السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

روايات "ويلز" نبوءات ساهمت في تطور الجنس البشري

الإنجليزي هربرت جورج
الإنجليزي هربرت جورج ويلز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تظل روايات الإنجليزي هربرت جورج ويلز بمثابة نبوءات ساهمت في تطور الجنس البشري، حيث نجح الرجل الذي كان من ألمع الروائيين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في إشعال فضول العلماء لمعرفة مدى إمكانية تحقيق ما كتبه، هكذا استطاعت البشرية خلال العقود التي تلت رواياته في تحقيق ما كتبه كإنجازات علمية كانت أشبه بالمعجزات في عصرها، وبُنيَ على الكثير منها التطور الذي وصل إليه عالمنا اليوم.
قبل أعوام قليلة من انفراط عقد القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1897، كتب ويلز واحدة من أبرع رواياته في الخيال العلمي والتي نشرت في البداية كمسلسل في جريدة بيرسون الاسبوعية، ثم نشرت كرواية في نفس العام؛ وكانت تدور حول جريفين، وهو عالم كرس نفسه لأبحاث البصريات، والذي يخترع وسيلة لتغيير معامل الانكسار في الجسم إلى معامل الهواء بحيث يمتص ويعكس أي ضوء، وبالتالي يصبح غير مرئي؛ وبالفعل ينجح في التجربة بعد أن طبقها على نفسه، ولكنه يفشل في عكس المفعول؛ ولأول وهلة كان يظن أن هذا إنجاز علمي كاف لمنحه كل الشهرة والمجد، لكنه وضعه الغريب الجديد جلب عليه ذعر العامة وثورتهم، فصار مطاردًا من الجميع كالمجرمين.
ومن غرابة الفكرة وبريقها، تحولت إلى العديد من الأفلام، كان أولها عام 1933 من بطولة الفنان الأمريكي مارلون براندو؛ وظهرت نسخة شهيرة من الفيلم عام 2000 من بطولة كيفين باكون؛ كما ان العام الماضي أعلنت شركة الإنتاج الأمريكية يونيفرسال بيكتشر عن اختيار الفنان جوني ديب لتجسيد دور الرجل الخفي في النسخة الجديدة من هذا العمل الكلاسيكي الشهير.
لم تعد فكرة ويلز التي سحر بها العالم وخاصة علماء الفيزياء والطاقة بعيدة إلى هذا الحد، فيعد العديد من التجارب العلمية لمحاولة إخفاء الأجسام من وحي الرواية، والتي كانت أشهرها "تجربة فلادلفيا" التي قيل أنها أجريت من قبل البحرية الأمريكية عام 1943 بغرض دراسة إمكانية إخفاء سفينة حربية عن عين العدو، والتي اعتمدت على بعض نظريات الفيزيائي الأشهر ألبرت آينشتاين لتجربة طرق تدخل فيها المغناطيسية إلى جانب مجال آخر مثل الجاذبية؛ ففي عام 2008 نجح فريق بمعهد بروكلي في قطع شوط نحو هذا الحلم، وتصدر إنجازهم صفحات مجلة تايم الأمريكية ضمن قائمة أفضل خمسين اختراعًا، ونقلته مجلة العلم فى عدد يناير 2009، حيث طوّر الفريق مادتين محايدتين تستطيعان عكس الضوء أو امتصاصه، حيث تجعل شعاع الضوء ينكسر للاتجاه العكسي الأولى تستخدم شبكة من طبقات معدنية رفيعة، أما الأخرى فبها أسلاك فضية رفيعة، مما نتج عنه زى له حد أدنى من الإخفاء؛ وفي وقت لاحق توصلت مجموعة من الشباب من جامعة طوكيو إلى نفس المأرب بطريقة أبسط، إذ أنتجوا نوع من الأقمشة عاكسة للضوء، والتى تعمل كشاشة، ويبدو أن العلماء لن يتوقفوا قبل تحقيق حلم ويلز الذي كتبه قبل أكثر من قرن، بعد أن تحوّل حلمه الأول بالصعود إلى القمر إلى حقيقة.
