الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

القارة العجوز تدفع ثمن إيواء جماعات الدم

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار العقود الماضية، مثلت قارة أوروبا الملاذ والحاضنة لجماعة الإخوان الإرهابية، ومن بعدها الحركات السلفية، وبعدما تساهلت الدول الأوروبية فى التعامل مع حركات الإسلام السياسى، ودعمتها فى بعض الفترات، باتت تنزعج الآن من المخاطر التي تمثلها تلك الجماعات، إذ شهدت السنوات الأخيرة تحذيرات من تنامى نفوذ السلفيين فى أراضيها، خاصة فى ألمانيا، إضافة إلى خطورة التواجد الإخواني فى الغرب ودوره فى ارتفاع ظاهرة الإرهاب.


«الإرهابية» دخلت أوروبا فى الخمسينيات وتوسعت بدعوتها فى الثمانينيات
نشأت جماعة الإخوان الإرهابية فى أوروبا منذ بداية الخمسينيات، وبدأت فى بعض الدول الغربية كبريطانيا تتشكل بصورة منظمة فى بداية عام ١٩٦٣، وقد تشكلت الحركة فى أكثر الأقطار الأوروبية على أيدى بعض الطلاب الوافدين من أبناء حركة الإخوان فى المشرق الإسلامى مع بعض المهاجرين الذين فروا من بعض الأنظمة، وبخاصة فى أيام محنة الإخوان مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
وانتقلت هذه الحركة إلى أوروبا مع هؤلاء، وتشكلت، وهى محملة بكل الخصائص التى كانت عليها فى المشرق الإسلامى، ونشأت وهى تحمل ذات المكونات الفكرية، والدعوية، والحركية، والتنظيمية، وكان الوجود الإسلامى فى أوروبا إبان قرار حل الجماعة عام ١٩٥٤، لا يتسم بالزخم أو بالتواصل، إذ لم يكن للمسلمين فى ألمانيا، على سبيل المثال، سوى مسجدين تفصل بينهما مسافات شاسعة أحدهما فى هامبورج، والآخر فى برلين، ومع تطور أوضاع الأقليات فى أوروبا، وتطور الوجود الإسلامى هناك، وانتقاله من مرحلة فقدان الهوية إلى مرحلة الشعور بالهوية، جاءت مرحلة الصحوة والاستيقاظ منذ نهاية الستينيات إلى منتصف السبعينيات، ثم مرحلة بناء المؤسسات وتجميع الجهود، والتى استمرت إلى منتصف الثمانينيات لينتقل الوجود الإسلامى فى أوروبا، إلى مرحلة التفكير فى ضرورة توطين الدعوة وتوطين الإسلام، والسعى نحو مرحلة التفاعل الإيجابى مع مكونات المجتمع الأوروبى.
المركز الإسلامى
ومرت «الجماعة» بعدة نقلات نوعية منذ تأسيس المركز الإسلامى فى جنيف عام ١٩٦١ باعتباره أول مؤسسة إخوانية فى أوروبا، حيث ركزت الجماعة فى إطار استراتيجيتها الرامية لتوظيف أوروبا كنقطة انطلاق لمهاجمة الأنظمة العربية - على التوسع الرأسى فى ثلاثة بلدان أوروبية رئيسية وهى: فرنسا وألمانيا ثم بريطانيا لاعتبارات التاريخ والجغرافيا السياسية فى ضوء أنها أكبر بلدان الاتحاد الأوروبى من حيث المساحة وعدد السكان، فضلًا عن أنها تمثل مركز استقطاب للجاليات الإسلامية القادمة من البلدان العربية والإسلامية التى كانت خاضعة لتأثيرها الثقافى والاستعمارى.
الإسلام التركى
ووظفت الجماعة وجودها المؤسسى فى البلدان الثلاثة «فرنسا، ألمانيا وبريطانيا» الذى أتاح لها بناء شبكة من التحالفات والاعتماد المتبادل مع الكيانات الممثلة للكتل الإسلامية الرئيسية فى العالم، من خلال الانفتاح على الإسلام التركى الموجود بكثافة فى ألمانيا، غير أن النجاح الأكبر تمثل فى استغلال الجاليات المغاربية الكبيرة الموجودة فى فرنسا كبوابة عبور لجماعة الإخوان إلى منطقة المغرب العربى، باعتبارها إحدى الكتل الإسلامية الرئيسية فى العالم العربى الإسلامى.
