الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"داعش" ومقتلة "الروضة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما فوق الحزن والألم والاستنكار. هكذا كانت المشاعر بعد مقتلة مسجد الروضة فى العريش (سيناء). كانت البلدة تعتقد أنها بعيدة وبمأمن عن مربع التوتر والمواجهات مع الإرهاب، وكان الأهالى مسلّحين بمسالمتهم وصوفيتهم إلى حدٍّ الإحجام عن الاهتمام بتهديدات تنظيم «داعش» الذى يكفّرهم، وخصوصًا أن الأطواق الأمنية المحيطة بمعازل الإرهابيين وأوكارهم كانت ترجح ضعف المخاطر. لكن منطق الإرهاب برهن، للأسف، أنه الأقوى طالما أنه لا يعترف بأى حرمة للدم ولا الدين، ولا الأبرياء والمصلّين. كثيرون رأوا فى استهداف مسجد «الروضة» والمصلّين سابقةً أو نمطًا جديدًا فى إرهاب «داعش»، ولكنهم ينسون العديد من الهجمات فى بعض المدن السعودية، سواء فى الأحساء والدمّام والقطيف كما فى عسير ونجران، وحتى المحاولة المجهضة فى المدينة، فضلًا عن التفجير داخل مسجد «الإمام الصادق» فى الكويت، وصولًا إلى النسف المتعمَّد لمسجد «النورى» فى الموصل. كل تلك العمليات أو الخطط المعطّلة تثبت أن التنظيم لم يستثنِ بيوت العبادة، وأنه لا يوليها أى احترام أو خصوصية. وفيما تنقّل «داعش» بإجرامه بين المذاهب والطرق؛ فإن تكفيره الجميع وتنكّره بتفسير دينى مخاتل لم يحجبا حقيقة أنه عبارة عن عصابات منعدمة الإنسانية تعتنق القتل للقتل، ولا وسيلة للخلاص من شرّها سوى تصفيتها مهما طال الصراع معها.
مقتلة مسجد «الروضة» فى العريش تُظهر أيضًا أن التطرّف ليس دائمًا أعمى أو غبيًا، بل على معرفة جيّدة بالحلقات الاجتماعية الضعيفة. ومن هنا جاءت تهديداته للصوفية، وأسبابها ثلاثة: أولها أنها تصفّى حسابًا قديمًا مع منهج الصوفيين وطرقهم. والثانى أنها تخاطب الحركات الإسلامية كافةً التى تشاطر «داعش» تكفيرهم، وإنْ اكتفت هذه الحركات بتهميشهم ولم تبادر إلى الاقتصاص منهم. أما الثالث فهو أن تعايش الصوفية مع السلطة وعدم مواجهتها لها زاد منسوب «كفرها» فى نظر التنظيم الإرهابي؛ لأن مسالمتها تضعها فى سياق دعم السلطة لمواجهة الإرهاب. وكان «أمير مركز الحسبة» فى التنظيم قال فى تهديده الموثّق لصوفيى سيناء: «اعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم إننا لن نسمح بوجود زوايا لكم فى ولاية سيناء». فتلك الزوايا مزعجة لـ«داعش»؛ لأنها خارج سيطرته، ولذلك حلّل ضربها أسوة بالكنائس وقتل أتباعها كالأقباط، وهذا أيضًا ما لا ترى فيه الحركات الإسلاموية، من إخوانية أو سواها، أى غضاضة.
أراد التنظيم أن يُثبت بهذه المقتلة أنه لم يضعف بل لا يزال قويًا وقادرًا، وأن نهاية «دولة الخلافة» المزعومة لا تعنى نهايته. ولكنه ضعف فعلًا، كما أن منهجه خاسر أصلًا، ولا يستطيع مواجهة الدولة وإضعافها ولو بعشرات العمليات الإجرامية. ثم إن مهاجمة المصلّين الآمنين لا يمكن أن تعنى قوةً بأى حال. وأكثر ما يمكن أن تعنيه أنهم وداعميهم ومموّليهم ومحرّضيهم وموفّرى سيارات الدفع الرباعى لهم باتوا يرون «انتصارات» فى هجوم على مصرف أو استفراد بسيارات خاصة أو قتل مدنيين. فلا شك أن هناك جهات، بالأحرى دولًا، ضالعة فى تمكين هذا التنظيم والتخطيط له، كما تبيّن فى سوريا والعراق وليبيا واليمن.
هاجم إرهابيو «داعش» مسجد «الروضة» أولًا بالصواريخ ثم بوابل من الرصاص فى جريمة لا هدف لها سوى إسقاط أكبر عدد من الضحايا، وبالتالى إحداث صدمة لا جدوى منها وضجّة إعلامية يحتاجونها فى لحظة أفول تنظيمهم ولكنها تضاعف ازدراء الناس لهم. 
تزامنت هذه المقتلة فى العريش مع إعلان الأجهزة البريطانية أنها توشك أن تبدأ حملة أمنية لاستباق احتمالات مرحلة «ما بعد داعش»، وثمة مؤشّرات إلى إجراءات مماثلة فى مختلف الدول الغربية. غير أن استباق الخطر بات يتطلّب أكثر من الخطط المحلية، فـ«التحالف الدولي» ساهم جزئيًا فى محاربة «داعش» فى ليبيا، ولم يضع خططًا لدرء الخطر عن الجوار الليبي، وليس واضحًا لماذا تجاهل سيناء، فمصر لا تحتاج إلى قوات لكنها طالبت دائمًا بإجراءات ضد من يسلّح الإرهاب ويموّله.
نقلا عن «الاتحاد» الإماراتية