رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لأسباب كروية.. المايسترو وقانون الطوارئ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في النصف الثاني من الستينيات كلف المفكر الكبير الأستاذ محمود أمين العالم، رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم الكابتن عملاق التحليل المنهجي والفكر الكروي والرياضي عبدالمجيد نعمان للإشراف على مكتب التحرير بالإسكندرية، وأشهد أن الرجل تميز بالانضباط والدقة والثقافة الموسوعية والذكاء الخارق لتأثره بتربيته العسكرية في القوات الجوية، وموضع ثقة الفريق طيار مدكور أبو العز القائد العالمي وصاحب التاريخ العسكري الموثق في الأكاديميات الدولية العسكرية، وتجربة نعمان الصحفية بدأت من جريدة المساء عندما صدرت برئاسة الثائر العظيم خالد محيي الدين "متعه الله بالصحة" والرمز الجليل للوطنية المصرية، وهو من الكابتن نعمان كما كنا نناديه بأن الصحفي ينقل الخبر بكل حيادية ويثبت عواطفه ولا يكون الهوى منهجه وهو يصيغ الخبر أو التحقيق وإن يضبط عباراته، وقد أثرى الساحة الرياضية بهذا السلوك بعيدًا عن صحافة الانطباعات لكنه يؤمن بصحافة الثوابت والحقائق بعيدًا عن المهاترات، وظل الكابتن نعمان بصرامته وحدته واستقامته المهنية والشخصية وأدبه الجم وانحيازه للحق دائمًا هي معالم شخصية ومقومات وجوهر علاقاته بكل الأطياف الكروية فضلًا عن مهاراته وتواضعه، وخفة دمه أحيانًا يحكم التفاعل الإنساني.
والكابتن عبدالمجيد نعمان كان يتفاعل مع قرار "الأخبار" بكل معاني الحيدة وجعل من الموضوعات الرياضية من طبق فاتر مثل أكل المستشفيات أو الطائرات إلى وجبة ساخنة طازجة، تلسع القارئ سخونة لكنها تفتح شهيته وجعل من الملحق الرياضي للأخبار في الستينيات أكاديمية وأسهم في بنناء ثقافة كروية وتحليلة ولم يبخل على القراء بالمعلومات وأرشدهم إلى نجوم العالم على المستطيل الأخضر وأدخل علم الإحصاء والتباديل والتوافيق والهندسة الخططية للساحرة المستديرة وأضاف إليها متعة وإثارة وتشويق، وكان وقتها ينافس أدبيات أستاذنا الكبير نجيب بك الششطاوي في الأهرام بمدرسة العريقة وأستاذنا الكبير فهمي عمر في تعليقه على مباريات الدوري العام، والعزيز الغالي الكابتن محمد لطيف الذي أبتكر مصطلح "الكورة اجوان"، فضلًا عن قدراته الإدارية، فكان ينافس ساعة "بيج بن" الشهيرة في ضبط المواعيد، ورغم أهلاويته إلا أن هذا العشق لم يتسرب إلى قلمه ورؤيته وعقيدته، وقد فوجئت بأنه يطلب إلى ترشيح مكان لائق بالإسكندرية لاستقبال شخصية مهمة جدًا تعادل درجة وزير أو أكثر، وعلى الفور رشحت له النادي السوري أمام المكتب وهو ملتقى النخبة والشريحة الأولى للمجتمع المصري، وتصور الرجل وقتها إنه نادي فئوي وحتى يقتنع بمزاياه قمت بالاتصال وقتها بصديق عزيز على قلبي وهو القانوني الكبير الأستاذ مفيد الديب، عضو مجلس إدارة النادي، الذي كان يرأسه وقتها عملاق الفقة في التحكيم الدولي الأستاذ أحمد عبدالهادي، وشرحت له فطلب إلينا أن تزور النادي وفعلًا أقنع الكابتن نعمان من خلال رؤيته ومعانين على الطبيعة، وأضفت له من عندي أن هذا هو المكان المفضل لأستاذنا الكبير مصطفى بك أمين، وأستاذنا الأسطوري أستاذ الأساتذة محمد بك التابعي عندما يزور الإسكندرية، وعملاق الصحافة الكبير مؤسس المدرسة المنهجية الصحفية جلال بك الحمامصي، وإنهم أعضاء فخريين في النادي العريق، ووجدت علامات الارتياح ترتسم على وجه الكابتن نعمان وهي من المرات القليلة التي يظهر فيها عواطفه، وبعد يومين طلب الإتصال بالفريق بحري أنور عبد اللطيف رئيس مصلحة الجمارك، ورئيس نادي الإتحاد التاريخي الذي حصل الإتحاد في عهده على الكأس وعلى الفور تحدد الموعد وذكرت له أنه سيكون معنا شخصية مهمة، وفي اليوم طلب إلى أن أكون دليلًا لهذه المأمورية لأستقبال تلك الشخصية التي يهتم بها الكابتن، وعلى رصيف سيدي جابر فوجئت بوصول الديزل المجري في العاشرة والثلث بمظاهرة تحيط بالعربة رقم (4) ورأيت الشيالين لايطاردون الركاب الجميع يهللون.. صالح.. صالح.. وفوجئت أن هذه الشخصية هو المايسترو صالح سليم، وبصعوبة بالغة شاركت فيها شرطة السكة الحديد وقتها بإزاحة الزحام التي يتزايد من الركاب والعمال والباعة وسائقي التاكسي وغيرهم، حتى تمكنوا من تخليص المايسترو منهم إلى سيارة الكابتن نعمان.
