السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"فتوش" التي أشعلت الثورة في ميادين مصر.. وداعًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«يا بلادى يا أحلى البلاد يا بلادى، فداكى أنا والولاد يا بلادى، بلادى، يا حبيبتى يا مصر يا مصر يا حبيبتى يا مصر يا مصر، ما شفش الأمل فى عيون الولاد، وصبايا البلد، ولا شاف العمل سهران فى البلاد والعزم اتولد، ولا شاف النيل فى أحضان الشجر، ولا سمع مواويل فى ليالى القمر، ماشفش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن، ولا شاف العناد فى عيون الولاد وتحدى الزمن، ولا شاف إصرار فى عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر، يا حبيبتى يا مصر يا مصر» كلمات بسيطة كتبها الشاعر الجميل محمد حمزة، ولحنها الموسيقار الرائع بليغ حمدى، وغنتها الأسطورة شادية، وعلى قدر بساطة الكلمات واللحن لكن صوت الفنانة التى لن تتكرر شادية جعل منها بمثابة كلمة السر فى انتفاضة ٢٥ يناير، وأيضا انتفاضة ٣٠ يونيو، عمر الأغنية وقت انتفاضة يناير كان ٤١ عامًا حين قدمتها الأسطورة فى حفل ١٩٧٠، بعد توقف عن الغناء منذ النكسة وظلت تشدو بها حتى اعتزلت الفن عام ١٩٨٤، بعد بلوغها سن الخمسين، وطوال تلك السنوات استمعنا إلى تلك الأغنية مئات بل آلاف المرات، وكانت تمر علينا وكأنها روتين، حتى إنها قد دخلت باب النكات الشعبية وعالم الكاريكاتير، حتى كان يوم الخامس والعشرين من يناير، وأطلت علينا شادية وكأننا نستمع للأغنية للمرة الأولى، كانت «يا حبيبتى يا مصر» هى النشيد الرسمى فى كل ميادين مصر من ميدان التحرير فى القاهرة إلى أصغر ميادين محافظات ومدن مصر. 
غطت الأغنية على كل هتافات وشعارات الثوار، اختلف أهل اليمين مع أهل اليسار، لكنهم اتفقوا بالإجماع على الأسطورة شادية، كانت «يا حبيبتى يا مصر» كلمة السر ومانفستو الثورة، وكانت الأسطورة شادية هى الأيقونة الحقيقية لانتفاضة شعب، تقول الناقدة سمر سعد، إن شادية... ليست مجرد اسم، لكنه صفة حملتها الطفلة فاطمة ابنة المهندس أحمد شاكر، ومع الأيام تحولت «الصفة» إلى كيان فنى مشهور لشادية الغناء العربى، بنت مصر الدلوعة التى خطفت قلوب الشباب منذ الخمسينيات وطوال الستينيات، لكن النجمة الاستثنائية قررت فجأة اعتزال الفن غناء وتمثيلا، بل واعتزلت الحياة العامة بشكل نهائى، بعد سنوات طويلة من الحضور القوى لدى الجماهير العربية.
ولدت فاطمة بالقاهرة فى ٨ فبراير ١٩٣٤، وسط أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة، وكانت «فتوش» -حسب تدليل الأسرة لها- طفلة تمتلئ بالحيوية والشقاوة وخفة الظل، ولأم شادية فضل كبير على تكوينها كفنانة، كانت الأم تذهب مع صغيرتها -١٢ سنة- إلى الاستوديو صباحا وعندما ينتهى الأب من عمله فى وزارة الزراعة، كانت الأم تعود إلى البيت ويتناوب الأب رعاية الابنة فى الاستوديو أو فى موقع التصوير بعد ذلك، أما والد شادية المهندس أحمد كمال شاكر.. فقد كان يعشق الطبيعة وتنسيق المساحات الخضراء، وعبر هذا الوالد كثير التأمل والمحب للقراءة، عرفت شادية فن الغناء، فقد كان الأب صاحب صوت جميل، يجيد العزف على آلتى العود والبيانو، وأحبت الابنة الغناء عبر الأب من دون أن يلحظ الأب ذلك وكثيرا ما كان يحلو للصغيرة الانفراد بنفسها فى غرفتها وترديد الأغنيات الشهيرة للمطربة ليلى مراد وأسمهان ونجاة على ورجاء عبده. 
