الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"سيناء" أرض الدم والنار

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الخريطة الكاملة لطرق توريد وتهريب السلاح إلى «أرض الفيروز».. الإرهابيون استغلوا «ثورة يناير» لتشكيل الجيل الثالث من التنظيمات 
استغلت الجماعات التكفيرية أحداث ثورة 25 يناير 2011، ورسمت لنفسها عددا من السيناريوهات التى مكنتها من تكوين مجموعات تكفيرية جديدة فى سيناء أطلق عليها الجيل الثالث من التنظيمات الإرهابية، كان أبرزها ما يسمى بـ«أنصار بيت المقدس» والذى أعلن مبايعته لتنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا أواخر عام 2014، هذا إلى جانب مجلس شورى المجاهدين «أكناف بيت المقدس»، وأيضا تنظيم «أنصار الجهاد». 
الطبيعة الجغرافية المعقدة لمحافظة شمال سيناء، ووجود جبال وعرة ووديان عميقة فضلا عن الصحارى الشاسعة، جعلت منها مسرحًا للعمليات الإرهابية والأنشطة التدريبية للإرهابيين عقب 2011، وارتفعت وتيرة العمليات الإرهابية خلال فترة ما بعد 2011 وحتى عام 2016، حيث وقعت حوالى 92 عملية إرهابية فى مناطق متفرقة بشمال سيناء «طبقًا لإحصائية مركز الأهرام للدراسات لعام 2016» 
جاء ذلك فى الوقت الذى نجحت فيه القوات المسلحة المصرية في هزيمة التكفيريين فى سيناء وقتل عدد كبير من قادتهم، مثل محمد ناصر أبوشهوان، ماهر على سالم، عطا الله سلامة رهينة، ووقف الدعم اللوجستى والعسكرى لهم، وذلك من خلال عدة عمليات منها عملية «نسر1» والتى بدأت فى أغسطس 2011، ثم «نسر 2» فى عام 2013، ثم عمليات «حق الشهيد» والتى نفذت على ٣ مراحل، المرحلة الأولى، بدأت فى سبتمبر 2015، واستمرت 14 يوما حصرت فيها القوات المسلحة القرى التى ينشط فيها العناصر المتشددة، أما المرحلة الثانية، فاستمرت طيلة شهر مارس 2016، وتم فيها تدمير عدد من مخابئ الإرهابيين، وبدأت المرحلة الثالثة، فى أكتوبر 2016، واعتمدت على تمشيط غرب رفح وجنوب شرق الشيخ زويد، وتم فيها القضاء على 500 إرهابي.
ورغم هذا النجاح، إلا أن هناك العديد من التساؤلات لا تزال عالقة بشأن الأسلحة التى تصل إلى أيدى إرهابيى سيناء، والطرق التى اعتمد عليها الإرهابيون لتهريبها، وإبراز الدول المتورطة فى دعم أنشطة التكفيريين بشمال سيناء، سوف نكشفها فى هذا الملف. 


السودان ومخلفات الحرب.. أخطر مصادر توريد السلاح
«مساعد» و«الشنوب».. كونا أول خلية للتعاقد مع تجار السلاح.. الشيخ زويد ورفح ووسط سيناء.. أوكار اختباء الإرهابيين من الملاحقة الأمنية
كتبت - رحمة محمود 
تنقسم محافظة شمال سيناء إلى ٦ مراكز، هي رفح، الشيخ زويد، العريش، بئر العبد، الحسنة، ونخل، فيما لا يتجاوز عدد سكانها ٤٤٥ ألف مواطن طبقًا لتعداد عام ٢٠١٦، وتتركز أغلب الجماعات التكفيرية فى رفح والشيخ زويد وبعض المناطق بوسط سيناء، وتلقت تدريبات عسكرية منتظمة على أيدى بعض الجماعات الجهادية فى فلسطين، بعضها تبنى أفكار تنظيم القاعدة والأخرى تتبنى أفكار تنظيم داعش الإرهابي، ولا تتخذ الجماعات التكفيرية فى شمال سيناء شكلًا تنظيميًا واحدًا، بل تظهر على هيئة تنظيمات متفرقة. 
يقول الباحث عمر عاشور: «اعتمدت الجماعات التكفيرية على استراتيجية «إرهاب المدن» للانتشار والتوسع فى منطقة شمال سيناء، وهى ضرب أهداف مدنية سهلة داخل المدن عبر العبوات والمفخخات والانتحاريين وعمليات الاغتيال، فضلًا عن عمليات الكر والفر على أهداف عسكرية، مع محاولة السيطرة على الأرض لفترة محدودة بتشكيلات قليلة العدد وخفيفة التسليح، مع تجنب مواجهة مباشرة طويلة أو متوسطة المدى مع قوات الجيش». 
