الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الشباب بين سياسة بلا برامج وبرامج بلا سياسة! "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قالوا قديمًا إن الدول العظيمة مثل الأنهار العظيمة تجدد مياهها.. ولاتغير مسارها!
والأمم ترقى حينما تجدد شبابها وتنقى دماءها وتطهر أفكارها وتحرس بناءها.. والحكمة الصينية القديمة تقول.. إذا أردت لأمة أن تعيش لمدة عام فلتزرع القمح، وإذا أردت أن تعيش عقدًا من الزمان فلتزرع النخيل، وإذا أردت أن تعيش على مدى الأجيال، فلتصنع الرجال، طبعًا الرجال بالمفهوم المجازى.. وليس المفهوم الإصطلاحى.
والشباب فى مصر عاشوا مأساة كبرى فى العصر الحديث.. فقد كانوا قبل ثورة يوليو ثوريين بطبيعتهم ينفعلون ويتفاعلون مع قضية الوطن الكبرى بكل معانى النقاء والطهارة أمام الاحتلال.. ومهما تغيرت وتعددت اتجاهاتهم وتنوعت عقائدهم إلا أن مواجهة الاستعمار كانت قضيتهم الكبرى.. فقد تلقوا الرصاص فى صدورهم بشجاعة بكل ما يحمله هذا الصدر الطاهر من رحابة.. وكان يجدون أنفسهم فى التظاهر ومنابر التعبير من منشورات أو صحف حتى أصبحت كلمة الشباب فى مصر أقوى من المدفع صلابة.. وهى غرس المندوب السامى بما له من حركة، وكلمتهم المدوية فى الأوقات لها صداها وأصبحت مهابة، ولم تكن هناك أسرة إلا وبهذا الطوفان مصابة رغم الاختلاف الفكرى فقد شكلوا من بين أنفسهم لواء الجامعة وصاغوا تحالفا بين النخبة من المتعلمين فى الطلاب وبين من لا يعرف القراءة والكتابة بشعار (عاش الطلبة مع العمال) وحملوا وواجهوا المدفع والدبابة، واقتحموا قواعد الإنجليز فى الشلوفة والسويس وبورسعيد وأشعروهم بأنهم قد حل عليهم يوم القيامة.
وجاءت حركة يوليو التى أيدها الشعب، خاصة الشباب لكن هذا الملف اصطدم بعدة تحديات، ورغم أن جميع ضباط ثورة الأحرار لم تكن تزيد أعمارهم عن أربعة وثلاثين عامًا، أى فى أوج مرحلة الشباب، وبدأت الثورة بمحاولة استيعاب الثورة الشبابية وحماسهم، فأنشأت جناحا داخل هيئة التحرير وتولى هذا الملف عدد من ضباط الثورة، منهم الصاغ إبراهيم الطحاوى والصاغ وحيد رمضان والصاغ أحمد طعيمة وكان يرافقهم كقائد لهذه المجموعة أحد عناصر مجلس الثورة، منهم البكباشى أنور السادات، والصاغ صلاح سالم وقائد الأسراب حسن إبراهيم، وكانت القيادة فى المحافظات لأهل الثقة، مثلا الإسكندرية تولى هذا الملف الأستاذ شوقى عبدالناصر شقيق الرئيس، وكان مدرسًا للغة الإنجليزية بمدرسة محرم بك الخاصة بشارع أحمد أيوب وهى التى تواجه حاليًا القنصلية الصينية، حيث كان يشغل هذا القصر فى الخمسينيات الملك أحمد زوغو، ملك ألبانيا بعد تركه الحكم، وكانت هذه التوليفة ذكية، لأنها كانت تحمل جميع أطياف السياسة المصرية، وكان أفضل المتحدثين وقتها الصاغ وحيد رمضان، الذى كان يختتم خطابه بعبارة حماسية تقول كلماتها لاستنهاض الهمم للمقاومة والانضمام إلى كتائب الفدائيين الذى كان يتولى هذا الملف الصاغ كمال الدين حسين والصاغ كمال رفعت وموفق الحموى ومصطفى حافظ وغيرهم.. كان وحيد رمضان يحرض الشباب على الانضمام إلى كتائب التحرير.. والحرس الوطنى، وكتائب الشباب والفدائيين ويقول فى لهجة حماسية منقطعة النظير «اشعلها حربًا يا نجيب فنحن الجنود.. واشعلها نارًا يا نجيب فنحن الوقود»، كان هذا مدخل ثورة يوليو مع الشباب ودخلت التربية العسكرية المدارس كمادة انضباط أساسية والحرس الوطنى فى الشركات والمصانع وكتائب الشباب، وكان لهم عرض عسكرى خاص يحضره اللواء محمد نجيب، وأعطت انطباعًا مبدئيًا بأنه تم احتواء الشباب ما بين هيئة التحرير والحرس الوطنى.
انقسم الشباب فى أول الثورة ما بين مؤيد لمحمد نجيب، الذين انتفضوا كثيرًا لوجود جمال عبدالناصر فى صدارة المشهد السياسى، وتجلى هذا فى مظاهرات عفوية اندلعت فى الإسكندرية التى صنفت بأنها مضادة للثورة، رغم أن المسئول السياسى عنها الأستاذ الليثى عبدالناصر، رئيس هيئة التحرير وتولى السكرتارية الأستاذ يحيى مطر، المحامى الشهير، وهو يمت بصلة قربى على ما أعتقد مع الصاغ وحيد رمضان، كما ظهر فى الصورة الأستاذ أحمد بدر، المحامى بالنقض، الذى أصيب فى حادث المنشية هو والوزير السودانى ميرغنى حمزة، ومن بينهم أيضًا الأستاذ حامد يحيى المحامى الشهير.
وتولى هذا الملف الصاغ كمال الدين حسين مع تعيينه وزيرًا للتربية والتعليم بعد تعديل المسمى من وزارة المعارف العمومية وفى تقديرى أن وجود كمال الدين حسين على رأس هذا الملف لا يقل أهمية لسيطرة الثورة، فقد كانت الأقلام تتندر بأن يتم ترقية الصاغ عبدالحكيم عامر إلى رتبة اللواء ويصبح قائدًا للجيش ولم تلق الأضواء والانتقاد على تعيين كمال الدين حسين رئاسة المجلس الأعلى للجامعات ويرأس اجتماعا لرؤساء الجامعات فى مكانة الدكاترة العلماء، الدكتور كامل مرسى، رئيس جامعة القاهرة، والفقية العالم الكبير الدكتور السعيد مصطفى السعيد، رئيس جامعة الإسكندرية، والعالم الكبير الدكتور محمد مرسى أحمد، رئيس جامعة عين شمس، وكان العالم الكبير مصطفى كمال حلمى رئيس مجلس الشورى الأسبق أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للجامعات، إذن بالقياس فإن هذه الصورة أكثر انتقادًا.