الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

المفكر السياسي الدكتور أحمد يوسف في حواره لـ"البوابة نيوز": زيارة السادات لإسرائيل كانت معدة قبل الحرب.. وعرض عليهم إمدادهم بمياه النيل مقابل التنازل عن القدس.. وعبدالناصر صاحب فكرة التسوية

المفكر السياسى الدكتور
المفكر السياسى الدكتور أحمد يوسف في حواره لـبوابة نيوو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحمد يوسف:
• قرار زيارة القدس لم يكن مفاجئًا وسبقه اتصالات عديدة برعاية المغرب
• والسلام أخرج مصر من ساحة الصراع العسكري مع إسرائيل 
الحرب على الإرهاب ربما توجد بعض التفاهمات بين إسرائيل والعرب
• والحديث عن تحالف عربي مع الصهاينة "مبكر جدًا"
قال المفكر السياسي الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيس معهد البحوث والدراسات العربية السابق، أن زيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى القدس، كانت لها عدة دوافع وأسباب مهمة، جعلته يتخذ قرارًا بالذهاب إلى إسرائيل منفردًا.
وأضاف يوسف في حواره مع "البوابة نيوز"، أن الزيارة تسببت في خلق حالة من النفور العربي تجاه مصر، وأن سياسة مصر تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي تحولت من استخدام الأداة العسكرية لاسترداد الحقوق إلى الأداة الدبلوماسية.
ما الذي دفع الرئيس السادات لزيارة إسرائيل بعد حرب أكتوبر؟
الرئيس السادات كان يفكر في هذا السيناريو منذ قبل حرب أكتوبر، وهناك تصريحات له قبل الحرب بعدة أشهر تحدث فيها عن استراتيجيته، وهي أننا بحاجة إلى حرب تقنع إسرائيل بأنها لابد أن تتفاوض معنا.
هذه الفكره كانت في ذهنه من البداية، وحرب أكتوبر لم يكن القصد منها تحرير أرض سيناء بالكامل وذلك بسبب ميزان القوى العسكرى في ذلك الوقت، حيث كان الاتحاد السوفيتي يتحفظ في إمدادنا بأنواع معينة من السلاح، بجانب أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن تبخل على إسرائيل بأي نوع من أنواع الأسلحة المتطورة، فكانت الخطة أن نركز قوتنا في إنجاز هدف عسكري محدد وهو إقامة رأس جسر محرر في أرض سيناء يقنع إسرائيل بأن ما تدعيه من أن حدودها عند قناة السويس حدود أمنه كلام فارغ، وليس له أساس من الصحة وأنه لا أمن إلا برد الأرض.
الفكرة موجودة إذن عند السادات من البداية، ولكن الحقيقة أن فكرة التسوية مع إسرائيل ليست فكرة خاصة به، حيث إن قبول الرئيس عبدالناصر القرار 242 الذي صدر في نوفمبر 1967 معناه قبول التسوية مع إسرائيل ولكن السادات أحدث تغييرًا جذريًا في الأسلوب.
الرئيس عبدالناصر كان يتفاوض مع إسرائيل تفاوضًا غير مباشر عن طريق الأمم المتحدة، أما السادات فقد ارتأى أن يحدث هذا التصرف لكي يستطيع دفع المسار التفاوضي.
وهناك عوامل بالتأكيد شجعت على هذا الأمر وهو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تضغط على إسرائيل من أجل أن تقبل التسوية، فضلا عن أن حرب أكتوبر حررت جزءًا من الأرض ولم تحرر كل الأرض، فكان السادات يأمل بأن ما سيتحقق في حرب أكتوبر سيستخدم للضغط على إسرائيل من أجل التفاوض فوصل إلى مرحلة أنه لا يحقق تقدمًا في هذا المجال.
ويقال أيضًا إن الرئيس الأمريكي جيمي كارتر أرسل رسالة إلى السادات تتضمن في فحواها أنه آن الأوان لاتخاذ عمل غير تقليدي، وبالتالي هذا كان من أحد العوامل التي ساهمت في إتمام الزيارة.
