الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تقرير سري مقابل فنجان قهوة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في أحد مقاهي شارع "لوزان" بجنيف، وبالتحديد في شهر يونيه من عام 2013، شاهدت نقابي عمالي مصري يقوم بتسليم مسئول دولي تقريرًا حول العمال المفصولين في مصر عقب ثورة 2011، وعندما استفسرت – فيما بعد- عن تلك الواقعة من ذلك "النقابي المستقل"، قال إن هذا المسئول يعمل في منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة بسويسرا، وأن المعلومات التي كانت بالتقرير تحتوي على بيانات موثقة بأسماء المفصوليين، والشركات والمصانع التي جرى إغلاقها بسبب "الثورة"، كما تضم وثائق عن مطالب عمال الموانئ في مدن "القناة"، وعندما سألت عن سبب ذلك، وما المقابل من ورائه، قال بالنص وهو مفتخر بنفسه: "أنا بخدم مصر وبطلب تضامن دولي معنا، ووالله أنا بس الراجل عزمني على فنجان قهوة".. بغض النظر عن حقيقة تلك الشخصية الدولية التي تحوم حولها شبهات، أو مكان وموقع تسليم هذا التقرير الذي وصلني نسخة منه، فإن الواقعة كانت خطيرة، في ذلك التوقيت الحساس من عمر مصر، وأي قلم متابع لملف العمل والعمال في مصر والعالم مجبر الآن على استرجاع تلك الحادثة خاصة ونحن نعيش فوضى عمالية ونقابية، وهناك جهود كبيرة من كل مؤسسات الدولة لمواجهتها، أيضا مقبلون خلال الفترة المقبلة على صدور قانون للنقابات العمالية تمهيدًا لإجراء انتخابات عمالية لم تجرى منذ عام 2006، ومتابعون أيضا للرسائل والخطابات المتبادلة بين "القاهرة" ومنظمات عمالية عربية ودولية في الأردن، وجنيف، وبروكسيل، ورافضون لتلك التدخلات التي كانت في رسائل دولية موجهة إلى البرلمان والرئيس، وكلها تحذيرات تصل أحيانا إلى حد التهديد من أجل تحقيق التعددية النقابية العمالية في مصر بمعنى إقرار وجود أكثر من لجنة نقابية عمالية في المصنع الواحد.. وبغض النظر عن فشل تجربة التعددية النقابية في بلدان عديدة كالمغرب وتونس وفلسطين وليبيا، حيث أصبحت تلك البلدان أرضا خصبا للصراع بين أطراف العمل الثلاثة "حكومة وأصحاب أعمال وعمال" مما يهدد الإنتاج واستقرار مواقع الإنتاج، وبغض النظر عن الاختراقات التي أصابت الحركة العمالية في تلك البلدان، وبغض النظر عن مواقف منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للنقابات والاتحاد العربي للنقابات ودورهم في نشر أفكار الشرزمة والتفكك العمالي في منطقتنا العربية ومنها مصر، إلا أننا الآن في مصر أمام منعطف خطير في الملف العمالي، المليئ بالألغام خاصة وأن الملايين من عمال مصر في حاجة إلى استقرار حتى يكونوا جاهزين لمواجهة تلك التدخلات والتحديات في الداخل والخارج، وللمشاركة في عملية التنمية والتعميير التي تشهدها البلاد على قدم وساق.. إن الجيوش والاقتصاديات العربية ليست فقط هي المستهدفة بل إن الطبقة العاملة هي أيضا في مرمى النيران من خلال محاولات مستميتة نحو اختراقها وتفكيكها، وإشغالها بالصراعات بدلا من تدريبها وتأهيلها لتقوم بدورها الوطني، ولذلك فإن خط الدفاع الأول للمواجهة من هنا من مصر التي تحتاج إلى تشريع عمالي عاجل يحقق التوزان بين أطراف الإنتاج الثلاثة، ويسرع في إجراء انتخابات عمالية ديمقراطية حقيقية يجرى خلالها إتاحة الفرصة للعامل في أن يختار ممثلوه بكل حرية، فنحن في حاجة إلى "حرية نقابية" وليس "تعددية عمالية".. إن وجود ممثلين حقيقيين ومنتخبيين للعمال من شأنه أن يخلق لنا قوة نقابية تقود الحركة العمالية العربية، وتدعم وحدتها، وأيضا تكون سندا حقيقيا للعمال الذين يحلمون بحياة آدمية من خلال أجر عادل، وخدمات صحية واجتماعية، وتشريعات متوازنة.. إن مصر التي تمتلك 70 ألف عامل في الشركات العامة في "الغزل والنسيج" ويتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولية التى تبلغ 70 مليون جنيه شهريا، بسبب تدهور تلك الصناعة في حاجة إلى حركة عمالية تقدم رؤية موضوعية للنهوض بتلك الصناعة.. إن مصر التي يعاني فيها عمال الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب والألومنيوم والنصر للسيارات والسبائك الحديدية وغيرها التي تعمل بـ30 % من طاقاتها في حاجة إلى عمال مدربيين وقيادة قادرة على تقديم الحلول وتشغيل الأفران المتوقفة.. إن مصر التي يوجد فيها 15 ألف عامل مفصول، و15 مليون عمالة غير منتظمة، ومراكز تدريب وهمية في حاجة إلى حركة عمالية ديمقراطية ومنتخبة ووطنية تقف بالمرصاد للتحديات الداخلية، وأيضا المحاولات الخارجية التي تستهدف اختراق مصر من بوابة "العمال"، وحتى لا تتكرر واقعة "فنجان القهوة " في شارع "لوزان" أو غيره من "الشوارع"!!.