وتعتمد الجماعات التكفيرية فى شمال سيناء على عدة طرق لتوفير السلاح لعناصرها، فقبل عام ٢٠١١، وتحديدا خلال عامى ٢٠٠٤ - ٢٠٠٦، اعتمد تنظيم «التوحيد والجهاد» الذى أسسه خالد مساعد الفلسطيني، على جهود «سالم الشنوب» الذى ينتمى لقبيلة الترابين فى شمال سيناء، وشقيقه «عودة»، لتوفير السلاح اللازم للتنظيم، ومعهما أحمد سلام «من محافظة الإسماعيلية وقائد الخلية الإرهابية بالمحافظة»، وكانوا يعتمدون على تجار سلاح فى بعض المحافظات، فتم توفير خلال هذه الفترة حوالى ٨ آلاف طلقة آلى بسعر ٢٧٥ قرشا للطلقة الواحدة، وتم شراء قذائف (آر بى جي) بسعر٢٥٠ جنيهًا للقذيفة الواحدة.
وبحسب اعتراف «أحمد سلام» أمام نيابة أمن الدولة، بتاريخ إبريل ٢٠٠٦، بجانب الوسائل السابقة، كانوا يعتمدون على استيراد السلاح من السودان، وكانوا يتعاملون مع تاجر من قبيلة رشيد اسمه حمدان أبوالحاج، اشترى منه ١٠ جمال بمبلغ ١٥٠ ألف جنيه، وتم تهريب السلاح مع الجمال أثناء استيرادها من السودان عبر الصحراء، حيث تم تهريب الآلاف من الطلقات ومدافع «آر.بي. جي» ورشاشات، وكان سعر الطلقة وقتها بحسب اعترافات الإرهابى حوالى جنيه ونصف، والمدافع سعرها ٢٥ ألف جنيه.
واعتمد التنظيم على تجار الخردة، لتوفير المتفجرات وشراء مخلفات القذائف الموجودة منذ عهد الحروب مع إسرائيل، كما اعتمد فى تقنيات تصنيع المتفجرات على خبرة الإرهابى «محمد جايز» الذى تخصص فى تحويل تايمر الغسالة إلى مؤقت يستخدم فى تفجير الصخور وحفر الآبار بالتعاون مع ابن عمته الإرهابى «أسامة النخلاوي». 
وتولى «سالم الشنوب» خلال هذه الفترة، تدريب عناصر التنظيم فى منطقة «جبل الحلال»، وحرص على رفع مستواهم العسكرى والبدنى والارتقاء بهم، وجعل لكل عنصر جدولا خاصا به يتضمن خانات تنقسم إلى خانة عن التدريب، وخانة عن مهارات السير فى الدروب الجبلية، وخانة عن مستوى اللياقة مع تدوين بيانات العنصر باسمه الحركى لا الحقيقي.
وعقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، تنوعت مصادر تسليح الإرهابيين، فتحدثت بعض التقارير عن استيلاء تكفيريى سيناء على مستودعات للأسلحة والذخائر عقب إحراق العديد من مراكز الشرطة، وقتل الكثير من رجال الشرطة، إبان شهر فبراير ٢٠١١، وتزويد إيران للتكفيريين فى شمال سيناء، بأسلحة متعددة، خاصة سلاح القنص من طراز «AM-٥٠»، وبندقية القنص النمساوية «شتاير إتش إس ٥٠» التى تعتبر من أقوى بنادق القنص فى العالم، وقد ظهرت هذه البندقية فى قطاع غزة فى أحد العروض العسكرية لكتائب القسام عام ٢٠١٣، قبل ظهورها فى سيناء بثلاث سنوات تقريبا، الأمر الذى يرجح أنها قد وصلت إلى سيناء قادمة من قطاع غزة عبر أحد العناصر المدربة على استخدامها، أو أن تنظيم داعش فى سيناء استولى عليها ضمن شحنة سلاح قادمة من إيران كانت فى طريقها إلى قطاع غزة. 