يأتي بعد ذلك الوضع الاقتصادي في مصر، حيث نذكر أن مظاهرات الخبز كانت في يناير عام 1977 والزيارة كانت في نوفمبر من نفس العام وبالتالي الوضع الاقتصادي المصري كان في منتهى السوء في ذلك الوقت الأمر الذي اضطر الرئيس السادات إلى الموافقة على قرارت الإصلاح الاقتصادي وبالتالي عندما اضطر للتراجع عنها كان لابد من حل.
• يقال إن المساعدات العربية كانت ضعيفة ولذلك اتخذ السادات قراره بالذهاب إلى القدس"؟
أود أن أضيف أن قرار زيارة القدس لم يكن قرارًا مفاجئًا ولكن سبقته اتصالات عديدة بين مصر وإسرائيل برعاية المغرب، حيث إنه تمت في المملكة المغربية لقاءات بين حسن التهامي وشخصية إسرائيلية كبيرة، ربما تكون سكرتير الخارجية الإسرائيلية، وأيضًا الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، يبدوا أنه نصح السادات في هذا الاتجاه، فخطاب السادات في مجلس الشعب لم يكن هو البداية في هذا المسار وإنما سبقته اتصالات مصرية - إسرائيلية برعاية الملك المغربي حسن الثاني.
• هل أثرت الزيارة على عملية السلام فيما بعد؟
بالتأكيد ولكنها أثرت على المسار "المصري - الإسرائيلي" فقط، حيث إنه لم ينجز شيء فيها إلا على هذا المسار، وتعلم أن الأمر استغرق أقل من عامين، حيث إن الزيارة كانت في نوفمبر عام 1977 وفي سبتمبر 1978 تمت معاهدة كامب ديفيد ثم شهور وتمت معاهدة السلام في مارس 1979، أما بالنسبة للمسار العربي فنذكر أنه تم التوصل في كامب ديفيد إلى اتفاقيتين أولاهما عبارة عن مسودة معاهدة السلام "المصرية – الإسرائيلية"، والثانية كانت إطارًا للسلام في الشرق الأوسط.
وبالنسبة لهذه الاتفاقية الثانية لم يكن لها أي مردود على عملية السلام، ولكن الرئيس السادات أصر عليها حتى لا يتهم عربيًا بأنه أنجز صلحا منفردا بما يتعارض مع قرارات قمة الخرطوم عام1967، حيث إنه لم تذكر فيها سوريا على الإطلاق وبالتالي هي لا تتناول المسار السوري، ثانيا وفيما يتعلق بالمسار الفلسطيني الذي يتمثل في مصير الضفة الغربية والتي كانت خاضعة حتى ذلك الوقت إلى السيادة الأردنية ومحتلة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، كان هناك نص في الاتفاقية.
ويتحدث عن حكم ذاتي للضفة تتفاوض عليه كل من مصر والأردن وإسرائيل، ولم يشارك الأردن باعتبار الرفض العربي لهذه الاتفاقية في هذه المفاوضات فتحولت مفاوضات الحكم الذاتي إلى مفاوضات "مصرية - إسرائيلية"، ودخلتها مصر بجدية شديدة وإخلاص تام ولكن كان واضحا أن إسرائيل لا تريد أن تقدم شيئًا يذكر للفلسطينيين وبالتالى انتهت هذه المباحثات بالإخفاق وما تحقق فقط هو معاهدة السلام "المصرية – الإسرائيلية".
• لماذا لم يشاور الرئيس السادات الحكومة في هذه الخطوة؟
أنا لا أستطيع أن أعلم هل هو فاتح البعض ورفضوا أم قبلوا؟ إنما هو بالتأكيد القرار كان قرارًا خاصًا بالرئيس السادات بدليل أن قطاع السياسة الخارجية وكان على رأسه في ذلك الوقت المرحوم إسماعيل فهمي وزيرًا للخارجية والمرحوم محمد رياض وزيرًا للدولة للشئون الخارجية وكلاهما استقال.
