الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أشعار أبو النجوم.. بيان هام

 أحمد فؤاد نجم
أحمد فؤاد نجم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عانى في بدايته حياة قاسية حقًا، لكنه يدين لها بالكثير، بعد أن استلهم منها قصائده التي وضعته في قمة تاريخ شعر العامية المصرية. حياته العائلية المضطربة في بدايتها فجّرت بداخله الشعر. صنعت أيام الاعتقال في سجن الواحات بدايته كشاعر، وأثرت سجون نظام السادات تجربته. عاش من أجل الناس والشعر، فعاش محبوه حتى الآن يجترون ذكراه وأشعاره في أحداثهم اليومية.

ولد نجم ليجد نفسه ضمن سبعة عشر ابنًا لم يبق منهم سوى خمسة، لأب يعمل بالشرطة وأم فلاحة أمية من الشرقية، كأي قروي التحق بكتّاب القرية، ثم توفيَّ والده فانتقل إلى بيت خاله بالزقازيق، حيث التحق بملجأ للأيتام -والذي قابل فيه المطرب الراحل عبد الحليم حافظ- لكنه تركه في السابعة عشرة، وعاد لقريته للعمل بها، ثم انتقل للقاهرة عند شقيقه؛ إلا أنه طرده بعد ذلك ليعود إلى قريته.
عمل نجم في معسكرات الجيش الإنجليزي متنقلًا بين مهن كثيرة، وعندما ذهب إلى فايد التقى بعمال المطابع الشيوعيين، وكان في ذلك الوقت علّم نفسه القراءة والكتابة، واشترك مع الآلاف في المظاهرات التي اجتاحت مصر عام 1946 وخرج مع آلآف العمال من المعسكرات الإنجليزية بعد أن قاطعوا العمل فيها إثر إلغاء معاهدة 1936؛ وكان أهم ما قرأ في تلك الفترة رائعة الروسي مكسيم جوركي "الأم"، وارتبطت بذهنه فيما بعد ببداية وعيه الحقيقي، ولم يكن قد كتب شعرا حقيقيا، وإنما كانت أغاني عاطفية، وكان في ذلك الحين يُحب ابنة عمته، لكن الوضع الطبقي حال دون إتمام الزواج لأنهم أغنياء.

عندما قامت حرب السويس عمل نجم في السكك الحديدية، وبعد المعركة قررت الحكومة المصرية أن تستولي على القاعدة البريطانية الموجودة في منطقة القنال وعلى كل ممتلكات الجيش هناك، وكانت ورش وابور الزقازيق تقوم في ذلك الحين بالدور الأساسي لأن جميع وابورات الإسماعيلية والسويس وبورسعيد تم ضربها في العدوان، وشهدت هذه الفترة أكبر عملية نهب وخطف رآها نجم، حيث أخذ كبار الضباط والمديرون ينقلون المعدات وقطع الغيار إلى بيوتهم؛ وعندما اعترضهم كاشفًا ما يجري تم اتهامه بجريمة تزوير لاستمارات شراء، مما أدى إلى الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، قضاها بسجن قره ميدان.

كان السجن فاتحة خير على الفاجومي، حيث التقى هُناك الكاتب والروائي عبد الحكيم قاسم الذي كان عضدًا له، كما أن أحد ضباط السجن كان من هواة الأدب، فشجّعه على الكتابة ونسخ له قصائده على الآلة الكاتبة وأرسلها إلى وزارة الثقافة، والتي كانت تقيم آنذاك مسابقة شعرية، وفاز بها ديوانه الذي يحمل اسم "صور من الحياة في السجن" بالجائزة الأولى، وكانت مقدمة الديوان بقلم الراحلة سهير القلماوي فأصبح العامل المفصول وهو في السجن شاعرًا مشهورًا بعد أن نشرت وزارة الثقافة الديوان عام 1962.
أطول مدة قضاها نجم في السجن ثلاث سنوات كانت أيضًا في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، والذي أصدر أوامره بسجن نجم والشيخ إمام بعد انتشار أغنيتهما "الحمد الله"، والتي هاجم فيها النظام الحاكم عقب نكسة 1967، وصدر الحكم عليه بالسجن المؤبد، ولكنهما خرجا من السجن عقب وفاة عبد الناصر؛ وفي عام 1977، إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات تم القبض على نجم مرة أخرى، ووجهت إليه تهمة تلاوة قصيدة "بيان هام" في إحدى كليات جامعة عين شمس، وأصدر الرئيس السادات قرارًا بإحالته إلى محاكمة عسكرية، والتي أصدرت عليه حكما بالسجن لمدة عام؛ كما عاد للسجن مرة أخرى عام 1981 في بيت باحثين علميين فرنسيين، اللذان عقدا مؤتمرًا صحفيًا في باريس نشرته جريدة لوموند الفرنسية أعلنا فيه أنهما تعرضا للتعذيب في سجن القلعة، وقالا إن نجم تعرض أيضًا للتعذيب في سجن طرة، بينما كان نجم قابعًا في السجن مُعلنًا الإضراب عن الطعام حتى الموت إذا لم يفرج عنه.

حياة نجم الاجتماعية والشخصية بدورها لم تسلم من التغيرات العديدة، فتزوج عِدة مرات، وله ثلاثة بنات هن: عفاف، زينب، ونوارة؛ وكان زواجه الأول من فاطمة منصور ثم من الفنانة عزة بلبع، والكاتبة صافيناز كاظم، وممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو، وكانت زوجته الأخيرة هي السيدة أميمة عبد الوهاب وأنجب منها زينب.
حصد نجم عدة جوائز منها اختياره عام 2007 سفيرًا لصندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة، وبجائزة الأمير كلاوس الهولندية عام 2013، وحصل على المركز الأول في استفتاء وكالة أنباء الشعر العربي عن قصيدته "جيفارا مات"؛ ورحل عن عالمنا في يوم الثلاثاء الثالث من ديسمبر 2013 عن عمر ناهز أربعة وثمانين عامًا، بعد عودته مباشرة من العاصمة الأردنية عمّان، التي أحيا فيها آخر أمسياته الشعرية برفقة فرقة الحنونة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ وخرج جثمانه من مسجد الحسين. وفي 19 ديسمبر 2013 وبعد وفاته منح وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.