أما الدعم اللوجستى للتكفيريين فى شمال سيناء، سواء فى فترة ما قبل وبعد ثورة يناير ٢٠١١، كان على أيدى بعض أعضاء الجماعات الجهادية الفلسطينية، خاصة أن عددًا كبيرًا من المنتمين للجماعات الجهادية الفلسطينية كان ينتقل لسيناء هربًا من الحصار، أو للتدريب فى بعض المناطق الصحراوية البعيدة عن أى رقابة بوسط سيناء، فضلًا عن التعاون بينهم فى نقل السلاح لغزة عبر الأنفاق، وفى إخفاء بعض عناصرها حال توتر الأوضاع بالقطاع.
ومثلت الأنفاق أهم الطرق للتواصل بين تكفيريى سيناء والجهاديين فى قطاع غزة، حيث نقل مجهادى غزة خبرتهم القتالية فيما يتعلق بإنشاء نظام مخابئ تحت الأرض لإخفاء العناصر، واستخدامها كمخازن للوسائل القتالية، وغرف عمليات وقيادة، خاصة أن طبوغرافية الأرض تقف عائقًا ضد القدرة على المناورة والتخفي، نظرًا لقلة الجبال، وانتشار المساحات الرملية الشاسعة.
واعترف «أبوصهيب» من قطاع غزة -فلسطينى انشق مؤخرًا عن تنظيم ولاية سيناء-، خلال حديثه مع مدونة الشرق الأوسط: «إنه دخل إلى سيناء عبر الأنفاق، مثلما فعل العشرات من مؤيدى تنظيم داعش فى قطاع غزة، لكنها ليست الطريقة الوحيدة، وعبر العديد من العناصر من فوق الجدار الإسمنتى الفاصل بين سيناء وغزة، وآخرون عبروا من منطقة «تل زعرب» فى شهر مايو لعام ٢٠١٦، للانضمام لصفوف «ولاية سيناء». 
وأضاف: «بعد دخولهم للأراضى المصرية عبر الجدار اشتبك أحدهم وكان بحوزته قطعة سلاح وعدة قنابل مع البرج العسكرى للجيش المصري، قبل أن تنقلهم سيارة دفع رباعى تابعة للولاية إلى مكان آمن»، مشيرًا إلى أن تنظيم ولاية سيناء استعان فى مطلع عام ٢٠١٦ بعدة أشخاص متخصصين فى حفر الأنفاق القتالية من قطاع غزة. 


الحدود الغربية والجنوبية.. بوابات التهريب
الجماعات المسلحة استغلت الفراغ الأمنى بعد يناير 2011 وحددت ثغرات التهريب.. «سيوة» فى مصر و«الجغبوب» فى ليبيا و«كسلا» فى السودان.. نقاط انطلاق شحنات الأسلحة إلى سيناء
كتب - مصطفى حمزة
استغلت التنظيمات الإرهابية حالة الفراغ الأمنى الذى أحدثته ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، وما تلاها من سقوط حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ونشطت فى تهريب مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة عبر الحدود المصرية مع غزة وليبيا والسودان، ونقلها إلى الداخل السيناوي، بمساعدة عدد من رجال القبائل والبدو الذين يحصلون على مقابل مالى لتأمين المهربين، إلا أن هذه الجرائم شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم.
العديد من الطرق لجأ إليها المهربون لتهريب الأسلحة إلى الدولة المصرية، أبرزها ٣ منافذ رئيسية قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١م، الأول عبر المنطقة الحدودية بالسلوم وجنوبها من خلال المناطق الصحراوية الوعرة، وذلك على الرغم من وجود حقول ألغام فى هذه المناطق، والثانى من خلال منفذ السلوم الرسمى بعد دفع الرشاوى من قبل تجار الأسلحة والمهربين، والمنفذ الثالث من خلال البحر عن طريق مراكب الصيد، التى كانت تخرج من موانئ كفر الشيخ أو الإسكندرية أو مطروح أو دمياط.
وبعد الثورة، أصبح هناك العديد من الطرق التى تتم من خلالها عمليات التهريب لاسيما إلى سيناء مع استغلال حالة الفراغ الأمنى التى أحدثها سقوط نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، من أهم هذه الطرق الحدود مع إسرائيل عن طريق المعابر، والآخر عبر الأنفاق مع غزة، حيث يتم من خلاله تهريب السلاح المسروق من الجيش الإسرائيلي، وبيعه فى مصر بسعر مرتفع جدًا، لأنه خفيف الوزن مع جودته العالية، خاصة الرشاشات الآلية، وقد ساهمت حركة حماس فى تسهيل حصول الجماعات الإرهابية على الأسلحة وتدريب العناصر الإرهابية على استخدام وتصنيع بعض أنواع السلاح وتفخيخ السيارات والطرق، إلا أن هذين المسارين تم التحكم فيهما بشكل كبير بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى حكم البلاد، حيث قامت القوات المسلحة بتدمير هذه الأنفاق، وتم تعزيز ذلك باتفاق المصالحة الفلسطينية الذى عقد مؤخرًا، والذى يجبر حماس على الالتزام بتأمين الحدود.