وكان المرحوم إبراهيم كامل وزير الخارجية انذاك والذي قبل أن يكون وزيرًا للخارجية في عهد السادات على أساس أنه يريد تسوية متوازنة مع دولة الاحتلال إسرائيل، واعتبر أن اتفاقية كامب ديفيد لا تحقق الحد الأدنى وبالتالي استقال قبل توقيعها، فمن المؤكد أن القرار بالتفاوض المباشر مع إسرائيل كان مسئولية الرئيس السادات وحده، ومعلوم أن الدبلوماسيين المصريين آنذاك، أذكر منهم المرحوم أسامة الباز والمرحوم أحمد ماهر الذي تولى وزارة الخارجية بعد ذلك والدكتور نبيل العربي كانوا في وفد التفاوض في كامب ديفيد وجميعهم اعترضوا ولكن الرئيس السادات لم يأخذ برأيهم، ولذلك نستطيع أن نقول باطمئنان أن قرار المفاوضات كان منفردًا.
• هل كان هناك أي دولة عربية على علم بهذه الزيارة أو اتفق معاها السادات بشأنها؟
هناك بعض المعلومات تشير إلى أن السادات ربما شاور بعض الأصدقاء الخليجيين، وعندما حدث الرفض العربي للمبادرة والسادات هاجم الحكام العرب جميعًا، الوحيد الذي لم يهاجمه هو الملك خالد ابن عبدالعزيز ملك الممكلة العربية السعودية آنذاك، وذلك لأنه فُهم أنه منذ البداية اعترض على الزيارة وكأن من فاتحهم السادات – وأنا لا استطيع أن أؤكد هذه المعلومة هل فاتحهم أم لا- أو قالوا له: "سننتظر ونرى ما سيحدث أو على بركة الله أو شيء من هذا القبيل".
النقطة الثانية والأكيدة أن الرئيس السادات بعد إعلان نية الزيارة وقبلها، زار الرئيس السوري حافظ الأسد ولكن الرئيس السوري لم يعطه أى موافقة على هذه الزيارة وذلك لأنه كان رافضًا المبدأ من الأساس.
• كيف تعامل الرئيس السادات مع الغضب الشعبي والعربي بعد الزيارة؟
بالنسبة للشعب المصري كانت هناك مظاهرات ترحيب في استقبال الرئيس السادات لدى عودته من إسرائيل، ولكن أغلب الظن أنها كانت مظاهرات منظمة، الشعب كان يعيش في حالة ذهول لأنه وقد مضى على الصراع العربي - الإسرائيلي ما يقرب من ثلاثين عامًا، وبما أن تنشئة الأجيال قامت على أساس هذا الصراع، فكان هناك نوع من الذهول والصدمة، ولكن في حقيقة الأمر لم تكن هناك تعبيرات شعبية غاضبة ولم تنزل الناس إلى الشوارع للاعتراض.
ومن جانبها وقفت وسائل الإعلام إلى جوار السادات آنذاك، وتحدثت عن الحرب والظروف التي كانت تعيشها مصر في حينها، وعن أن الرئيس السادات بطل الحرب وبطل السلام وعن الرخاء الذي سوف يتحقق من جراء هذا الأمر.
أما على الساحة العربية فكانت هناك حالة من الغضب والرفض الحقيقي، وأدى هذا الأمر إلى أن الحكومة المصرية أو النظام المصري وقتها دخل في خصومة صريحة مع الدول العربية، وقامت الدول العربية بقطع علاقتها الدبلوماسية مع مصر باستثناء الصومال وسلطنة عمان وربما السودان لا أذكر، ولكن تقريبا الكل قطع علاقته مع القاهرة، وقامت الجامعة العربية بتعليق عضوية مصر ونقلت مقرها ومقر المنظمات العربية من القاهرة.. إلخ.
كانت هناك قطيعة شبه تامة شملت كل شيء ماعدا المصريين العاملين في البلاد العربية ولم تفكر دولة في إجلائهم.