فرنسا وبلجيكا
كما أسست العديد من الحركات الإسلامية المغاربية الموالية للجماعة أو القريبة منها مكاتب لها فى فرنسا وبلجيكا بشكل خاص مثل حركة النهضة التونسية وجماعة العدل والإحسان المغربية، بالإضافة إلى عدد آخر من الأحزاب الإسلامية المؤثرة فى المغرب العربى. كما أدى الوجود الإخوانى فى الدول الأوروبية الثلاث الكبرى إلى خلق امتدادات مؤسسية إخوانية فى الدول الأصغر المجاورة التى تدور فى فلكها، كما فى حالة بلجيكا بالنسبة لفرنسا وإيرلندا بالنسبة لبريطانيا وسويسرا بالنسبة لألمانيا.
الجيل الثانى
وشهدت أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات بروز «الجيل الثاني» من المؤسسات الإخوانية من خلال التوسع الأفقى فى أوروبا وذلك فى إطار توظيف التنظيم الدولى للإخوان للموجات الجديدة للهجرات العربية الإسلامية لأوروبا بالتوازى مع بدء بروز الجيل الثانى من مسلمى أوروبا فى تلك الحقبة.
اتحاد المنظمات الإسلامية
وقد أنشئ فى هذا الإطار اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا كواجهة أمامية للتنظيم الدولى للإخوان وكمظلة تضم كل الجمعيات الإخوانية والإسلامية المحسوبة على التيار الإخوانى فى أوروبا، والذى يبلغ عددها أكثر من ٥٠٠ منظمة بدول الاتحاد الأوروبى وخارجها، بالإضافة إلى الكيانات غير الرسمية التى تعمل فى إطاره.
ومع بداية التسعينيات تكون فى القارة الأوروبية عدد من المنظمات والهيئات الإسلامية من شاكلة اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا – ومقره بروكسل – والذى يهدف إلى لمّ الشمل والتنسيق بين جماعات الإخوان، فى أكثر من عشرين دولة، والمجلس الأوروبى للفتوى والبحوث والذى يضطلع بمسئولية الإفتاء فى القضايا المتعلقة بالأقليات المسلمة فى أوروبا، والمعهد الأوروبى للعلوم الإنسانية الذى يتولى مهمة تدريب الأئمة فى ثلاث جامعات موزعة على فرنسا وويلز، فضلًا عن مجموعة من الكيانات الاقتصادية والتى تقوم على توصيل الأموال القادمة من الخليج إلى المنظمات والحركات التابعة للإخوان، وذلك للتوسع فى عمليات بناء المساجد فى جميع الأنحاء الأوروبية.

«الجيتو السلفى» فى أوروبا
تقارير استخباراتية حذرت من انتشار السلفية وتزايد المراكز والمؤسسات الدينية
«السلفيون بوجه عام يستندون إلى إقامة حاجز آمن بين أنصارهم وبين المجتمعات الأوروبية»، بحسب السفير طارق دحروج، سفير مصر فى اليونان، وقال يسعون لإعادة بناء هوية عناصرهم من خلال القطيعة مع التقاليد الاجتماعية والثقافية والدينية فى مجتمع المهاجرين من أجل الدخول فى نسق جديد يتخطى الآفاق الوطنية مبنى على مفهوم الأمة الإسلامية.
ولهذا ترفض الحركة السلفية الاعتراف بشرعية القيم السائدة فى المجتمعات الأوروبية، بغض النظر عن أى مواقف رسمية أوروبية يمكن أن تكون فى بعض الأحيان مواتية لمصالح الجاليات المسلمة سواء على الصعيد السياسى والاجتماعي؛ وهو ما يفسر ظاهرة الانسحاب من المجتمعات الأوروبية ومنع القيادات السلفية للأعضاء من المشاركة فى الحياة السياسية الأوروبية، نظرًا لأن التشريعات فى أوروبا ذات طابع علمانى ولا يتم سنها تطبيقًا للشريعة الإسلامية.
وفى السنوات الأخيرة حذرت العديد من التقارير الاستخباراتية من انتشار الأفكار السلفية، على نحو غير مسبوق فى أوروبا، وتزايد المراكز والمؤسسات، التى تروج لهذه الأفكار، فى العديد الدول الأوروبية الكبرى، والتى تعد بمثابة مراكز متقدمة لتجنيد الشباب والفتيات، والسفر إلى سوريا والعراق، للانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابى.
وقال تقرير نشرته صحيفة «ديلى هيرالد» الأمريكية: إن الفكر السلفى يغزو أوروبا، وتزايدت أعداد السلفيين على نطاق واسع فى العديد من الدول، على رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأصبح نفوذ مشايخ السلفية قويًا فى المساجد والشوارع، حتى أن الحكومات والأجهزة الأمنية هناك تتعامل معه بحذر.
