الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العلاقات المصرية السودانية.. تاريخ طويل من العطاء

سيد فليفل عميد الدراسات
سيد فليفل عميد الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مازال القائمون على الحكم في السودان، لا يعرفون قيمة الترابط بين الشعبين المصري والسوداني، فلا يتركوا فرصة ويعبثوا بتصريحات غير مسئولة، لا يعرفون تأثيراتها وتداعياتها على تعكير صفو شعب واحد هو " شعب وادي النيل".
فلا يمكن توصيفها سوى أنظمة تتحدث خارج إرادة شعوبها، يتم إملاء المواقف عليها من الخارج، فمن تصريحات البشير غير المسئولة وصولًا إلى آخر تصريحات وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور، التي تضمنت الحديث عن أن موقف مصر من سد النهضة يتعارض مع مصالح السودان، واتهم مصر بأنها كانت تأخذ حصة السودان من مياه النيل على مدى السنوات الماضية، وأن الوقت قد حان بأن تدفع مصر ما عليها من استحقاق وتحصل السودان على حصتها كاملة دون نقص مع مصر وأن السودان لن تتنازل عن منطقة حلايب، واقترح على مصر إما إعادتها بقرار سيادي إلى السودان على غرار إعادة تيران وصنافير إلى السعودية، أو بالتحكيم الدولي. 
العلاقات المصرية السودانية تمر بلحظات مهمة في تاريخها خاصة كونها تربط البلدين والشعبين الشقيقين وما يجمعهما من تاريخ مشترك وامتداد بشري متصل يجعلهما أشبه بشعب واحد هو شعب وادي النيل في شماله وجنوبه. 
سيد فليفل عميد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة يقول: أن العلاقات المصرية السودانية هي قديمة وتاريخية وأزلية ووهذا ليس كلامًا إنشائيا، إنما هى حقيقة تاريخية قائمة، خاصة أن البلدين منذ التاريخ المكتوب يعيشان ظروفًا واحدة وهما الدولتان الأساسيتان اللتان عرفتا ظاهرة الأهرامات، إضافة لهذا أن الموقف تعقد كثيرًا فيما يخص الرابطة التاريخية لأسباب متعلقة في الفترة العثمانية التي كُلف محمد على أنداك بضم السودان إليه بسبب الأخطار التي كانت تحوم حول الشعب السوداني بسبب المماليك الهاربين من القاهرة أو حتى الصراعات الطائفية والقبلية وانتشار الفوضى في البلاد ووجود صراعات بين الممالك وبعضها وأصبحت حكومة "محمد علي" هي حكومة عثمانية.
وتابع " فليفل": أنه حتى بعد الاستقلال فى عهد الخديو إسماعيل كانت إدارة من الأتراك ويسمون هذه المرحلة بالتركية وليس المصرية، وكانت بنية الجيش المصري من السودان، ليبقي الشعب المصري والسوداني يخضعون لأسرة محمد علي وحكامها والعناصر الأساسية والقيادية منها هي عناصر تركية.
واستنكر "فليفل": أن بعض مؤرخين السودان بعد الاستقلال قد حملوا مصر أخطاء هذه الحكومة، رغم أن الشعب المصري ثار على هذا النظام الملكي الذى يحكمهم مرتين، الأولى ثورة أحمد عرابي، ويوليو 1952 والشعب السوداني ثار على هذه الحكومة مرارًا وتكرارًا أيضًا، إلا أنه من قراءة الواقع التاريخي للبلدين نجد تشابهًا في كل من الأخطار والصعوبات التي واجهت الشعب المصري والسوداني من أسرة محمد علي وحكمها من فرض الضرائب وتكوين الاقطاعيات، وبالتالي قصر المفهوم في هذه الإدارة على المصريين فقط وكأن الأتراك ليسوا موجودين يحمل نوع من الاستثناء المجحف في حق المصريين خاصة أنه في هذا الوقت لم تكن توجد قيادة مصرية وإنما كانت فقط عثمانية.
