الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ترامب.. منطق القوة وشريعة الغاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صادق الكونجرس الأمريكى فى ٢٣ أكتوبر ١٩٩٥ على قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس واتجه جميع رؤساء أمريكا السابقين إلى إرجاء تنفيذ القرار رغم وعودهم بتنفيذه لإدراكهم بأن القرار يعد بمثابة إعلان حرب على الدول العربية والإسلامية، وإدراكهم لتداعيات تنفيذه نظرًا لمكانة القدس فى قلب وعقل كل عربى ومسلم باعتبارها مكانًا مقدسًا وخطًا أحمر لا يمكن تجاوزه.. ثم جاء ترامب مع تصاعد حملاته الانتخابية تحديدًا فى مارس ٢٠١٦ ليعطى وعدًا قاطعًا فى خطاب أمام مؤتمر نظمته لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية «ايباكAIPAC» حيث قال نصًا «هذا ما سيحدث عندما يكون دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، سوف ننقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودى القدس، وسوف نرسل رسالة واضحة أنه ليس هناك ضوء نهار يفصل بين أمريكا وبين حلفائنا الأكثر اعتمادية دولة إسرائيل»، هذا الوعد الانتخابى الذى قطعه ترامب على نفسه أمام أكبر جماعات الضغط اليهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية ها هو ينفذه بكامل وعيه ورشده وبكامل إرادته قبل مرور عام على توليه الرئاسة.
رغم التوقع.. كان الترقب والانتظار مساء الأربعاء الماضى ٦ ديسمبر لما قد يعلنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن القدس!.. القرار كان واضحًا وصريحًا بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.. لم يكن مغيبًا حين أصدر قراره لكنه منطق القوة وشريعة الغاب، واستغلال لتوقيت الدول العربية فيه فى أضعف حالاتها لاتخاذ القرار وفرض الأمر الواقع.. توقيت تشتعل فيه الخلافات والصراعات العربية وتستنزف طاقاتها وقدراتها بما لا يدع مجالًا أو قدرة لأى مواجهة محتملة.. هكذا يفكرون، وهكذا يرون ويحللون الواقع.
القرار كان صادمًا رغم توقع الغالبية له، قرار يعلن الانحياز التام لإسرائيل واحة الديمقراطية فى المنطقة، كما يراها ترامب، قرار يتحدى وبشكل سافر مشاعر العرب والمسلمين حول العالم، ويمثل تهديدًا للأمن والسلم ويقضى على أى فرصة للسلام فى المنطقة بكاملها، قرار يخالف أى منطق أو حق أو قانون.. يُجمع أساتذة القانون أن قرار ترامب لا يغير المركز القانونى للقدس باعتبارها مدينة محتلة لا سيادة لإسرائيل عليها وفقًا للاتفاقيات والقانون الدولي.. لذلك فإن هذا القرار هو تحدٍ واضح وتجاوز صريح لكل قواعد ومبادئ العلاقات الدولية والقانون الدولي. 
موجة من الغضب العارم اشتعلت فى الشارع العربى والإسلامي، تظاهرات حاشدة فى الضفة الغربية والقدس، المدارس والمحال تغلق أبوابها - شبه إضراب ـ وإعلان الانتفاضة الثالثة لحماية القدس، مواجهات دامية بين قوات الاحتلال والفلسطينيين لإسقاط «وعد بلفور الجديد»، مظاهرات فى مصر والعديد من العواصم العربية والأوروبية وداخل الولايات المتحدة نفسها، وأمام السفارات الأمريكية فى العديد من دول العالم.. رفض للقرار وإدانات من غالبية دول العالم.. موقف مصر كان واضحًا برفض القرار وأى آثار مترتبة عليه، تصفه مصر والإمارات بأنه مخالف للشرعية الدولية، وتصفه السعودية بأنه غير مسئول والكويت بأنه مخل لعملية السلام، كما تصفه ألمانيا بأنه يصب الزيت على النار، وهولندا تصفه بأنه خطوة للخلف، وتؤكد الجامعة العربية أن القدس خط أحمر.. إدانات عربية وعالمية واضحة للقرار ورفض واستهجان لتحدى قرارات الأمم المتحدة والمبادئ والقوانين الدولية.
لا نريد لرد الفعل أن يتوقف عند حد الغضب والرفض والشجب والإدانة، بل يجب أن يتعداها لاتخاذ خطوات عملية تترجم الغضب والرفض لمواقف ترد بقوة على هذا القرار، خطوات يراها الآخر قوية ومؤثرة تجبره على مراجعة قراره والتفكير ألف مرة قبل اتخاذ قرارات مماثلة تتحدى وبفجور العرب والمسلمين، خطوات على المستوى السياسى والدبلوماسى ومستوى العلاقات والمستوى الاقتصادى والتعاون فى المجالات المختلفة مع الولايات المتحدة وأى دولة توافق على مثل هذا القرار، التحرك الدبلوماسى فى اتجاهات متعددة ومن خلال المنظمات العربية والدولية لكسب تأييد العالم وإقناعه بعدالة القضية ومكانة القدس وتاريخها وعروبتها وموقفها القانونى وفقا للمبادئ والقواعد والقوانين الدولية، وخاصة أن غالبية دول العالم مهيأة لتقبل مثل هذه التحركات الدبلوماسية وفقًا لمواقفها المعلنة الرافضة للقرار. 
وحسنًا فعلت مصر مع سبع دول أخرى بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن والذى أكد غالبية مندوبى الدول الحضور رفضهم للقرار ومخالفته الصريحة لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.. وكذلك اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، والدعوات التى تتردد لعقد قمة عربية لاتخاذ مواقف وخطوات ترد بقوة على مثل هذا العبث الذى يؤجج للصراع ويهدد عملية السلام.
الموضوع أصبح مسألة كرامة ووجود.. إقرارًا للحق والعدل والسلام.
القدس عربية.. القدس لنا.
Morsi33@hotmail.com