الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الفاجومي" في ذكرى رحيله الرابعة.. "نجم" لا يغيب "ملف"

شاعر العامية أحمد
شاعر العامية أحمد فؤاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرارات المنع والمصادرة لم «تحجب» أغنيات الشاعر المتمرد لـ«بهية»
القصائد «العابرة» للزمن تؤرخ النكسة.. وسخريته من السادات أودعته السجون




تمر اليوم الذكرى الرابعة لرحيل الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم أو «الفاجومى» كما يعرف بين محبيه. 
ارتبط اسم «نجم» بالمنع والمصادرة والسجن، وربما هو الشاعر المصرى الوحيد الذى مثل للمحاكمة مرات عدة بسبب قصائده التى اعتبرها المسئولون آنذاك «بذيئة» وتؤدى إلى تكدير السلم العام.
آمن «نجم» وكل جيله من المثقفين بأحلام «عبدالناصر» وأيقنوا اقتراب النصر على إسرائيل، ولم يخطر بباله أن يزج به نظام «عبدالناصر» فى غياهب المعتقلات.
كانت هزيمة يونيو ١٩٦٧ نقطة فارقة فى تاريخ العلاقة بين «نجم» الشاعر و«ناصر» الزعيم، وبالسلطة بوجه عام، وإذ بالحالم والمؤيد لشعارات القومية العربية ينقلب إلى شاعر جامح يكيل الانتقادات إلى كل ما اعتبره استبدادا وكان لابد من دفع الثمن.
وتعد فترة الستينيات والسبعينيات هى أكثر المناطق الشائكة فى التاريخ، والتى دائمًا ما تسبب التخبط لدى الباحث التاريخى، وتصيبه بالحيرة بين مصادر المؤرخين، بينما تظل أغانى نجم والشيخ إمام، مرجعًا حيًا دائمًا للأحداث التى حدثت بالفعل خلال تلك الحقبة.
وكانت قصائده تحمل دائمًا هموم الفقراء وأحلامهم، لم يغريه الذهب يومًا، ولم يرهبه السيف، ظهره الذى مزقته السياط يشهد على شهامته واحتماله وإيمانه بالقضية، القضية عند نجم أو «الفاجومى» كانت مصر.
مصر العشة أم القصر؟.
سؤال طرحه نجم، وإن أشار به فى قصيدة، إلا أنه ينسحب على مشروعه الشعرى والنضالى بأكمله.
لم يكن ممكنًا لرجل مثله، وهو المعجون بطين مصر والمتحدث بلسان حال أهلها وأوجاعهم، أن ينافق أصحاب السلطة، فعَبَرت قصائده العهود والمراحل، وشكلت كلماته وجدان أجيال متعاقبة، وصار اسمه علامة بارزة فى تاريخ الشعر والثورة والنضال، ومع ذلك لم يدع البطولة المطلقة، ولكن كان دائما ما يذكر فى كل مناسبة رفاق السجن.
ولد الشاعر أحمد فؤاد نجم فى عام ١٩٢٩ فى قرية كفر نجم بمحافظة الشرقية، لأب يعمل ضابط شرطة يدعى محمد عزت نجم، عاش مع والديه وأخوته حياة الفقر والحاجة، حتى توفى والده، وهو ما أدى لتركه الكُتاب ليلتحق بملجأ أيتام وخرج منه وهو لم يتجاوز عمره السابعة عشر، تقاذفته الحياة فلم يجد مأوى له سوى قريته، حيث عمل راعيًا للأغنام هناك، ثم سافر إلى أخيه فى القاهرة وسرعان ما عاد مرة أخرى إلى قريته بأمر من أخيه.
لم يمكث أحمد فؤاد نجم فى أى وظيفة اشتغل فيها، فقد عمل ترزى رجالى، وعمل فى السكك الحديدية، ومعسكرات الإنجليز، وغيرها الكثير، ومع هذا كان يحفظ الشعر وبدأ يكتبه، من خلال رص الكلام بجوار بعضه وفق القافية والوزن، وهو ما زاده غرورًا فيما يصفه نجم ذاته بغرور الجاهل، فتطاول على كبار الشعراء القدامى والمعاصرين، حتى تطاول على المتنبى وشوقى، بل وتطاول على شكسبير، وظل يعانى ويشكو من التجاهل المتعمد له كشاعر.
