الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طهي الشائعات في مطابخ "إنترناشيونال"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أعقاب الجريمة الإرهابية التى استهدفت المصلين بمسجد الروضة، تناقلت صفحات مجهولة على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» حزمة من الشائعات المسمومة، انطلقت متزامنة مع حالة الغضب الشعبى المشحون بالحزن على الشهداء، فاتسعت مساحة الكآبة فى النفوس، وساهم فى المزيد من اتساعها امتزاج الشائعات «الفيسبوكية» بالأكاذيب الفضائية، المصنوعة بمهارة فى مطابخ الأجهزة الاستخباراتية «إنترناشيونال»، فتحولت القصص المتداولة إلى مادة ثرية بالخزعبلات، يتم تناقلها فى جلسات «الهرى» من المقاهى إلى الاستوديوهات، حيث يتبارى خلالها أدعياء المعرفة من «خبراء الإفتاء» فى العلوم الكونية، من السياسة إلى الدين، ومن الشأن الاستراتيجى وأبعاد الأمن القومى، إلى علوم الفضاء، ومن الطب إلى القنبلة الذرية، أما الأكثر فجاجة فهو محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة. 
البداية، وقبل أن تجف دماء الأبرياء فى سيناء، تناقلت صفحات «فيسبوك» بيانا منسوبا لوزارة الداخلية، البيان محشو بمفردات تبث الرعب فى النفوس، فهو يتضمن تحذيرات للمواطنين بعدم ركوب «الأسانسيرات» فى العمارات مع أشخاص غير معروفين، وعدم صعود درجات السلم إلى شقتك بمفردك، خشية أن يكون هناك من يختبئ ويقوم بقتلك، والكثير من أساليب التخويف.
ما إن طالعت التحذير الذى ورد فى صورة بيان منسوب لوزارة الداخلية، أيقنت أننا أمام أسلوب جديد فى الحرب النفسية، تحاول من خلاله التنظيمات الإرهابية المدعومة من أجهزة استخبارات احترافية، ليس فقط تخويف الناس، لكن هناك رسالة سياسية يريدون توصيلها، مفادها بأن الناس فى مصر لا يشعرون بالآمان، بما يؤدى إلى التشكيك فى المؤسسة الأمنية، بل وتخوينها.
القراءة المتأنية لتفاصيل ما جاء فى البيان المزعوم، تجعل أى فرد لديه دراية بقضايا الشأن العام يتشكك من الوهلة الأولى، أولًا فى مصداقية صدوره من المؤسسة الأمنية، المعنية بطمأنة الرأى العام، والمعنية بتأمين الجبهة الداخلية، وعندما أقول «جبهة داخلية» فأنا أعنى الكلمة، وأقصد ما ترمى إليه دلالاتها، فنحن فى حالة حرب، والمؤسسة الأمنية مهمتها فى الحرب الحفاظ على سلامة الجبهة الداخلية من محاولات العبث وبث الشائعات، لذا لا يمكن تصديق الادعاء بأنها التى أصدرت هذا الهراء، ثانيا، وهذا هو المهم فى تقديرى، أن الهدف من تداول البيان الوهمى إلصاقه بما جرى فى قرية الروضة بسيناء، فترديد المزاعم على هذا النحو، لإثارة الشكوك فى كل ما يتعلق بالأوضاع الأمنية، وتخوين مؤسسات الدولة، فالعمليات الإرهابية يجرى توظيفها فى الإعلام المشبوه، باعتبار أنها مدبرة من الأجهزة الأمنية المصرية، لتفريغ سيناء من سكانها، كى تتناغم مع سياق أكذوبة يطلقون عليها «صفقة القرن»، وهى الأكذوبة التى يتم الترويج لها تحت لافتة «توطين الفلسطينيين» فى سيناء.
إذًا، لا توجد صدفة على الإطلاق فى أن تجرى محاولات إلصاق بيان مشبوه لأجهزة الأمن بالتزامن مع الجريمة الإرهابية التى حدثت فى سيناء، فالهدف هو التشكيك فى المؤسسات الوطنية، لذا لا توجد صدفة، أيضًا، فى تزامن هذا وذاك مع مزاعم إعلامية أخرى، حول خروج وثائق بريطانية، يشير مضمونها إلى مفاوضات سرية، جرت بين الرئيس الأسبق حسنى مبارك والولايات المتحدة الأمريكية، لإنهاء الأزمة الفلسطينية على حساب الأراضى المصرية.
فالقصة الوهمية للوطن البديل على الأراضى المصرية، رغم أنها مختلقة، وخرج مبارك ببيان يفند أنها أكذوبة، إلا أنها وجدت أرضا خصبة، لتنامى وتيرتها فى الإعلام الموجه، والعزف على أوتارها، بهدف التشكيك فى مؤسسات الدولة المصرية، وكذلك فإن قصة الوثائق المزعومة ليست سوى جزء من حرب الشائعات، التى احترفت بعض الدوائر الإعلامية إطلاقها وترويجها لصالح أهداف استخباراتية. 
فى الحرب الدائرة، الآن، لا يمكن إقصاء الإعلام، بعيدا عن الأحداث، حيث تنفق الأموال الهائلة على ترويج الأكاذيب، بهدف الإساءة للجيش وأجهزة الأمن، عبر محاولات التشكيك فيهما، لخلق مناخ معاد لهما، معتمدين على قنوات فضائية مشبوهة، باعتبار أن الإعلام من أهم أدوات الحرب الموجهة ضد مصر ومؤسساتها، فضلا عن ترويج هذه الأكاذيب عبر وسائل الاتصال الحديثة «السوشيال ميديا» بصورة مذهلة، حيث يتلقفها المشوهون ذهنيا ويتداولونها بلا وعى أو دراية بنتائج ما يصنعون.
ربما يتصور البعض أن الصدفة وراء تزامن الأحداث الإرهابية مع انطلاق الشائعات بتلك الصورة، لكن القراءة الدقيقة للواقع، تؤكد أنها بعيدة تماما عن الصدفة، بل تدور جميعها فى سياق متناغم ومدروس، كما أن تداعيات ما يجرى على الساحة من عبث، سينعكس صداه، بالضرورة على الرأى العام الذى يمثل البسطاء غالبيته، خصوصا فى ظل وجود إعلام نزعم أنه إعلام وطنى، فهو على تنوع منافذه، وتعدد صنوفه، لا يعى الدور المنوط به، المقصود الدور الذى يقوم به الإعلام فى زمن الحرب، فهذا الإعلام الذى نراه لا يصنع سوى الضجيج، أما الإعلاميون أنفسهم، فحدث ولا حرج، غالبيتهم يعملون بدون رؤية ويرددون مصطلحات جوفاء، لا تقدم ولا تؤخر، بمعنى أنها بدون فائدة، فمثل هذه النوعية من الإعلاميين فقدت القدرة على التأثير فى الرأى العام، أما الرأى العام فانصرف عنهم، وأصبح مجبرًا على الابتعاد عن الضجيج والهرتلات، وذهب لسماع الأكاذيب والشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى والفضائيات المشبوهة، وهذا هو مكمن الخطورة.