الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

هل الأعاصير قصاص من الله؟

اعصار ارما- ارشيفية
اعصار ارما- ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تجتاح بعض مناطق العالم فى هذه الأيام أعاصير قوية ومخيفة، وغيرها من الكوارث الطبيعية التى تسبب خسارة الناس لحياتهم وبيوتهم وأملاكهم، وبدلًا من الإسراع إلى خدمة ومساعدة الناس فى مصابهم، البعض نسمعهم يسرعون إلى التشفى والشماتة، عبر الوسائل الاجتماعية الحديثة من فيسبوك وغيره، مدّعين أن الله ينتقم منهم ويقاصصهم على كثرة شرورهم، إلا أن السؤال الذى يجب أن نسأله: هل هذه الأعاصير هى قصاص من الله؟
يخبرنا إنجيل لوقا الإصحاح الثالث عشر، أنه بينما كان يسوع المسيح يجول كارزًا بملكوت الله، أتى إليه قومٌ يريدون التشفى والشماتة ببعض الجليليين والأورشليميين الذين قتلوا من جراء سببين، السبب الأول بشرى، سببه جريمة الحاكم الرومانى بيلاطس الذى أمر بقتل بعض الجليليين وهم يصلون فى الهيكل لأنهم امتنعوا عن دفع الجزية، وقد اقترف أفظع الجرائم إذ قتلهم ومزج دماءهم بدماء ذبائحهم، والسبب الثانى طبيعى، سببه كارثة طبيعية، ألا وهى سقوط برج سلوام على ثمانية عشر شخصًا، وقد كان الفكر السائد آنذاك وحتى اليوم لدى البعض أن المصائب توزع على الناس بنسبة شرورهم، فكلما أخطأوا أكثر كلما كان عقابهم بواسطة مصائبهم أكبر، وبالتالى فقد أراد أولئك القوم الذين أتوا إلى المسيح أن يقولوا له إن الذين، قتلوا وماتوا قد استحقوا موتهم لأن الله قاصصهم على كثرة خطاياهم.
إلا أن يسوع المسيح وبعكس المفهوم السائد عن ارتباط الألم والموت من جراء المصائب بكثرة خطايا الإنسان، هذا المفهوم الذى كان سائدًا كثيرًا خصوصًا فى العهد القديم، لا سيما فى قصة إرسال الله للطوفان على بنى البشر كقصاص الله لهم على تعاظم ذنوبهم وشرورهم، وقصة إحراق الله لمدينتى سدوم وعمورة لكثرة الأشرار والفاسدين وانعدام الصلاح والصالحين. قدم الرب مفهومًا جديدًا ومميزًا عن الألم، الذى فيه فك صلة وارتباط الألم والموت بكثرة الخطايا.
أجاب المسيح أولئك القوم قائلًا: «أتظنون أن أولئك الجليليين كانوا خطاة أكثر من كل الجليليين لأنهم كابدوا مثل هذا؟ أتظنون أن أولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج فى سلوام وقتلهم كانوا مذنبين أكثر من جميع الناس السكنين فى أورشليم؟» (لوقا ١٣: ٢)، قال لهم يسوع: «أقول لكم، بل إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون» (لوقا ١٣: ٣)، وبالتالى فإنه بأسئلته لهم، أوضح لهم بما معناه: أنتم مخطئون بتفكيركم، فهم لم يكونوا مذنبين ولا خطاة أكثر منكم، وموتهم لم يكن قصاص الله لهم على كثرة خطاياهم، فجميعكم خطاة وجميعنا خطاة وبالتالى، أجاب المسيح، أنهم لم يموتوا لأن الله أدانهم وقاصصهم على كثرة خطاياهم، فالدينونة قد تركها الله لليوم الأخير، وليس للزمن الحاضر من خلال المصائب والأمراض، كما نفهم من مثل الرب يسوع عن الحنطة والزوان المدون فى (إنجيل متى ١٣: ٢٤ – ٣٠).
فالمسيح لم يفسر لأولئك القوم، ولا لنا سر الألم والموت والكوارث والأمراض الكثيرة، لكنه أراد أن يقول لهم ولنا، بأنها ليست قصاصًا من الله، لكن المسيح دعاهم ويدعونا جميعًا الآن إلى الاستفادة من فرصة التوبة قبل أن تأتى المصائب والأمراض التى نحن معرضون لها فى أى وقت، لأن لا أحدًا مستثنى من الآلام (لا أحدًا فوق رأسه خيمة) وحتى المؤمنون بالمسيح غير مستثنين من الآلام والأمراض والمصائب. هذا ما أكد عليه الرسول بطرس فى رسالته الأولى قائلًا: «عالمين أن نفس هذه الآلام تجرى على إخوتكم الذين فى العالم» (١ بطرس ٥: ٩)، وبالتالى فإننا ندرك من مضمون كلام المسيح مع أولئك القوم، إنه لم يتوقف عند الطريقة التى يموت بها الإنسان، بل توقف عند الطريقة التى يعيش فيها الإنسان داعيًا إياه وداعيًا كل منا إلى عدم تأجيل فرصة توبتنا لكى نكون مستعدين بالإيمان لمواجهة آلام المستقبل.
لا شك أنه من الصعب جدًا اختبار الألم والمرض والمصائب، فإنها عندما تفتك بنا، فإننا مباشرة نوجه إصبع الاتهام إلى الله، ظانين أنه تخلى عنا وتخليه عنا قصاص، فنعاتبه كما عاتبه المرنم قائلين: «إلى متى يا رب تنسانى كل النسيان؟ إلى متى تحجب وجهك عني؟ إلى متى أجعل همومًا فى نفسى وحزنًا فى قلبى كل يوم» (مزمور ١٢: ١-٢).
إن الإجابة المنطقية العلمية على مشكلة الأعاصير والكوارث والأمراض، هو الخلل وانعدام التوازن الذى يظهر من وقت لآخر فى المناخ الذى يسبب الأعاصير، أو الخلل فى الجسد الذى يسبب الأمراض.
أعزائى القراء بالرغم من أننا لا نستطيع أن نفسر سر هذه الالآم التى تسببها للناس الأعاصير والكوارث والأمراض، لكننا نعيش على رجاء أن يفسرها لنا المسيح، عندما نلتقى معه فى السماء. لكن علينا أن نتذكر بأن نمد يد المساعدة لجميع المتألمين والمتضررين.