• هل كانت الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد السبب في عدم نزول الناس إلى الشوارع؟
تفسير رد فعل الشعب المصري بعدم النزول إلى الشوارع اعتراضًا على هذه الزيارة -علميًا- مستحيل الآن لأنه كان لابد في ذلك الوقت من أن تجرى دراسات.. هل ذلك بسبب سوء الحالة الاقتصادية وأن الناس لا تفكر إلا في قوتها اليومي؟ أو هل كانت تملك أمالًا حقيقية في أن تتم عملية السلام بطريقة مشرفه وسوف يتم الرخاء الاقتصادي على إثرها؟ هناك تفسيرات كثيرة، من الممكن أن نقول الشعب تعب من الحروب وكان يأمل فى الرفاهية الاقتصادية.. إلخ. لكن التفسير العلمي الصارم الآن اعتقد أنه شيء مستحيل.
كيف أثرت الزيارة على مستقبل مصر والمنطقة؟
الزيارة كان لها عدة تأثيرات، حيث إنها لم تؤد إلى الدفعة الاقتصادية والرخاء الذي كان يعتقده السادات في ذلك الوقت، ولكن نستطيع أن نقول في هذه النقطة أن حالة التردي الاقتصادي التي تعيشها البلاد لم يكن السبب فيه حالة الحروب مع إسرائيل وحدها ولكن سببه سياسات وتوجهات اتُبعت وما إلى ذلك، وبالتالي لم يحدث ما كان متوقعا بصدد "الدفعة الاقتصادية الضخمة بعد السلام مع إسرائيل".
ما حدث في مصر خلال العقد الذي تلا السلام هو أنها فقدت علاقتها العربية وفقدت تأثيرها على الدول العربية، وإن كانت الدول العربية بعد ثلاث سنوات فقط من معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية ركبت قطار التسوية، حيث إن المملكة العربية السعودية قدمت مبادرة سلام عام 1981 والتى كان مضمونها أفضل من مضمون كامب ديفيد ولكنها في النهاية لم تتحقق، ولكننا نستطيع أن نقول أن مصر بعد الزيارة وبعد معاهدة السلام مع إسرائيل لم تحقق ما طمحت إليه على الأقل إلى لحظة اغتيال السادات وتولى "مبارك" لأن مبارك استطاع بسياسته الهادئة في ذلك الوقت أن يعيد علاقات مصر العربية خصوصًا أن الظروف الموضوعية ساعدته.
ونشبت الحرب الإيرانية - العراقية وظهور التحدي الإيراني بشكل واضح وشعور الدول العربية بأن أمنها سيكون مهددًا في حالة غياب مصر عن المنظومة العربية، ولذلك نلاحظ أنه عندما بدا وكأن ميزان الحرب العراقية الإيرانية يميل في جانب إيران، بعد اختراق "الفاو" في فبراير 1986 عقدت قمة عمان في نوفمبر 1987.
وأصدرت قرار السماح للدول العربية بإعادة العلاقات مع مصر على أساس ثنائي، وذلك لأن قرار مقاطعة مصر كان قرارًا جماعيًا وكان يشترط ألا تعود إلا بقرار جماعي، وفي ذلك الوقت اعترضت سوريا وليبيا على إعادة مصر فصدر القرار أن من يريد عودة العلاقات مع مصر فليعدها، فأعاد كل الدول العربية العلاقات مع مصر على الفور وحتى سوريا وليبيا أعادتا العلاقات في 1989 وذلك بعد عامين من قمة عمان، وعادت الجامعة العربية إلى مصر عام 1990، والذي أقوله هنا إن عقد ما بعد معاهدة السلام كان عقدا شديدا على العلاقات المصرية العربية.
• لماذا وافقت إسرائيل على الزيارة مباشرة رغم أن السادات كان ألد أعدائها؟
أتصور أن هناك صراعًا عمره ثلاثون عامًا، ورئيس أهم دولة عربية في هذا الصراع يقول علنًا أنه سوف يزور إسرائيل، الزيارة هنا معناها اعتراف فعلي بإسرائيل من قبل مصر.
