العربية، وضاعت سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وتونس، حتى قطر وتركيا وإيران تنفذ بمهارة فائقة المخطط المرسوم بضياع العرب وقضيتهم الرئيسية فلسطين، وكأنها تسعى إلى الحصول على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف من العدو الصهيوني، وكذلك الحصول علي منحة كاملة للبقاء من الأمريكان حتى لو على حساب جثث الأوطان العربية من خلال تمكين الإرهابيين ودعمهم لإسقاط ما تبقى من دولهم وجيوشهم، "وأنا وأنت نعلم ذلك".
القدس ضاعت من زمان، منذ عشر سنوات حينما انقسم الفلسطينيون أنفسهم، وتاهت قضيتهم قسريا ما بين فتح وحماس، وكل فريق رفع شعار الضياع "بيدي لا بيد العدو". وسعى كل فريق لمصالحه الضيقة دون النظر إلى قضية الشعب وقضية العرب في إقامة دولة فلسطينية، حتى تدخلت مصر والمخابرات لإذابة كتل الجليد بينهما، ومع ذلك أَبى كلاهما في إذابته رغم حرارة مصر المرتفعة في الحل. 
القدس ضاعت من زمان، لأن الواقع يؤكد انحياز أمريكا للكيان الصهيوني على طول الخط، وأن هناك تزاوجا كاثوليكيا في المصالح، ومع ذلك ننظر إلى أمريكا أنها شريكة في السلام الفلسطيني الصهيوني، إنه الوهم بأم العقل والمقلتين!
القدس ضاعت من زمان، فمنذ عام 1995 وافق الكونجرس بالأغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على قانون نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ومع أننا نعلم ذلك، تقبلنا قرار ترامب بالدهشة، حقا إننا مجتمع شيزوفريني!
القدس ضاعت من زمان، فمنذ أن هاجر إليها اليهود أفواجًا عام 1917، وجاءوا يلوّحون بالمال للشعب الفلسطينى الذى ابتلع الطعم وباع الأرض راضيا مرضيا، متقبل البيع مقابل الثراء وجمع المال، حتى كانت الطبول والدفوف تُدَق داخل المنزل المباع فرحا بجني السعادة التي أصبحت تعاسة أبدية.
القدس ضاعت من زمان، فمنذ سنوات من يريد الذهاب إلى القدس لا بد أن يختم جواز سفره بتأشيرة «تل أبيب».. ومنذ سنوات أيضًا والقدس عاصمة إدارية للعديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات التابعة للكيان الصهيوني وسفارات الدول الأخرى.
القدس ضائعة منذ الصرخة النشاز للمولود الصهيوني عام 1948، الذي يتنفس كذبا في فلسطين!
أعتقد أن القدس تستحق أن توقف الدول العربية والإسلامية استثمارتها الضخمة مع أمريكا، وأن تتصالح المصالح الاقتصادية للعرب مع السياسية منها، وأن نقضي على حالة الانقسام والخلافات ما بيننا حتى نقضي علي حالة الشلل العربي التي انتهزها ترامب ليقضي على جسد الأمة العربية والإسلامية بقنبلة نقل سفارته.
ويبقى أن نعلم النشء الصغير من أبنائنا وأحفادنا –وهم الأمل الأكبر في تحرير فلسطين- أن القدس قضيتنا، وأن إسرائيل سطت على فلسطين كالحرامية، وأن أمريكا وشعاراتها خدعة يجب أن تأخذوا بالكم منها.
لكِ الله يا قُدُسُ "عاصمة فلسطين الأبدية".