وتنتشر مظاهر «التسلف» فى الملابس وإطلاق اللحى، وكذلك ارتداء النساء للنقاب والملابس السوداء، وأصبحت تلك المظاهر مصدرا للقلق الأمنى والاجتماعى المتزايد، وتعتبر الأجهزة الأمنية الأوروبية تلك الأفكار ملهمةً للشباب والفتيات، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
ألمانيا
ووفقًا للتقرير، فإن أعداد السلفيين تضاعفت فى دول أوروبية مهمة، مثل ألمانيا، على مدار العام الماضى، وأصبح هناك أكثر من ٧٠٠٠ سلفى فى أنحاء ألمانيا، أى ضعف ما كان عليه قبل ٤ سنوات، حيث كان عددهم لا يتجاوز ٣٨٠٠ سلفى، وفقًا لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية الألمانية، وحذرت الحكومة من الزيادة المستمرة لأعداد الشباب الذين يعتنقون تلك الأفكار، والتى أصبحت أكثر انتشارًا بين الفتيات، خاصة اللائى يرغبن فى السفر إلى سوريا والعراق، للمشاركة فى الجهاد هناك.
وقالت وسائل إعلام ألمانية، إن ولايات مختلفة تحركت وبشكل منسق غير معهود لمراقبة المساجد التى ينشط فيها دعاة وأئمة متشددون. 
فرنسا
وتوضح «ديلى هيرالد»، أن غالبية مساجد فرنسا ومراكزها الإسلامية، أصبحت تحت سيطرة السلفيين تمامًا، وهناك الآن أكثر من ١٠٠ مسجد يتحكم بها السلفيون، وينشرون أفكارهم من خلالها، إضافة إلى مئات المساجد الأخرى، التى يزحفون نحوها، واتسع نفوذهم فيها، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم عدة مرات خلال الفترة المقبلة. 
ويبلغ عدد مساجد فرنسا نحو ٢٠٠٠ مسجد، حيث دعا رئيس الوزراء الفرنسى الأسبق مانويل فالس، برلمان البلاد إلى حظر الحركة السلفية على أراضى فرنسا عن طريق إصدار قانون مناسب حول هذا الشأن، مؤكدًا أنه حان الوقت لإعلان السلفية فى فرنسا خارجة عن القانون، خاصة بعدما روج السلفيون لأفكارهم فى حوالى ٢٠٠٠ مسجد، وتشمل عدة آلاف من المصلين، الذين يسهل إقناعهم بالأفكار المتطرفة، إذ تشير الحكومة الفرنسية إلى أن عدد المسلمين فى البلاد يتجاوز ٥ ملايين شخص.
بريطانيا
وفى بريطانيا، لا يقل الموقف خطورة بالنسبة لانتشار السلفيين، وتُقدر السلطات الأمنية البريطانية، أنهم يسيطرون على نحو ٧٪ من إجمالى المساجد المنتشرة فى بريطانيا، والبالغ عددها ١٧٤٠ مسجدًا، وبحسب صحيفة «الجارديان» البريطانية فإن مجلس مدينة برمنجهام تلقى خطابات غير مؤرخة فى أواخر العام الماضى، والتى وصفت ما جاء به بأنه مؤامرة مزعومة للاستيلاء على المدارس فى المجتمعات التى ترتفع بها نسبة السكان المسلمين.
المدارس
وذكرت «الجارديان» أن هذه الخطابات تقدم خطة من خمس خطوات للسيطرة على هذه المدارس بمساعدة الآباء المتشددين الذين يتبعون منهج السلفية الصارم، حيث يقترح أن يثور الآباء ضد قيادة هذه المدارس بسبب تدريس أطفالهم التربية الجنسية وإجبارهم على الصلاة المسيحية وممارسة الرياضة والسباحة المختلطة.

أول دستور «إخوانى» فى الغرب بقلم «القرضاوى»
مثّل كتاب القيادى الإخوانى يوسف القرضاوى «أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة القادمة» الذى صدر عام ١٩٩٠ دستورًا لتحركات الإخوان المؤسسية فى الغرب بوجه عام منذ بداية التسعينيات وحتى الوقت الراهن، حيث دعا القرضاوى إلى استخدام الدعوة والحوار وبقية الوسائل السلمية فى ظل ما أطلق عليه «الوسطية بين التطرف والعلمانية».