فضلا عن أن الزيارة إلى مدينة القدس التي تعتبر محور الصراع العربي - الإسرائيلي تُعتَبَر بالنسبة لإسرائيل إنجازًا عظيمًا جدًا، وذلك لأن رئيس أقوى وأكبر دولة عربية يقول إنه سوف يذهب لإسرائيل وليس العكس، وبالتالي لم يكن هناك أدنى شك في أن تستجيب إسرائيل إلى الزيارة فورًا، هذا بجانب أن تل أبيب كان عندها علم مسبق بالزيارة، حيث كما ذكرت مسبقًا كانت هناك اتصالات مكثفة بين الجانبين قبل الزيارة.
• حتى اللحظات الأخيرة وقبل نزول السادات على أرض مطار "بن جوريون" إسرائيل كانت تعتقد أن هناك "مؤامرة"؟
طبعا.. زيارة السادات كانت تصرف غير متوقع على الإطلاق، وكان هناك اتجاه في تفكير بعض القادة الإسرائيليين بأن هذه الزيارة قد تكون الحيلة الأخيرة للرئيس السادات لمحو القيادة الإسرائيلية، حيث يخرج من الطائرة رجال صاعقة مصريون يقتلون كل القيادات الإسرائيلية الموجودة على أرض المطار، ولذلك يقال إن إسرائيل شددت الأوضاع الأمنية ووضعت فوق أسطح المباني قناصة للتعامل مع أي حدث طارئ.
هل أخرجت الزيارة مصر من دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي؟
الزيارة أخرجت مصر من ساحة الصراع العسكري مع إسرائيل ولكن لم تخرجها من دائرة الصراع العربي - الإسرائيلي، فما زالت الضفة الغربية محتلة كما هي ومازالت هضبة الجولان كما هي، وحتى على الجبهة المصرية استمر الصراع حيث إن مشكلة طابا لم تحسم حتى أوخر الثمانينات، فضلا عن أن مصر منغمسة على آخرها في القضية الفلسطينية.
• كيف كان الدور الأمريكي في إتمام المباحثات؟
الدور الأمريكي كان سابقًا للزيارة، حيث عرفت الولايات المتحدة الأمريكية بموقفها شديد الانحياز لإسرائيل التي لا تستطيع أن تخرج عنه، وبالتالي كانت رسالة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر حينها للسادات واضحة وهي أنه في إطار الوضع الحالي لن تستطيع أن تحقق شيئًا ولابد أن تأتي بجديد، والجديد هنا تمثل في الزيارة، كما أن المباحثات المصرية - الإسرائيلية قبل الزيارة.
ومن المؤكد أنها وضعت أساسًا للقاء، بمعنى أن الجانب المصري والجانب الإسرائيلي كلاهما أدرك أن الزيارة من الممكن أن تأتي بنتائج.
• هناك من يقول في إسرائيل إن أمريكا شعرت بالغضب لأنها لم تدع للمباحثات من البداية؟
أمريكا كانت جزءًا أصيلًا في المباحثات من البداية، كل ما في الأمر أن السادات كان يتصور أنه بمجرد أن يزور القدس، سوف تسلم له إسرائيل كل شيء ففوجئ بأن إسرائيل هي إسرائيل، لا تريد أن تتنازل قيد أنمله عن أي شيء، حتى أنه في وقت من الأوقات عرض الرئيس السادات على مناحم بيجن تزويد إسرائيل بمياه النيل رغم أن هذا مخالف للقانون الدولى مقابل تنازل إسرائيل عن القدس، فرد عليه بيجن بأن هذا شيء عظيم جدًا ولكن لا علاقة له بالقدس.
السادات اكتشف بعد هذه الزيارة أن المواقف الإسرائيلية متشددة جدًا لدرجة أن المباحثات توقفت وقطعت أكثر من مرة، وفي مرة من المرات كان المرحوم إبراهيم كامل في زيارة لإسرائيل.