وبكل معاني الخلق الرفيع قدمني الكابتن نعمان إلى المايسترو بأعتباري زميله وقال كلمات لازالت راسخة في أعماقي وأشهد أمام الله أن علاقتي بالكابتن نعمان كانت تتعمق على مدى السنوات وكنت أحظى كثيرًا بمكالماته ومداعباته حينما أطلب إليه زيارة الإسكندرية فكان يرد علي برقة وخفة دم.. هو إنت لسه عاوز أجي في الأرياف.
وتوجهنا إلى مكتب الفريق أنور عبد اللطيف حيث كان المايسترو قد أستورد سيارة جديدة طالبًا إنهاء الإجراءات الجمركية عليها، وفعلًا جاء مدير جمرك السيارات وأنهيت الإجراءات، لكن المشكلة في ضرورة قيام المايسترو بالذهاب إلى مخازن شركة المستودعات العامة وأستقبلت وقتها الأستاذ محمد عامر جاب الله، عضو نادي الإتحاد ورئيس الشركة، ولم أشهد في حياتي مسيرة حب من عمال الشحن والتفريغ بالميناء وكانت هذه الظاهرة تخالف قانون منع التظاهر في المناطق الحيوية خاصة الميناء لكن هؤلاء العمال خالفوا قانون الطوارئ بعد أيام من صدوره، وأعتقد أنني ماشاهدت من قبل ذلك من إستقبال وإن تكررب بعد ذلك في مناسبة مماثلة مع أستاذنا إحسان عبد القدوس في بداية السبعينات حيث رافقته لإنهاء إجراءات الإفراج عن سياره إبنه المهندس أحمد عبد القدوس، وكانت سعادة إستاذنا (إحسان بك) سعادتين أولهما وهو يرى أبنه يستقل السيارة والثانية بالمظاهرة التي أطاحت به لدرجة أن الأستاذ علي شوقي العدوي مدير جمرك السيارات وقتها وهو الأن نقيب التجاريين في الإسكندرية "متعه الله بالصحة" قال كان يجب أن تتم هذه الإجراءات في العطلات الرسمية، وإثناء قيام المايسترو بالإجراءات المطولة الحتمية، طلب الإتصال بصديقه المهندس سمير فهمي ليحضر الغذاء، بعد أن اصر هو والكابتن نعمان علي دعوتي أيضًا وحاول المهندس سمير فهمي الإعتذار لوجود أبنيه التوأم في زيارته للإسكندرية حيث يشغل وقتها منصب مدير عام مؤسسة النقل البحري، وهذا جعل المايسترو يصمم على وجودهما على مائدة الغذاء وأجرى إتصالًا أخر مع صديقه المقدم بحري رجاء زهران رشدي، وهو والد الدكتور رشدي زهران، رئيس جامعة الإسكندرية السابق، أما أبناء سمير فهمي الذين هما التوأم المهندس سامح فهمي وزير البترول الأسبق، والمحاسب هادي فهمي القيادي في الإتحادات الرياضية، وطاف المايسترو في النادي ويبدور أنه أول مره يزوره وتركز حديثه الإنساني عن إعجابه بجمال الإسكندرية وصداقاته منهم الكابتن وتحدث عن لاعب موهوب تنتفض اللياقة البدننية حيث لم يكن هذا العنصر في حسابات المدربين في ذلك الوقت وقال إنه كان يمكن أن يكون لاعبًا عالميًا إذا اكتملت لياقته "أمين رشدي" لاعب الأوليمبي وتحدث عن أحمد قاطو وأشار إلى إعجابه بشاطئ المنتزة ونادي سبورتنج حيث زاره مع الأستاذ عبد المنعم وهبي والكابتن "مختار" أول رياضي يتولى منصب وكيل وزارة، وكان ودودًا للغاية، وهو يختلف عن صالح سليم الذي ظلمته الميديا وتصوره الصحافة بصاحب الوجة الجليدي، صحيح إنه يعتز بنفسه لكن ليس لدرجة الغرور، وتابعت بعد ذلك مسيرة المايسترو الذي بهرتني شخصيته على الطبيعة كإنسان أكثر من موهبتة الكروية أو على الشاشة أو عندما قام أستاذنا جلال بك الحمامصي المشرف على أخبار اليوم بإقناعه بالكتابه على صفحات "الأخبار" للرد على خطابات القراء، وتابعت أختياره للعمل داخل النادي الأهلي كعضو مجلس إدارة ثم خلافه مع الفريق وترشح للرئاسة وخسر المعركة بفارق 200 صوت وفي عام 1980مـ أكتسح الإنتخابات وجلس على كرسي سعد زغلول وأحمد حسنين باشا وأحمد عبود باشا، وحصد الأهلي البطولات بفضل أداء المايسترو ولم تستهو به السياسة فقد عرض عليه الدكتور فؤاد محيي الدين أن يدرجه كمرشح لكنه رفض بشدة ومع ذلك فقد كان وفيًا لاصدقائه والمرة الوحيدة الذي نزل فيها الشارع من أجل دعم منير فخري عبد النور وهو وفيًا أيضًا لهم في أزماتهم حتى ولو دخلوا خلف القضبان، ومشكلة أعضاء النادي الأهلي كانت فى الانتخابات الأخيرة أن هناك خيارين الموهبة والكاريزما، وبين الخبرة الرياضية لكن صالح سليم الوحيد الذي جمع بين النجومية الكروية والعطاء الإداري لدعم رسالة القلعة الحمراء وفي كل المجالات.
والسؤال.. من أين نجيب صالح سليم تاني؟!