الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

يحيى حقي.. صاحب قنديل أم هاشم

يحيى حقي
يحيى حقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هو ابن أسرة لها جذور تركية، نشأ في بيت صغير متواضع من البيوت التي أقامتها وزارة الأوقاف بدرب الميضة خلف المقام الزينبي في حي السيدة زينب بالقاهرة، وجد ثمانية إخوة كان ترتيبه الثالث بينهم، وكان قصير القامة، لا يزيد طوله عن المتر إلا "بِلُكَّمِيَّة"، حسب وصفه لنفسه، وكان ذو وجه وردي اللون، ورأس كبير زحفت جبهته حتى منتصفه، وله فم لا تفارقه البسمة الخجولة الغامضة، واعتاد على ارتداء النظارة منذ الطفولة.
نشأ يحيى حقي ليجد عمه محمود طاهر حقي الأديب وصاحب مجلة "الجريدة الأسبوعية"، وكان لدى أخيه إبراهيم ولع بالكتابة، حيث شارك في مطلع حياته بالكتابة في مجلة "السفور"، وكانت هذه النشأة الأدبية لها تأثير كبير على تكوين شخصيته وبروز مواهبه فيما بعد.
تلقى يحيى تعليمه الأوليَّ في كُتَّاب السيدة زينب، وبعد أن انتقلت الأسرة لتعيش في "حي الخليفة"، التحق عام 1912 بمدرسة والدة عباس باشا الأول الابتدائية بحي الصليبية، وهي مدرسة مجانية للعامة، وهي نفس المدرسة التي تعلم فيها الزعيم مصطفى كامل باشا، وقضى يحيى حقي فيها خمس سنوات تعيسة، خاصة بعد رسوبه في السنة الأولى، وفي عام 1917 حصل على الشهادة الابتدائية، فالتحق بالمدرسة السيوفية، ثم المدرسة الإلهامية الثانوية، التي مكث بها سنتين حتى نال شهادة الكفاءة، ثم التحق عام 1920 بالمدرسة السعيدية لمدة عام، انتقل بعده إلى المدرسة الخديوية التي حصل منها على شهادة البكالوريا، وكان ترتيبه الأربعين من بين الخمسين الأوائل في القُطر كله؛ بعدها التحق في أكتوبر 1921 بمدرسة الحقوق السُلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول، وكانت وقتئذٍ لا تقبل سوى المتفوقين، وزامل فيها توفيق الحكيم، وحصل على الليسانس في الحقوق عام 1925، وجاء ترتيبه الرابع عشر على دُفعته، ليتم تعيينه في النيابة.
قضى يحيى فترة التمرين بمكتب نيابة الخليفة في شارع نور الظلام ـ في مبنى المحكمة الشرعية ـ لقربه من مسكنه، وبهذه الوظيفة بدأ حياته العملية، وأصدق وصف لها هو " صبي وكيل النيابة" -على حد تعبيره- لكنه ما لبث أن تركها بعد مدة وجيزة ليعمل بعدها بالمحاماة ؛ ولما فشل سافر إلى الإسكندرية ليعمل في أول الأمر عند زكي عريبي، المحامي اليهودي المشهور وقتذاك بمرتب شهري قدره ستة جنيهات، لم يقبض منها شيئًا ثم انتقل إلى مكتب محام مصري بمرتب قدره ثمانية جنيهات شهريًا، وسرعان ما هجر الإسكندرية إلى مديرية البحيرة ليعمل فيها بمرتب شهري قدره اثنا عشر جنيهًا، وقد سمح له هذا العمل بالتنقل بين مراكز مدينة البحيرة، وكثيرًا ما تعرض للخداع من قبل الوسطاء الذين يعملون بين المحامين والمتقاضين، هذا الأمر جعله يفقد الإحساس بالأمن والاستقرار، كما أغرقه في الشعور بالخوف من المستقبل، فلم يلبث في عمله بالمحاماة أكثر من ثمانية أشهر ؛ لأن القلق على مستقبله بدأ يساور أهله؛ فبدءوا يبحثون له عن عمل بالوساطات والشفاعات حتى وجدوا له وظيفة معاون إدارة في منفلوط بالصعيد الأوسط؛ وبعد وفاة والده عام 1926، لم يجد بُدًا من الخضوع لأوامر العائلة وقبول تلك الوظيفة ؛ التي تسلم عمله بها في الأول من يناير عام 1927؛ وكانت الوظيفة الجديدة أقل كرامة من وظيفة النيابة؛ فلم يقبل المنصب إلا صاغرًا مستسلمًا، وقد عانى فيه مشقة كبرى وامتحن فيه امتحانًا عسيرًا وعرف الغم والهم والحسرة والألم. ولكنه ـ من جهة أخرى غنم من تلك الوظيفة مغانم كثيرة لا تحصى؛ بالنسبة لمستقبله ككاتب.
عاش يحيى في الصعيد، عامين كان يتطلع خلالهما للخلاص من تلك الحياة القاسية، حتى أتاه بالمصادفة المحضة ـ كما يقول ـ إذ قرأ إعلانا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات، والمفوضيات؛ فحرص على التقدم إلى تلك المسابقة التي نجح فيها، ولكن كان ترتيبه الأخير، فعين أمينا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة، عام 1929 ثم نقل منها إلى إسطنبول عام 1930، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934؛ بعدها نقل إلى القنصلية المصرية في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939؛ إذ عاد بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليعين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وقد مكث بالوزارة عشر سنوات رقي خلالها حتى درجة سكرتير أول حيث شغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية، وظل يشغله حتى عام 1949؛ وتحول بعد ذلك إلى السلك السياسي إذ عمل سكرتيرًا أول للسفارة المصرية في باريس، ثم مستشارًا في سفارة مصر بأنقرة من عام 1952 وبقى بها عامين، فوزيرًا مفوضًا في ليبيا عام 1953.
أُقِيلَ يحيى من العمل الدبلوماسي عام 1954 عندما تزوج من أجنبية وهي رسَّامة ومثَّالة فرنسية تدعي جان ميري جيهو، وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة 1955 فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيسًا لتحرير مجلة "المجلة" التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970.
حصل يحيى حقي في يناير عام 1969 على جائزة الدولة التقديرية في الآداب؛ كما منحته الحكومة الفرنسية عام 1983، وسام الفارس من الطبقة الأولى، ومنحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراه الفخرية؛ اعترافا من الجامعة بريادته وقيمته الفنية الكبيرة؛ وكان واحدًا ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل العالمية ـ فرع الأدب العربي ـ لكونه رائدًا من رواد القصة العربية الحديثة، عام 1990.
في ضحى يوم الأربعاء، التاسع من ديسمبر، عام 1992 توفي يحيى حقي في القاهرة، عن عمر يناهز سبعة وثمانين عامًا؛ بعد أن أعقب تراثًا كبيرًا من الفكر والأدب إبداعا ونقدًا.