وتأتى الفرصة الأولى لشادية عندما أعلنوا فى «استوديو مصر» عن الحاجة لفتيات صغيرات من هواة التمثيل والغناء للمشاركة فى عمل جديد كان يجهز له المخرج الكبير أحمد بدرخان، وخضعت شادية لاختبار الكاميرا لتقف فى أول دور بطولة على الشاشة أمام المطرب والملحن محمد فوزى فى أول فيلم من إنتاجه «العقل فى إجازة»، وبعدها بدأ يتخطفها المنتجون ويسعى لها المخرجون ويلجأ إليها كبار الممثلين... ليغمرهم نورها المبهج وحضورها الجذاب... وحب وتعلق الجماهير بها... لتصبح قدم السعد وبشرة الخير... على كل من يعمل معها... وتصبح شادية نجمة الشباك الأولى فى سنوات قليلة وأصبحت أفلامها ذات نكهة خاصة ناضجة ومتطورة ومبهرة... إلى أن قدمت القنبلة المدوية التى هزت أرجاء الوطن العربى حتى وصلت للاتحاد السوفيتى، فأفسحت دور العرض فيها وفى كل ولاياتها مكانًا لعرض «المرأة المجهولة» وتبدو شادية فى أدائها البارع كمن استوت على نار هادئة... فأصبحت أنضج، حتى قدمت مجموعة كبيرة من الأفلام، وتعاملت مع كبار المخرجين، لكن فيلم «المرأة المجهولة» يظل الفيلم الأشهر فى مسيرتها ونقطة التحول المهمة فى مسيرتها السينمائية وعبر هذا الفيلم جاء اعتراف النقاد والسينمائيين، وأيضا تقدير جائزة أحسن ممثلة بعظمة قدرات الممثلة الجميلة، التى لم يخذلها جمهورها وهى تتمرد على ما اشتهرت به من أدوار خفيفة لتنطلق فى مرحلة صعبة جديدة وتقدم الأدوار المركبة فى أفلام مثل «اللص والكلاب» و«الطريق» و«ميرامار»، وعندما تغيرت الظروف فى سنوات الانفتاح واختلفت السينما فى السبعينيات امتنعت الفنانة الكبيرة عن المضى قدما وسط تفاهات أفلام المخدرات والمقاولات والجنس التى تقدم بلا وزن وبلا لون أو طعم أو رائحة أو هدف... وفضلت الإقلال من أعمالها السينمائية التى تجاوزت ١١٠ أفلام، حتى اختتمت حياتها الفنية الثرية على المسرح، ووقفت لأول مرة على خشبة المسرح لتقدم مسرحية «ريا وسكينة» مع سهير البابلى وعبدالمنعم مدبولى وحسين كمال وبهجت قمر، لمدة ٣ سنوات فى مصر والدول العربية، كانت التجربة الأولى والأخيرة فى تاريخ مشوارها الفنى، وقفت أمام عمالقة المسرح ولم تقل عنهم تألقا وإمتاعا وكانت معهم على قدم وساق كأنها نجمة مسرحية خاضت هذه التجربة مرات ومرات، ولم نشعر بفارق بينها وبين عمالقة المسرح الفنان عبدالمنعم مدبولى والفنانة سهير البابلى، اللذين أقرا بأنهما لم يشاهدا جمهورًا مثل جمهور مسرحية «ريا وسكينة» لأنه كان جمهورها الذى أتى من أجل عيونها. 
«وفى يوم ميلادها ووداعها نهتف مع جمهورها كل سنة وانتى دايما طيبة ومنورة علينا الدنيا، يا أجمل (فتوش) فى الدنيا».