السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإغراق والتهريب يهددان 17 ألف مصنع للأحذية (ملف)

مصانع «درب الإبراهيمى» تعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسرح «العمالة» وتغير نشاطها إلى الاستيراد الجاهز بسبب الركود.. و«المستورد» دفع أصحاب المهنة الكبار إلى هجر «الصنعة»
منشأة وحيدة لإنتاج الجلد الصناعى.. ومالك ورشة: «مبعملش شغل كتير.. اللى هصنعه هيروح فين؟» 

ينتشر عدد كبير من مصانع الأحذية والمصنوعات الجلدية المُختلفة فى «درب الإبراهيمى» بمنطقة رمسيس،، كونها واحدة من أكثر المناطق الحاضنة لصناعة الجلود فى مصر، وهى؛ باب الشعرية والدرب الأحمر وإمبابة وباب الخلق.
المصانع هُناك شبه خاوية على عروشها، بداية من عدد العمال القليل ووصولًا بمُنتج نهائى، شُنط وأحذية، متوافر بكميات محدودة فى وردية العمل الواحدة داخل كل مصنع.
«مبعملش شغل كتير.. اللى هصنعه هيروح فين؟» بدأ بها محمود القدس، صاحب مصنع لإنتاج شُنط الجلد بدرب الإبراهيمى، مُضيفًا أن طلبات التُجار على مُنتجات الجلود خلال الفترات الأخيرة ضعيفة مُقارنة بالأعوام السابقة، لدرجة أن إنتاج مصنعه تحول من ١٠٠٠ شنطة إلى حوالى ٣٥٠ شنطة فى الأسبوع.