بالإضافة إلى عدد من الطرق المرتبطة بالصحراء الغربية، والتى يتم تهريب السلاح منها إلى سيناء شرقًا بحيل عديدة، وتعد واحتا «سيوة» فى مصر و«الجغبوب» فى ليبيا، من أهم مناطق التهريب الحدودية بسبب صعوبة السيطرة على الحدود المفتوحة، التى تحتاج إلى أعداد كبيرة من قوات التأمين لتغطية هذه المساحات الشاسعة، خاصة فى منطقتى الغرود وبحر الرمال، حيث يأتى السلاح من المدن الليبية التى كانت تنتشر فيها جميع أنواع الأسلحة منذ عهد القذافى، ويتم استخدام سيارات الدفع الرباعي، فى عملية التهريب داخل المناطق الصحراوية الوعرة.
ويضاف إلى هذه الطرق طريق آخر من أهم طرق التهريب، وهو «السودان» حيث يتم تهريب السلاح عبر «ولاية كسلا» السودانية، المتاخمة للحدود الإريترية، ومنها إلى الحدود المصرية من ناحية أسوان وحلايب وشلاتين، ومن خلال منفذ أرقين الممتد غرب بحيرة السد العالي، ومنفذ حلفا فى أقصى جنوب مصر، وتستغرق رحلة التهريب من السودان إلى مصر عبر طريق درب الجبلى الممتد من الجنوب إلى الشمال ٥ أيام، فى الصحراء للهرب من الطريق الزراعى الممتلئ بالكمائن الأمنية، وتتولى القبائل وعدد من البدو مهمة تأمين المهربين مقابل مبالغ مالية.
ولم تقتصر تجارة السلاح فى سيناء، على الأسلحة الخفيفة فقط، وإنما شملت الأسلحة الثقيلة أيضًا، التى كان يتاجر بها البعض بديلًا عن تجارة المخدرات والتهريب، بسبب أرباحها المرتفعة، حيث كانت تأتى من ليبيا عن طريق السويس الصحراوي، وكان يتم تهريبها فى شاحنات وقود فارغة عبر نفق الشهيد أحمد حمدى أو معدية السويس أو من الإسماعيلية عبر عدة نقاط منها؛ معديات الفردان ونمرة ٦ وسرابيوم والقنطرة غرب أو كوبرى السلام بقرية الرياح، وذلك عبر مراكب الصيد بقناة السويس، بالإضافة إلى معدية بورفؤاد بمحافظة بورسعيد.
ومن بين هذه الأسلحة الثقيلة التى انتشرت بين الإرهابيين هناك، القذائف والصواريخ ومضادات الطائرات. طبيعة سيناء فى الماضى كانت تفرض على مواطنيها اقتناء أنواع مختلفة من الأسلحة لتأمين أنفسهم، حينما كانت الدولة المصرية منشغلة عن دورها فى تأمينها، خلال عهد مبارك، وهو ما روج لتجارة السلاح هناك بين المواطنين وبعضهم البعض، وهو ما قل كثيرًا خلال الفترة الماضية، بعد فرض القوات الأمنية سيطرتها على كامل سيناء، لاسيما الشريط الحدودي.
وعلى الرغم من رخص أسعار الأسلحة فى الداخل السيناوى بعد انتشارها عقب الثورة، إلا أنها عاودت الارتفاع سريعًا مرة أخرى، بسبب إقبال التنظيمات الإرهابية على شراء العديد من الأسلحة وتخزينها.
وبالإضافة إلى التجارة فى الأسلحة بعد تهريبها من دولها مثل ليبيا والسودان وغزة، فإن حماس قامت بتدريب عناصر التنظيمات الإرهابية على صناعة المتفجرات والقنابل وبعض الأسلحة، من خلال ورش بسيطة، وتوفير مواد التصنيع، مثل مادتى «C٤» و«TNT» شديدتى الانفجار، تمهيدًا لاستخدامهما فى تفخيخ السيارات وصنع عبوات ناسفة وألغام أرضية، بالإضافة إلى تصنيع سلاح «RPG» والأحزمة الناسفة.