الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مغامرة مع "الدهَّابة".. محرر "البوابة" يدخل العالم السري لإنتاج الذهب جنوب مصر

مغامرة مع «الدهَّابة»
مغامرة مع «الدهَّابة»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأهالي: نبحث عن معايشنا.. ونطالب بتقنين أوضاعنا.. وقوافل التنقيب تخرج كل 15 يومًا.. والتنقيب يدوى أو باستخدام «جهاز الكشف»

هناك فى جنوب مصر، حيث تملأ عينيك ببستانها الأصفر، الذى تنسدل رماله بين مرتفعات صخرية، وتتراخى بين جبال مرتفعة ووديان تحتضن المارة، أهم ما يميزها هو الهدوء والصمت القاتلين الذين لا يقطعهما غير همهمات رجال من ذوى البشرة السمراء والعينين الواسعتين، لهم ملامح قاسية غلب الوهن والتعب عليها، إنهم «الدهابة»، وهم من يبحثون وينقبون عن خيرات وثروات البلاد الراقدة بين صخورها.
عصابات التنقيب
لم يجد هؤلاء الأهالى من يفسح لهم الطريق أو يبحث عن تقنين أو توفيق أوضاعهم، برغم أن ما يتم على أرض الواقع هو البحث والتنقيب العشوائى من بعض العصابات، التى تستخرج وتبيع الذهب لبعض تجار القاهرة الذين يقطعون مسافة الـ ١٢٠٠ كم ويذهبون حيث « أرض الذهب».
الأمر نفسه وصل إلى عصابات تخصصت فى البحث والاستخراج، حيث فوجئنا بحادثة ضبط هيئة الرقابة الإدارية لمصنع يديره تشكيل عصابي فى المنطقة الصناعية بالسلام، بعد أن تخصصوا فى سرقة معادن البلاد، حيث كانوا يستخلصون قرابة ١.٨ كجم شهريًا من الذهب الناتج من تراب الصخور الحاملة للمعدن النفيس، والتى يأتون بها مهربة من بعض المناطق بالصحراء الشرقية، ومستخرجة عشوائيًا خارج إطار القانون بمعرفة «الدهابة»، كما وجدوا المخزن الخاص به، وعثروا على أطنان الصخور المحملة بخام بالذهب، فضلًا عن المعدات والماكينات اللازمة للتقطيع والطحن وأحواض الترسيب، ومادة السيانيد السامة شديدة الخطورة المستخدمة فى استخلاص الذهب.
وتهرب أطنان الرمال المحملة بعروق «الذهب» من الجنوب، سواء من «إدفو» أو حلايب وشلاتين، اقتربنا منهم وحاورنا بعض الأهالى فى إدفو، قائلين «إننا نبحث عن معايشنا، ولهذا الأمر اخترنا الصعب والتنقيب والنبش فى باطن الجبال والنقب فى معادنها بحثًا عن الذهب، كما تغلبنا على وعورة الجبال ومطاردات حرس الحدود، كما طالبنا مرارًا وتكرارًا بتوفيق أوضاعنا وترخيص مسألة التنقيب بالشراكة مع الحكومة، ويعتبر «الدهابة» أكثر دراية بالبيئة الخاصة باستخراج الذهب.