الطاقة الإنتاجية
ويوضح صاحب الخمسين ربيعًا: «أعمل حاليًا بأقل من نصف طاقتى الإنتاجية بسبب قلة طلب التجار على شراء المصنوعات الجلدية نتيجة الركود الذى لحق بصناعة الجلود فى مصر على إثر تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، وأيضًا عدم تحسن دخل المواطن، فمن كان يشترى شنطة جلد بـ ١٢٠ جنيها فى السابق، أصبح يشتريها بمبلغ يتخطى ٣٠٠ جنيه، وبالتالى أصبح طلب المستهلكين على المُنتج ضعيفا».
وعن مراحل العمل داخل مصنعه، قال «القدس» إنها تبدأ بشراء الخامات، من جلد وكولة وكارتون وإكسسوارات، مرورًا بتقطيع الجلد وتفصيله على موديلات عديدة «اسطمبات»، وصولًا بمراحل الصبغة والبطانة وتركيب الإكسسوارات والترويق والتغليف.
وأضاف: «معظم الجلود التى نستخدمها مستوردة، لأن جودتها أفضل من الجلود مصرية الصُنع فى حالة توافرها، كما أن هناك مصنعًا واحدًا يعمل فى تصنيع الجلد المصرى، هو؛ «ألبو»، وتُعتبر خاماته من الجلد أقل مقارنة بالمستورد، وأسعاره تُعتبر أغلى».
ويُكمل: «أسعار الجلود ارتفعت لأكثر من الضعف خلال العام الأخير، ففى حين كان سعر المتر الواحد لا يتخطى ٣٠ جنيها، وصل الآن إلى ١٠٠ و١٢٠ جنيها للمتر، وبالتالى أصبحت تكلفة وسعر بيع مُنتجى أغلى من السابق، وهو ما أثر على سوق تجارة وشراء الشُنط بشكل كبير».
الأزمة التى تمر بها صناعة الجلود فى مصر الآن أشبه بالأزمة التى لحقت بتلك الصناعة فى عام ٢٠٠٤، حينما بدأ الطلب على المصنوعات الجلدية، مصرية الصُنع، فى الانهيار نتيجة إغراق السوق بالمنتجات المستوردة، الأقل سعرًا والأفضل من حيث الجودة، لدرجة دفعت كبار مُصنعى الجلود المصريين فى الاتجاه إلى الاستيراد، والاحتفاظ فقط بنسبة لا تتخطى ٢٠٪ من الاعتماد على التصنيع المحلى، حسبما أكد محمود القدس.
الاستيراد والأسعار
وأوضح القدس: «فى تلك الفترة، الشُنط والأحذية كان يتم استيرادها بأسعار رخيصة، ومن ثم بيعها فى السوق المصرية بسعر أرخص من المُنتج المصرى، الذى هجره التُجار وابتعدوا عنه، فانعدمت الصنعة، فقط بعض الطلبات من المُنتج المصرى كُنا ننفذه لعدد محدود من التُجار، الأمر الآن اختلف بالنسبة لى، فبالرغم من إغراق السوق بالمصنوعات الجلدية المستوردة، إلا أننى لم اتجه إلى الاستيراد كما فى السابق، لكن بعض المصانع الكبرى أصحابها يعتمدون على الاستيراد الجاهز وتوريده للتجار المصريين حتى الآن».
ويُتابع القدس: «بالرغم من أن أسعار الجلود المستوردة ارتفعت بعد التعويم، والطلب على المصنوعات الجلدية أصبح أيضًا أقل، إلا أن قرار التعويم ساعد فى اتجاه أنظار المستهلك المصرى إلى المُنتج محلى الصُنع بشكل كبير فى الفترة الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار المُنتج المستورد عما كان عليه قبل أكثر من عام، حيث وصل فرق السعر بين المُنتج المصرى والمستور إلى الضعف أو الضعفين فى حالة الخامات الأقل جودة».
مشاكل الصناعة
ويُشير «القدس» إلى أهم المُشكلات التى تواجه مُصنعى الجلود فى مصر، والتى يأتى على رأسها عدم وجود مصانع ومستثمرين حقيقيين لتصنيع وإنتاج الجلود المصرية كخامات لإنتاج المصنوعات الجلدية المُختلفة، وهو ما يدفع أصحابها إلى استيراد الجلود من الخارج بأسعار مُرتفعة، وأيضًا استيراد الإكسسوارات المُستخدمة فى تلك المصنوعات من الصين وإيطاليا لعدم وجود مصانع لإنتاجها فى مصر.
ويواصل: «أنا لو شغال بكامل طاقتى الإنتاجية لن يكفينى ٢٠٠ عامل فى المصنع، لكن للأسف قلة الطلب على المنتج السبب الرئيسى لتقليص عدد العمال إلى ٥٠ شخصًا فقط، كما أننى فى السنوات الأخيرة امتنعت عن السفر مع معارض المُنتجات المصرية فى دول الخارج لأن بعض المُصنعين المصريين «يضربون» الأسعار فى تلك المعارض».
تقليص العمالة
فيما يقول عمر فتحى، أحد العاملين بصناعة الشُنط بدرب الإبراهيمى، إن معظم مصانع إنتاج المصنوعات الجلدية قلصت عدد العاملين بها فى الفترة الأخيرة، لدرجة أن بعض تلك المصانع اضطرته ظروف السوق السيئة إلى وقف الإنتاج وتسريح العمالة بسبب قلة الطلب على مُنتجاتها.
وأضاف فتحى: «أصحاب المصانع أصبحوا الضحية بين التُجار ومستوردى الجلود والإكسسوارات، فبينما يطلب المستورد أمواله «كاش» يعتمد فى نفس الوقت التاجر على طريقة الدفع بالآجل، كما أن أجرة العمال والصنايعية ازدادت الضعف، فتحول الأمر إلى أن صاحب المصنع يبذل مجهودًا كبيرًا فى سبيل الإنتاج بدون مُقابل حقيقى يعود عليه».
وأشار الشاب الثلاثينى إلى أن ارتفاع أسعار الخامات والإكسسوارات هى السبب الرئيسى خلف ضعف إقبال التُجار على شراء المصنوعات الجلدية فى الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى أن أبناء الصنعة يواجهون مشكلات أخرى عديدة، فى مقدمتها عدم قدرتهم على التصدير بسبب بعض شروط وإجراءات استخراج الأوراق المطلوبة للالتحاق بمعارض الدولة فى الخارج، وأيضًا عدم توافر الخامات المستوردة فى السوق المصرية فى كثير من الأحيان.
تصدير الجلود
وفى السياق ذاته، أكد أيمن جمعة، صاحب أحد مصانع الأحذية بدرب الإبراهيمى، أن تصدير الجلود الطبيعية إلى الخارج بات أمرًا سائدًا منذ سنوات، حيث يُعتبر التصدير مُجزيًا للاستفادة من فروق الأسعار والدولار، موضحًا: «يتم تصدير الجلد المصرى الخام إلى الخارج بعد مرحلة تلميعه وتنظيفه فقط، وفى الخارج تبدأ مراحل تشطيبه ودباغته».
وعن الفرق بين مصنوعات الجلد الصناعى والطبيعى، قال «جمعة» إن الأخيرة «زبونها شاحح»، ويوضح: «كنت بشتغل جلد طبيعى مع تاجر فى الكوربة وتاجر آخر فى الزمالك، بطلبات قليلة جدًا، مثلُا ١٠ أحذية من كل موديل أسبوعيًا، ودول مش هيأكلوا حد ولا بيجيبوا همهم».
جلد صناعى
ويُكمل جمعة: «٩٥٪ من الشغل فى مصر باستخدام الجلد الصناعى، حتى أن بعض مصانع المصنوعات الجلدية التى تعتمد بقدر كبير على الجلد الطبيعى، تضطر إلى استيراد الجلد الطبيعى المصرى بعد تصديره ومروره بمراحل الدباغة فى الخارج، لأن الجلد المصرى هُنا «خشن» وجودته ضعيفة بسبب التصنيع السيئ، وصناعة الأحذية خاصة تتطلب مُدخلات بجودة عالية بقدر كبير لأن أى خطأ بها يظهر للمُستهلك».
ويواصل جمعة: «الجلد الصناعى فى مصر أيضًا غير متوافر لعدم وجود مصانع لإنتاجه، غير مصنع واحد، وخامته أيضًا لا تساعد فى «الشغل»، لأنها رديئة إلى حد كبير مقارنة بالجلد الصناعى المستورد، الذى يتميز بالجودة العالية، لكن أسعاره فى الوقت نفسه مرتفعة وتزداد يومًا بعد الآخر، بالإضافة إلى أن عدم توافره الدائم يُشكل أزمة كبيرة لمُنتجى المصنوعات الجلدية».