بدأ «نجم» حياته العملية كموظف فى توزيع استمارات القماش على المواطنين الفقراء، وقام بإيعاز من زميل له بعملية تزوير فى الاستمارات لبيعها فى السوق السوداء، وتحت سطوة تأنيب الضمير، أبلغ نجم عن نفسه وعن زميله، وقبض عليهما وقضيا فى السجن فترة ليست بالقصيرة، برزت خلالها موهبته كشاعر.
ربما كان السجن فاتحة خير على نجم، حيث التقى هُناك الكاتب والروائى عبدالحكيم قاسم، الذى كان عضدًا له، كما أن أحد ضباط السجن كان من هواة الأدب، فشجعه على الكتابة ونسخ له قصائده على الآلة الكاتبة وأرسلها إلى وزارة الثقافة، والتى كانت تقيم آنذاك مسابقة شعرية، وفاز بها ديوانه الذى يحمل اسم «صور من الحياة فى السجن» بالجائزة الأولى، وكانت مقدمة الديوان بقلم الراحلة سهير القلماوى، فأصبح العامل المفصول وهو فى السجن شاعرًا مشهورًا بعد أن نشرت وزارة الثقافة الديوان عام ١٩٦٢.
أطول مدة قضاها نجم فى السجن ثلاث سنوات، كانت أيضًا فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، والذى أصدر أوامره بسجن نجم والشيخ إمام بعد انتشار أغنيتهما «الحمد لله»، والتى هاجم فيها النظام الحاكم عقب نكسة ١٩٦٧، وصدر الحكم عليه بالسجن المؤبد، ولكنهما خرجا من السجن عقب وفاة عبدالناصر.
و فى عام ١٩٧٧، إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات، تم القبض على نجم مرة أخرى، بسبب قصيدة «بيان هام» التى ألقاها فى إحدى كليات جامعة عين شمس، وأصدر الرئيس السادات قرارًا بإحالته إلى محاكمة عسكرية، والتى أصدرت عليه حكما بالسجن لمدة عام.
عن ذكرياته مع «نجم» يقول الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، إن الثنائى (نجم-إمام) خرجا من السجن بعد وفاة عبدالناصر فى ١٩٧١، ثُم أعيد القبض عليهما عقب مظاهرات الطلبة فى ١٩٧٢، وفى السجن هذه المرة كان نجم كتب «أنا رحت القلعة وشفت ياسين»؛ كذلك تم اعتقالهما عام ١٩٧٣ واعتقلنا معا مرة أخرى عندما شاركا فى مظاهرات عمال حلوان للحديد والصلب، حيث تم اتهامهما بالتحريض، ثُم أُعيد القبض عليهم جميعًا مرة أخرى فى عام ١٩٧٧ بتهمة التحريض أيضًا.
وكان قد جاء فى نص قرار الاتهام أن نجم «دأب على كتابة القصائد المناهضة لنظام الحكم»، وقضوا داخل السجن ثمانية عشر شهرًا، ولما خرج نجم ذهب إلى جامعة عين شمس وألقى قصيدته الشهيرة «بيان هام» فتم القبض عليه مرة أخرى حسب نفس الاتهام، الذى أحاله الرئيس السادات فيما بعد إلى المحاكمة العسكرية، وأن «نجم» تم وضعه فى زنزانة «٩» الشهيرة بسجن أبوزعبل، بينما بقى زين العابدين وبقية رفاقه فى السجن؛ وروى زين العابدين، أنه وقتها قال لنجم «كان عندى مشكلة فى المياه فى بيتى بالهرم واتحلت هنا فى السجن»، فرد عليه الشاعر الراحل «أنت هتفضل فى السجن لغاية ما مصر تدار بالطاقة الذرية».