الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الموسيقار نجيب محفوظ.. من الست منيرة لعدوية وفرقة المصريين

 نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا يجب أن تمر المعلومات التي فجرها الموسيقار هاني شنودة بشأن دور الأديب العالمي نجيب محفوظ في تأسيس فرقة المصريين، مرور الكرام حيث إن هذا التصريح يسلط الضوء على عدة جوانب في حياة نجيب محفوظ لم تنل حظها من الكشف.

وكان "شنودة" ذكر خلال لقائه مع الإعلامي "أسامة كمال"، على شاشة "دي إم سي"، أن نجيب محفوظ ذهب إلى إحدى حفلات فرقة تعزف الموسيقى الغربية، وتغنى تلك الأغنيات الوافدة من أمريكا وكان شنودة هو عازف الكيبورد بها.

وضمت عمر خيرت عندما كان عازف درامز؛ وقابل محفوظ حينها "شنودة" وسأله -خلال حوار صحفي يجريه محفوظ لصالح إحدى المجلات- عن السبب الذي يجعل فنانين شباب مصريين يغنون أغنيات غربية ويتجاهلون الموسيقى الشرقية والغناء العربي؛ فأوضح شنودة الأمر له وأرجع أسباب ذلك لضيق وقت الحفلات وأن المقدمات الموسيقية في الأغاني العربية مدتها تساوي مدة 3 أغانٍ من نظيرتها الغربية؛ فأشار عليه محفوظ أنه لا عيب في أن تقدم الكلمات العربية في هذه الموسيقى السريعة من حيث الإيقاع والقصيرة من حيث المدة؛ فمن الممكن أن نلغي المقدمات تماما وندخل في موضوع الأغنية مباشرة؛ ومن هنا كلام محفوظ ظل يراود عقل "شنودة" حتى نفذ هذه النظرة في أغاني جديدة كون من خلالها فرقته الشهيرة "المصريين" والمستمرة حتى وقتنا هذا.

تكاثرت ردود الأفعال بعد هذه التصريحات ودفع البعض للتفتيش عن الجانب الموسيقي في حياة نجيب محفوظ؛ لكن هذه التصريحات لا تشير إلى أن محفوظ كان يهتم بالموسيقى فقط بل إنه أيضا ناقد موسيقي ويؤمن بالتحرر والتنوع في أشكالها كما يؤمن بالتبادل الثقافي.

وهناك لقاءات وأحاديث تليفزيونية وإذاعية وصحفية عديدة تحدث فيها نجيب محفوظ عن الموسيقى بل أن مذكراته ضمت أحاديث عديدة حولها وقد جمعها الكاتب والناقد رجاء النقاش في كتابه "نجيب محفوظ صفحات من مذكراته"؛ ذكر فيها نجيب محفوظ بداية تشكل ثقافته السمعية وآراءه في الموسيقى عموما منذ جيل منيرة المهدية وحتى وقت كتابة المذكرات في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

ويتبين من خلالها أن الموسيقى هي الفن الذي خطف نجيب محفوظ قبل الأدب منذ أن كان عمره خمسة سنوات ولولا التوجيه السليم لأصبح عازف قانون بدلا من أن يصبح أديبا فيحكي في مذكراته: "تعلقت بالغناء منذ الطفولة، وفي بيتنا وجدت عددًا كبيرًا من الأسطوانات لكبار مطربي ذلك الزمان؛ وفي بيتنا أيضًا أقيمت حفلات غنائية في المناسبات السعيدة؛ وكانت هذه الحفلات تجمع بين لونين من الغناء: "العوالم" في مكان خاص بالسيدات، والمطربين في مكان خاص بالرجال. وبما أنني كنت طفلًا فقد تنقلت بين المكانين واستمعت إلى اللونين في تلك الحفلات؛ وصل حبي للغناء درجة العشق، وحفظت ذاكرتي الكثير من الأغنيات كنت أرددها مع نفسي أو بين الأصدقاء وفي الرحلات؛ وكنت أشعر بمتعة بالغة عندما يصطحبني والدي إلى مسارح روض الفرج، وكانت "روض الفرج"، هي مصيف أهل القاهرة في شهور الصيف آنذاك كانت الفرق المسرحية في "روض الفرج" تقلد فرق شارع عماد الدين الشهيرة، فتجد من يقلد "على الكسار" أو "نجيب الريحاني" أو يعرض "أوبريت" لسيد درويش ومن خلال مسارح روض الفرج شاهدت كثيرا من العروض المسرحية الشهيرة التي لم تتح لي الفرصة لمشاهدتها عند أصحابها الأصليين في مسارح عماد الدين؛ وعندما بدأت الإذاعة المصرية عام 1934 أخذت مسارح روض الفرج في التلاشي. فقد قدمت الإذاعة الأوبرا والأوبريتات القديمة فاكتفى الناس بسماعها في الراديو؛ وأذكر يوما أنني أجلس في غرفتي منهمكا في الكتابة، وفجأة سمعت في الراديو مشهدًا من إحدى المسرحيات التي شاهدتها في "روض الفرج" فقفزت من مكاني وألصقت أذني بالراديو، واكتشفت أن المسرحية من أعمال سيد درويش، وكنت أحفظها وأرددها دون أن أعرف أسم المؤلف. وكثير من الأعمال التي شاهدتها في روض الفرج كنت أحفظها وأرددها دون أن أعرف مؤلفها الأصلي".

