لم يستطع التاريخ أن يوثق يوم ميلاده، لكنه استطاع أن يخلد ذكراه واسمه في صدر التاريخ وفي صدور كل العالقين المتناثرين المجبرين المحرومين من وطنهم، أولئك الذين تكالب عليهم أصحاب المصالح للنيل منهم ومن أحلامهم النبيلة.
نتحدث عمن استطاع أن يجعل من السجن مرسمًا، فخلد أفكاره على جدران سجون العدو الصهيوني المحتل، كما خلدها تمامًا حين اعتقل ذات مرة ومن قوات الجيش اللبناني، التي عاش فيها لاجئًا مع أسرته، إنه ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الفلسطيني، الذي تميز بالنقد اللاذع الذي يعمّق عبر اجتذابه للانتباه الوعي الرائد من خلال رسومه الكاريكاتورية، والذي يعد من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيٌر السياسي باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف، له 40 ألف رسمة كاريكاتوري، دونها قبل أن يغتاله مجهول في لندن عام 1987.
"العلي" من مواليد 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، هاجر مع أسرته إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة بعد احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948، ثم هَجر من هناك وهو في العاشرة، ومن ذلك الحين لم يعرف الاستقرار، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها، وكذلك الجيش اللبناني اعتقله أكثر من مرة وكان هناك أيضًا يرسم على جدران السجن، عاش بعد ذلك في طرابلس وحصل على شهادة ميكانيكا السيارات وتزوج من "وداد صالح نصر" من بلدة صفورية الفلسطينية وأنجب منها 4 أولاد هم خالد وأسامة وليال وجودي.
شارك في العديد من الشخصيات العربية المختلفة في توثيق مسيرة "العلي"، فابنه "خالد" أعاد إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، وتم ترجمة للعديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى، بينما قام الفنان نور الشريف بعمل فيلم له باسم "ناجي العلي" أثار ضجة كبيرة حينها.
صنع "ناجي العلي" في أعماله العديد من الشخصيات، كانت أبرزهم شخصية حنظلة التي قال عنها "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء"، وعن سبب تكتيف يديه فيقول "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973م لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع".
وعندما سُئل عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب "ناجي العلي": عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.
