الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القتل في المساجد بأجر معلوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن أمام عدو هلامى، لا نرى ملامحه، ولا نعرف دينه، أو دين أبيه، ولا ملة من جندوه ومولوه وأمروه، كما أننا لا نعرف، أين يختبئ، أو فى أى جحر أو كهف يدبر لجرائمه، هو يخطط ويرصد ويختار توقيت تنفيذ جريمته، ثم يفر هاربًا كالفأر المذعور.
يا سادة، علينا الإقرار بحقيقة لا تقبل الجدل أو السفسطة، مفادها أننا فى حالة حرب ضد الإرهاب، ربما تستمر لبعض الوقت، لكن فى الوقت نفسه علينا إدراك أمور أخرى، يجب أن لا تكون بعيدة عن أذهاننا، منها أننا لسنا فى ساحة مواجهة أو اشتباك مباشر معه، ولم يكن هذا هو حالنا وحدنا، لكنه حال دول كبرى فى العالم، حدثت فيها جرائم إرهابية متفرقة، من أمريكا إلى الفلبين، ومن نيجيريا إلى فرنسا ومن إسبانيا وبريطانيا إلى روسيا، فالإرهاب يباغت هدفه، أما التحركات الأمنية، فدائما تأتى كرد فعل، عن طريق الملاحقات والمطاردات.
فما بالنا والأحداث تجرى فى سيناء، وهى ذات طبيعة جغرافية وعرة، حيث الكهوف والوديان والتلال الجبلية، والمدقات التى يتسلل منها وإليها الإرهابيون كالجرزان، ولعل الجريمة التى استهدفت الأبرياء والمصلين بمسجد قرية الروضة القريبة من بئر العبد «شمال سيناء»، تؤكد ما أردت الاقتراب منه، فيما يتعلق بارتكاب الجرائم والهرب، ويؤكد قدرة المؤسسة الوطنية الصلبة «الجيش»،على رد الفعل السريع.
استهداف المصلين، كشف لنا حقيقة، مفادها أننا لم نعد فى حاجة لإصدار بيانات لإدانة الإرهاب، ولسنا فى حاجة لعقد المؤتمرات والوقوف أمام الميكروفونات والشاشات لنعلن براءة الإسلام من الإرهاب، فالإرهابيون أنفسهم، يعلمون قبل غيرهم أنهم أعداء الدين، وأن أفعالهم لا تمت للدين بأية صلة، وأن الدين بالنسبة لهم، مجرد شماعة، يعلقون عليها تبرير القتل والتدمير، وكافة الجرائم التى ينفذونها بأجر معلوم، بما يعنى القضية تتجاوز الحديث عن المواجهات الفكرية وغير ذلك من الأمور، التى يتم ترديدها وتمتد إلى مصالح قوى دولية ومؤامرات استخباراتية والهدف إرباك الدولة المصرية واستنزاف قدراتها فى الحرب ضد الإرهاب.
فالجريمة تحمل دلالات لا تخطئها العيون الراصدة، القارئة، بدقة، لما يجرى على الساحتين الإقليمية والدولية، وما يحويه المشهد من تعقيدات سياسية وأمنية، هى حدثت فى أعقاب الإعلان عن سقوط شبكة تجسس تعمل لحساب الاستخبارات التركية، وبتمويل قطرى، استهدفت ضرب الاقتصاد المصرى ونشر الشائعات لإثارة الفوضى، بغرض إيصال الإخوان للحكم.
بالتزامن مع إعلان المخابرات العامة المصرية عن تفاصيل التحريات والرصد الذى استمر منذ عام ٢٠١٣ وحتى سقوط الشبكة قبل أيام قليلة، أصدرت الحكومة البريطانية تحذيرا لرعاياها من السفر أو الاقتراب من عدة أماكن داخل الدولة المصرية، منها شمال سيناء التى وقعت فيها أبشع جريمة فى تاريخ العمليات الإرهابية.