حلم اختراق الإنسان للفضاء والصعود إلى أقرب جسم كوني نستمد منه الإضاءة في الليل كتبه ويلز ونشره في عام 1901 في رواية "أول الرجال على سطح القمر"، وهي الرواية التي وصفها بنفسه أنها "إحدى قصصه الرائعة"؛ وشخذ فيها خياله ليحكي الرواية قصة رحلة إلى القمر يقوم بها رجلان هما رجل الاعمال السيد بيدفورد، والعالم غريب الأطوار، السيد كافور، والذي يخترع مادة مضادة للجاذبية، ثم كرة كبيرة هي بمثابة سفينة فضاء يُمكن التحكم في اتجاهها عبر مجموعة من الستائر الكهربية التي تقوم بتغيير الاتجاه عبر تعرضها للشمس.
يتزود الرجلان بالكثير من المؤن وينطلقا في رحلة مليئة بالغرابة إلى سطح الجسم الأقرب لكوكبنا؛ وهناك يكتشف الرجلان أن القمر مسكون بحضارة فضائية متطورة وهم مخلوقات تشبه الحشرات، وبينما ينجح بيدفورد في الفرار والعودة بالكرة إلى الأرض، يظل كافور بين يدي مخلوقات الفضاء ويبث عنهم الكثير من المعلومات في رسائل يتلقاها صديقه.
وبعد خمسة وستين عامًا من نشر رواية ويلز لأول مرة قاد الأمريكي نيل آرمسترونج المركبة جيميني 8 في أول رحلة فضائية له في عام 1966، حيث كان أولّ إنسانٍ يُجري عمليّة التحام مركبتين فضائيتين في الفضاء بمساعدة زميله ديفيد سكوت، كما أجرى الرحلة الثانية في 16 يوليو عام 1969؛ حيث قاد طاقم رحلة أبولو 11 وهي الرحلة التي هبَطَ فيها على سطح القمر ممّا جعله أول إنسان يمشي على سطح القمر، حينما أُطلق الصاروخ "ساتورن-5" الذي يبلغُ طوله 86 مترًا من قاعدة كيب كينيدي في ولاية فلوريدا الأمريكية؛ وكان بصحبته رائدي الفضاء إدوين ألدرين ومايكل كولينز؛ وعند هبوط المركبة على سطح القمر في 20 يوليو كان فيها آرمسترونج، وألدرين؛ وبقيَ كولنز في المركبة الرئيسيّة ليكون وسيلة اتصالٍ بين روّاد الفضاء الذين هبطوا وبين القاعدة الرئيسيّة على الأرض. 
وفي تمام الساعة 3:40 بتوقيت جرينتش من يوم 21 يوليو شاهد سكان الأرض الحلم الذي تنبأ به ويلز يتحقّق على شاشات التلفاز؛ حيث تقدّم آرمسترونج وسار بخطوات على سطح القمر، حيثُ قال في بث حي ومباشر "إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة جبارة للجنس البشري"، ويُقدّر عدد من استمعوا له في ذلك الوقت بحوالي 450 مليون شخص؛ وبعد 20 دقيقة من خطوة آرمسترونج الأولى نزل ألدرين وانضمّ لزميله ليُصبح ثاني إنسانٍ تحطُّ قدماه على سطح القمر، تمامًا كما كتب ويلز عن بيدفورد وكافور؛ ليبدأ الثنائي في اكتشاف سطح القمر ومدى إمكانية تعايش الإنسان معه، ثم تركا في موقع هبوط المركبة على سطح القمر لوحًا كُتب عليه "للمرة الأولى، وصل بنو البشر من الكرة الأرضية إلى القمر في هذا المكان. في يوليو 1969 للميلاد، جئنا من أجل السلام باسم كل الجنس البشري".