وكان أهم ما تضمنه كتاب «القرضاوي» الإشارة إلى المسلمين فى الغرب والارتفاع المتوقع لأعدادهم فى ظل ارتفاع وتيرة الهجرة إلى الدول الغربية، ومخاطر ذوبانهم الكامل داخل تلك المجتمعات الغربية بحكم أنهم يمثلون الأقلية، فى هذا السياق روج «القرضاوى» لفكرة إنشاء مجتمع منفصل لمسلمى الغرب أطلق عليه مصطلح «الجيتو المسلم فى الغرب».
اعتبر «الدستور الإخوانى الجديد فى الغرب» بمثابة مشروع سياسى جديد يهدف للبناء على الرصيد الذى راكمته جماعة الإخوان عبر اتحاداتها وكياناتها الوطنية فى الدول الأوروبية الكبرى «فرنسا- ألمانيا- بريطانيا»، وبدأت الجماعة منذ عام ١٩٨٩ فى وضع النواة الأولى للعمل بشكل أفقى فى القارة العجوز من خلال إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية الذى اتخذ من بريطانيا مقرًا مؤقتًا له، ويمثل الاتحاد الواجهة الأمامية لجميع المنظمات والكيانات والجمعيات الإسلامية الإخوانية والمتعاطفة معها فى أنحاء أوروبا وهو ما يشبه أداة للتمثيل الدبلوماسى للإخوان. 

«التبليغ والدعوة».. بداية التواجد السلفى
الجاليات الباكستانية فى بريطانيا نشرت الفكر السلفى فى أوروبا
يؤرخ لظهور التيار السلفى فى أوروبا فى أواخر الستينيات على يد حركة «التبليغ والدعوة»، بواسطة الجاليات الباكستانية فى بريطانيا، ومنها انتشرت فى عدد من البلدان الأوروبية أهمها فرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا، ولكن عقد التسعينيات شهد الانطلاقة الحقيقية للتيار السلفى فى أوروبا من خلال الكوادر السابقة للجناح السلفى للجبهة الإسلامية للإنقاذ، والتى شكلها المعارضون الجزائريون الذين فروا إلى فرنسا وبلجيكا وسويسرا وألمانيا، وذلك على خلفية إلغاء نتائج الانتخابات من قبل النظام الجزائرى فى نهاية عام١٩٩١. 
ثلاثة اتجاهات
ومثلت تلك الكوادر ثلاثة اتجاهات سلفية، أولها تيار جمعية العلماء الجزائرية التى أسسها الجزائرى عبدالحميد بن بادس عام ١٩٣٦ لمقاومة الاستعمار الفرنسى، أما التيار الثانى، فقد تمثل فى الطلبة السابقين فى الجامعات والمؤسسات السلفية فى المشرق والخليج العربيين، وكان آخر تلك التيارات ممثلًا فى العناصر السلفية الجزائرية التى شاركت فى حرب أفغانستان إبان الاحتلال السوفييتى حتى عام ١٩٨٩، وهو الذى شكل النواة الأولى للفكر الجهادى الذى تطور فيما بعد على الأراضى الأوروبية.
وتأثرت تلك المجموعة بفكر منظرى جماعة الإخوان الإرهابية، عبدالله عزام وسيد قطب، وكانت مناهضة لفكرة الاكتفاء بالدعوة، معتبرةً أن الجهاد يمثل محور العقيدة الإسلامية بما فى ذلك وجوب الجهاد لإقامة الدولة الإسلامية، إلا أن هذا التيار تراجع فى أوروبا مع الغزو العراقى للكويت، إذ عجز التيار الجزائرى عن التحول إلى مركز جذب لمسلمى أوروبا الذين يمثلون أصولًا عرقية متباينة من المشرق العربى وتركيا وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية، إضافة إلى العزلة التى تعرض لها هذا التيار بسبب تأييده غزو العراق للكويت مما أفقده الدعم السياسى والمالى الذى كان يتمتع به من المؤسسات السلفية فى المشرق العربى ومنطقة الخليج. 
أفسح التيار الجزائرى مجالًا لبروز قطب سلفى جديد تمثل فى تيار السلفية الدعوية المشرقية من خلال الكوادر التى تم تكوينها فى مركز الشيخ الألبانى فى الأردن ودار الحديث فى اليمن وقسم الشريعة بجامعة دمشق وعدد من الجامعات الخليجية، وعززت السلفية المشرقية حضورها فى أوروبا عبر عدد من المؤسسات الدينية العابرة للقارات أهمها الجامعة الإسلامية العالمية التى توسعت فى عدد من البلدان الأوروبية عبر بناء المساجد فى بلجيكا وسويسرا وفرنسا ودول أخرى.