ويتابع محفوظ: "وإذا كنت لم أحضر حفلات مطربي الجيل القديم مثل "صالح عبد الحي" و"عبد اللطيف البنا" وغيرهما إلا أنني عرفتهم جيدًا، وحفظت أغانيهم من خلال الأسطوانات وعندما ظهر "عبد الوهاب" و"أم كلثوم" تعلقت بهما وتابعتهما في شغف ولقد ظهرت أصوات أخرى مواكبة لهما زمنيًا إلا أنها لا تقارن بهما ثم ظهر نوع آخر من المطربين الذين يقلدون الفرق الغربية وروجوا للأغاني المسماة "الفرانكو آراب" ورغم أنني اعتبرتها خارجة عن الموضوع وعن الغناء والطرب الشرقي، فإنني وجدت فيها بعض الملاحة وكنت أتابعها؛ ثم جاءت الموجة الحالية من الأغاني "الشبابية" وأحيانا أستمع إليها وأنا راكب السيارة مع ابنتي، ولكنني لا أستطيع التمييز بين أصوات أصحابها، ودائما ما أخطئ في أسمائهم، لأن الأنغام متقاربة والأصوات متقاربة، واستمعت منهم إلى أغنيات لطيفة، ولكني لم أجد فارقًا يذكر بين حنجرة وأخرى، كما لم أجد من بينها صوتًا له شخصية خاصة والمطرب الوحيد الذي استطاع الحفاظ على تميزه وسط هذا الطوفان الغنائي منذ وفاة عبد الحليم حافظ وحتى الآن هو "أحمد عدوية" و"عدوية" في رأيي صاحب صوت قوي مؤثر، وله أسلوبه الشعبي المميّز، وأغانيه “الكاريكاتيرية الظريفة” لا يجاريه فيها أحد.

قبل ثورة يوليو 1952 كانت هناك أصوات ممتازة، لكنها كانت بالنسبة لي ثانوية إلى جوار عبد الوهاب وأم كلثوم كانت هناك "أسمهان" بصوتها القوي المعبّر الذي لا تستطيع أن تجد فيه عيبًا واحدًا، ومع ذلك لم أتعاطف مع هذا الصوت، بالضبط كما تلتقي بشخص جميل ولا تميل نفسك إليه رغم جماله، وكان إحساسي بصوت شقيقها "فريد الأطرش" هو نفس الإحساس، فهو يمثل نوعًا من الجمال لا تميل إليه نفسي، هذا على الرغم من إعجابي بالغناء الجبلي الشامي، وخاصة أصوات "صباح فخري" و"وديع الصافي" ومن قبلهما "فيروز" فصوت فيروز يسحرني ويترك في نفسي تأثيرًا عميقًا

وقد بلغ من حبي للموسيقى والغناء أنني التحقت بمعهد الموسيقى العربية ودرست فيه لمدة عام كامل. ويبدو لي الآن أنني لو كنت وجدت توجيهًا سليمًا من أحد لتغير مسار حياتي واخترت طريق الموسيقى وليس الأدب. أنا لم أفكر يومًا في أن أصبح فنانا تشكيليًا رغم حبي للفن التشكيلي، ولكن كان ممكنًا أن أحترف "الموسيقى" من شدة افتتاني بها، ولكن – على أي حال – فقد كان للقدر تصاريف أخرى".

ويتابع: "كان التحاقي بمعهد الموسيقى العربية 1933، وكنت وقتذاك طالبًا بالسنة الثالثة في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن). وكانت النظم الجامعية المعمول بها تسمح لمن هم في السنة الثالثة بأداء امتحان الليسانس مباشرة، وبذلك لا أكون ملزمًا بأداء امتحانات السنة الثالثة

فانتهزت الفرصة وقررت دراسة الموسيقى، والتحقت بالمعهد لمدة عام حصلت في نهايته على أعلى الدرجات. ولكنني لم أواصل الدراسة في العالم التالي، فقد كان علي الاستعداد لامتحان الليسانس في كلية الآداب. وإلى وقتنا هذا ما زلت أحفظ أدوار من تلك التي درستها في معهد الموسيقى العربية، وما زلت أحفظ من دور "السماعي الدراج" أجزاء "بالصولفيج"، وذلك لأني كنت أعزف آلة القانون، وعزفت خمس "بشارف" ولكنني نسيتها الآن".

وفي لقاء نادر مع الإعلامي طارق حبيب على شاشة التليفزيون المصري في الثمانينيات عزف الأديب العالمي مقطوعة على القانون كعزف أي لاعب محترف.

ويفسر البعض أن آراء محفوظ قادرة على تحديد السمات العامة التي تتسم بها شخصيته ؛فهو شخص متحرر إلى حد كبير لا يؤمن بالقوالب الصارمة لدرجة تجعله يتسامى مع فنان من الجيل الجديد حينها وهو أحمد عدوية أيضا كلامه لهاني شنودة يؤكد على ذلك كما يؤكد أنه شخص أبعد ما يكون عن المتعصب لشيء ما؛ ففي أحد حواراته يقول "محفوظ": "لم أتعصب في حياتي للون من ألوان الغناء؛ ففي الغالب من يحب القديم لا يميل إلى الجديد، والعكس صحيح؛ أما أنا فأحببت القديم والجديد معًا، الشرقي والغربي، البلدي والريفي والإفرنجي؛ ووجدت في كل لون مزاياه وأسلوبه ونكهته، وأعطيت وقتًا للاستماع إلى كل الألوان، وهي نفس الروح التي تعاملت بها أيضا مع المذاهب الأدبية؛ فلم أنكر أي لون أو مذهب أدبي".