مقابلات مع مستخرجى الذهب
وبدأ «معتصم» ٢٩ عامًا حديثه لنا، قائلا: «إن حضن الجبل هو مكان رزقهم، حيث نبحث فى المغارات والوديان التى كان يستخدمها أجدادنا الفراعنة، وتجرى عمليات الكشف إما يدويًا، باستخدام الأجنة والشاكوش أو إلكترونيًا عن طريق استخدام أجهزة كشف معادن».
وشكا «معتصم» من مطاردات الأمن، التى تضيق الخناق عليهم، خاصة أنهم يعملون بدون ترخيص ويتحدون وعورة الجبل وخطورة ذئابه وينقبون عن معادن توفر لها رزقهم وتغنيهم عن السؤال.
وتابع: «لن نترك أكل عيشنا وأرزاقنا مهما كانت المطاردات، ونطالب بتقنين أوضاعنا، وبدل ما نشتغل وسط مطاردات وعقوبات بالحبس تصل لـ ٣ سنوات، نطالب بتقنين أوضاعنا، لنبيع الذهب للدولة بدلًا من التجار الذين يأتون من القاهرة ويجمعون خام الذهب.
وتخرج قوافل التنقيب كل ١٥ يومًا بالتتابع، فى مجموعات من ٥ إلى ٧ أفراد عبر سيارات دفع رباعي، محملة بالأكل والماء الذى يكيفهم لمدة أسبوع على الأقل، علاوة على ذلك، فإنهم يحملون أسلحتهم الشخصية، التى تؤمن طرقهم من الحيوانات المفترسة والذئاب، ثم نحمل على السيارة جهاز الكشف عن المعادن الذى يصل ثمنه قرابة ٥٠ ألف جنيه، ويبدأون العمل على مساحات بعيدة الكشف فى المناطق والحفر بعيدًا عن أعين قوات حرس الحدود، ويمرر هذا الجهاز على أماكن مختلفة لعمل مسح شامل على المناطق المشكوك فى وجود ذهب بها، وفى حالة اكتشافه لأى معدن يعطى إشارات، وعلى الفور يبدأ التنقيب العشوائي، وتبدأ اللوادر فى حفر الرمال المحملة بخام الذهب، والتى تصل تكلفتها لقرابة ٣٠ ألف جنيه شهريًا، ويعتبر تحديد المكان الغنى بمعدن الذهب هو الخطوة الأولى فى رحلة الحصول على خام الذهب.

هُنا مكان استخراج الذهب
بعد أن تعبأ عشرات الأطنان من الأجولة التى تحتوى على أطنان الرمال التى أجرى عليها اختبارات بواسطة جهاز خاص، حيث يتم نقلها إلى مركز يسمونه «نقطة الطواحين»، وهى عبارة عن نقطة ارتكاز واستخلاص الذهب فى وسط الصحراء بها أكثر من ٥٠ طاحونة تعمل على طحن الرمال لاستخلاص الذهب والتخلص من كل الشوائب.
والطاحونة عبارة عن كتلتين ثقيلتين مثبتة بواسطة عمود من الصلب يتم تحريكها بالتبادل فى حوض كبير خرسانى متصل به مصدران للمياه، موصلة بتيار كهربائى لتشغيل الطاحونة بالساعات، ويقبع بجوارها أحد العمال لدفع المياه النظيفة والآخر لطرد المياه المحملة بالأتربة والشوائب.
ووثقنا عمليات الطحن بالصور والفيديو، حيث تجرى عمليات الطحن لأطنان الرمال، بطريقة يعرفها العامل دون غيره، إذ يبدأ عمله بالتلقين بعدد من الأجولة وتعمل «ريش الطواحين» على الطحن وسط تدافع المياه لفصل الذهب عن باقى المعادن مثل الحديد والمنجنيز والمواد الصلبة.
وفور انتهاء عمليات الطحن يتم طرد المياه، وتنقل الرمال المطحونة فى «طشت من الألومنيوم» فى حوض مربع ليدخل فى مرحلتى التنسيم والترطيب، وفى هذه المرحلة يتم فصل كل الأتربة ويبقى خام الذهب مختلطًا بالزئبق ويترسب فى قاع إناء الألومنيوم.
وتأتى فى المرحلة قبل الأخيرة، تتم تصفية الذهب من الزئبق بقطعة إسفنجية صغيرة، ويدخل بعدها الذهب لعمليات الحرق ويعطى لون الذهب الأصفر، ويتم مسك الذهب وتمريره فى النيران لاستخلاصه بشكله النهائى.
وتحت خيمة صغيرة قابعة وسط صحراء «شلاتين»، تجد هناك عالمًا آخر له طقوسه وتفاصيله الخاصة، قابلنا أهل النوبة وإدفو، الذين يفترشون الأرض عبر جلسة عربية، ويجلس ثلاثة رجال فى منتصف أعمارهم، أحدهم ملثم الوجه، وفور جلوس محرر «البوابة» وسطهم، قدموا له التحية فى كوب صغير يسمى «الجبنة» التى تعتبر مشروبهم الخاص، وهو البن المحمص بالزنجبيل، ويقولون عنه «تعلمناها من الجبل، وهى فى الأصل من السودان، حيث يتم غليها فى «تنكة من الفخار» ويتم صب من ٣ إلى ٥ مرات للضيوف.