وكان هناك كلمة لرئيس وزراء إسرائيل بيجن خلال حفل عشاء اعتبرها وزير الخارجية إساءة لمصر فرد عليه بعنف وعلى إثر ذلك أشاد الرئيس السادات بموقف وزير الخارجية، المقصود من هذا الكلام أنه كانت هناك مشاكل عديدة في مجرى المفاوضات، ومن هنا جاء الدور الأمريكي الذي دعا الطرفين إلى كامب ديفيد حيث تم الاتفاق.
وكانت المباحثات في منتهى الصعوبة لدرجة أنه في جلسه من الجلسات كاد السادات أن يغادر من غضبه، إلا أن كارتر قاله له ما معناه "إن غادرت الجلسه لن يسأل أحد فيك"، فبقى وواصل المباحثات حتى النهاية.
تكلمنا عن رد فعل حكام الدول العربية على إعلان الزيارة ولكننا لم نتكلم عن رد فعل شعوب المنطقة العربية؟
غالبية العالم العربي كان معارضًا للزيارة، فضلا عن أن النتائج التى حققتها الزيارة لم تكن تغري أحدًا ليؤيدها.
كيث أثرت الزيارة على سياسة مصر الخارجية؟
الأثر المباشر للزيارة كان أمران وهما أولًا: أن سياسة مصر تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي تحولت من استخدام الأداة العسكرية لاسترداد الحقوق إلى الأداة الدبلوماسية.
الأمر الثاني: أن علاقات مصر العربية تدهورت إلى أبعد الحدود.
• هل ترى أن الزيارة حققت أهدافها على المدى البعيد؟
هذا السؤال يجيب عنه التاريخ، وذلك لوجود جدل هائل حوله، طبعًا الزيارة حققت أهدافها في استرداد سيناء، ولكن هناك من يقول إن الثمن الذي دفع كان باهظًا، وأنه بالنظر إلى ما حققته القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر كان يفترض أن يكون هذا الثمن أقل بكثير.
ومن أكثر الأشياء التي أثارت الجدل توزيع القوات المصرية في سيناء، حيث قسمت إلى ثلاثة أجزاء، فكان في الجزء الأول تسليح عادي وفي الجزء الثاني متوسط التسليح أما الجزء الثالث والأخير فهو المنطقة الفاصلة بيننا وبين إسرائيل فكانت منزوعة السلاح تقريبًا.
وفي مقابل هذا كان هناك من يقول إن هذا لا يمثل أي قيد على مصر في حالة وقوع عدوان إسرائيلي، فمصر التي عبرت خط بارليف تستطيع أن تندفع وتصد أي عدوان إسرائيلي ولكن في هذه الأيام نجد أن القيود على تسليح الجيش المصري في سيناء تقلصت بشكل كبير بسبب الحرب على الإرهاب، والبعض يقول إن هذا الأمر يحدث بموافقة إسرائيلية، ومع ذلك من المؤكد أنه حتى لو لم تكن إسرائيل قد وافقت لكانت القوات المصرية ستحارب الإرهاب في سيناء.
• بعد ظهور "داعش".. هل من الممكن تكوين تحالف عربي - إسرائيلي مثلما تدعي إسرائيل؟
إسرائيل تقول إن هناك علاقات إسرائيلية بعدد من الدول العربية وهناك اتصالات أيضًا، ولكن هذه الدول تريد أن تبقي العلاقات سرًا، فمن المؤكد أن هناك اتصالات وعلاقات عربية إسرائيلية، فضلا عن أن الحرب على الإرهاب ربما أوجدت أساسًا ما لبعض التفاهمات مثل ما حدث بين مصر وإسرائيل مؤخرًا وسماح بنشاط عادي للجيش المصري في المناطق القريبة منها بسيناء، أما الحديث عن تحالف عربي - إسرائيلي فهو مبكر جدًا في مواجهة أي شيء، وعندما نتحدث عن أي تحالف عربي إسرائيلي فلابد أن تحل القضية الفلسطينية.