القضية إذن، ليست تلك الجماعات المأجورة، إنما فى ما هو أكبر منها، فهناك دول كبرى متورطة فى تصنيع التنظيمات ذاتها، وهناك أجهزة استخبارات متورطة فى العمليات الإرهابية، سواء بالتخطيط أو التمويل أو بوجود عناصر لها ضمن هذه المجموعات. 
فى هذا السياق،علينا أن نخاطب أنفسنا بقدر من الروية، ولا نجعل جريمة استهداف المصلين فى مسجد الروضة مجالا للسفسطة، بل يجب وضعها على مائدة التفنيد الموضوعى، وفق المعطيات المتاحة،هذه الجريمة رغم بشاعتها، تعبير عن أن الإرهاب فى سيناء بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة، وراح يتصرف بعشوائية، وفى إطار أنه يلفظ أنفاسه، يجب أن نتوقع حدوث جرائم أخرى بتكتيكات استخباراتية متقنة، تستهدف النقاط الضعيفة، مثل المساجد والكنائس، خاصة بعد تسلل بعض العناصر الإرهابية إلى مصر عبر الحدود، فى أعقاب انهيار «داعش» فى العراق وسورية.
وللوقوف على تكتيكات استهداف النقاط الضعيفة، علينا استرجاع ما جرى فى البلدان التى انحسر فيها داعش، من تدمير للمساجد والكنائس والمتاحف، واستهداف الأبرياء والعزل، وهى النقاط الضعيفة التى أعنيها، باعتبار أن المدنيين نقاط لا تملك القدرة على المواجهة، أو المقاومة أثناء وقوع الجريمة الإرهابية، مثلما حدث فى مسجد الشيخ «عيد الجريرى» فى قرية الروضة،عندما داهمت المكان مجموعة إرهابية مسلحة، وأطلقت نيرانها التى أدت لاستشهاد ٢٣٥ مواطنا بريئا، وإصابة أكثر من مائة آخرين، ذهبوا للصلاة، والاحتفال بالذكرى الأولى لاستشهاد شيخ الطريقة الجريرية، «سليمان أبوحراز»، الذى جرى اختطافه بتاريخ ١٩ نوفمبر العام الماضى، وتم ذبحه، وبث فيديو ارتكاب الجريمة بتاريخ ٢٤ نوفمبر، وكأنه انتصار لهذه الفئة الضالة. 
الجريمة تلفت الانتباه إلى أمر يبدو من قراءته مهمًا، وأهميته تكمن فى أن التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها باتت، فعليًا، محاصرة، وكلما حاولت الإفلات من المطاردة والنجاة من الموت، تتخبط مثل الحيوان المذبوح فترتكب جرائمها قبل الهلاك، ارتكبوا جريمتهم ضد أبرياء تنتمى غالبيتهم لأسرة الشيخ سليمان أبوحراز، من عشيرة الجريرية، أحد فروع السواركة التى أدت مع القبائل الأخرى أدوارا بطولية أثناء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، وغالبية أهل القرية "الروضة" ينتمون إلى الفكر الإسلامى الوسطى «الصوفية». 
هؤلاء القتلة، لا يفرقون بين مسجد أو كنيسة، مسلم أو مسيحى، جندى أو مدنى، غنى أو فقير، متعلم أو أمى، مشهور أو مغمور.
الجرائم الإرهابية الأخيرة، وإن كانت جريمة قرية الروضة أكثرها قسوة وإيلاما، كافية أن تجعلنا نقف أمام أنفسنا ونتساءل، ماذا فعلنا، وما الذى قدمناه لمؤسسات الدولة فى تلك الحرب المقدسة للقضاء على الإرهاب الأسود، فقط، اكتفينا بالعبارات الإنشائية التى نرددها فى كل مناسبة، بدون إدراك بأننا نفعل، مثلما فعل قوم موسى مع نبى الله موسى، حينما قالوا له «فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون».. هكذا نفعل.