ويواصل " فليفل": أنه من المعطيات السابقة لم تكن هناك اتصالًا مباشرًا بين البلدين، وبعد ذلك جاء الاحتلال البريطاني 1882 وبعدها بفترة وجيزة دخلت السودان تحت الاحتلال العثماني، وبالتالى أصبحنا والأشقاء السودانيين نخضع لطرف جديد وهو الاحتلال الإنجليزي ومن هنا نستخلص أنها لم تقم العلاقة بشكل مباشر بين الشعبين في التاريخ الحديث وإنما عبر وسطاء متحكمون فالأتراك تارة والإنجليز تارة أخرى، حتى وصلنا للاتصال المباشر في العصر الحديث؛ فلهذا الأمر لما بدأت السودان مرحلة الاستقلال أخذ بعضهم خط يقوم في التحالف مع الدول الغربية في مواجهة عبدالناصر، الأمر الذي رفضه الشعب السوداني بدليل انقلابه على الحكومات العميلة للغرب مرة ومرتين مثل حكومة عبدلله خليل ووكافة الحكومات التي تتحالف للإضرار بالمصالح المصرية.
وفي السياق نفسه، ذكر "فليفل":الأن نعيش مرحلة مختلفة تمامًا خاصة أن السودان خاضعة لنظام وتجربة لم تكن موجودة من قبل حيث تخضع لنظامين أيديولوجيا وعسكريًا في آن واحد، على عكس الحال سابقًا، الذي كانت السودان من خلاله تخضع إما لحكومة مدنية أو حكومة عسكرية يسهل التعامل مع أي منهما، لكن في ظل نظام البشير لدينا حكومة عسكرية ذات توجه أيديولوجى إخواني ولهذا ارتبط موقف السودان من كل الأحداث والمصالح المصرية بوجود توجه معادي سلفي إخواني اسلامي بينما نحن في مصر عانينا من الإخوان معاناة
شديدة.
ولم يقتصر الأمر عند هذ الحد بل سلكت الحكومة السودانية فيما جنحت عليه من إجراءات وتوجهات في السياسة الخارجية لا تتواءم فيما اتفق عليه البلدان والشعبين منذ فجر التاريخ من التواصل الأبدي والأزلي، حتى أننا رأينا أن الحكومة السودانية اتجهت إلى حلف مع كل من النظام القائم في إثيوبيا إلى الشرق من السودان مباشرة، كما عبرت البحر الأحمر للتحالف مع اليمن ثم إيران ثم الصين.
ووصف "فليفل": أن هذا الخط من التحالف أخذ السودان إلى خارج القارة الإفريقية ومن الاتصال مع دول حوض النيل وبالتالي أصبحت الرابطة في وادي النيل فكرة هشة وضعيفة وفي نفس الوقت انتهج مع كل القوى الأفريقية التي تسعى إلى تحجيم مصر والضرار بمصالحها وأدى ذلك يقول "البشير" كلامًا جميلًا في القاهرة حتى إذا ذهب إلى السودان نفى ما قاله لذلك نعيش في مرحلة "عدم اليقين"، وخير دليل أنك تستقبل الرئيس السودانى فى أكتوبر من العام الماضى وتكرمه وتمنحه أعلى الأوسمة وتتعامل معه باعتباره بطلًا من أبطال الشعب المصرى ناهيك عن حفاوة الاستقبال فإذا بالنظام يدعم الإرهابيين في ليبيا الذين يخترقون الحدود الدولية الغربية أو يساعد على دخول البانجو والأسلحة إلى الإرهابيين في مصر، بل ويشترك في تجارة أعضاء مع مهربين تصل بأفارقة إلى قلب إسرائيل في مغامرات خطيرة. 
كل هذه المساع الذي يقوم بها "البشير" كانت جملتها أسباب تعقيد الأمور السياسية بين البلدين.
ومن جهة أخرى قال فليفل: أنه على الجانب الآخر من الناحية الشعبية ورغم كل ما يحدث من الأزمة السياسية إلا أن العلاقات بين الشعبين تمضي قدمًا دون تأثر، فعلى أرض مصر يعمل أكثر من 5 ملايين سوداني في كل الأجهزة والمصالح والشركات الخاصة وفي بيزنس ولديهم استثمارات في مدن متعددة أو أطباء في مستشفيات خاصة، ولهم تواجد في الشارع المصري في مدن القناة والقاهرة ومطروح وأسوان تجد الشعب وهناك خط بري متواصل عبر عشرات الأتوبيسات بين القاهرة الخرطوم، تواصل مستمر بري، والمستشفيات المصري مليء السودانيين الذين يفضلون مصر دون غيرها رغم الإغراءات التي تقدم لهم من عدة دول لاستضافتهم، أما الجامعات فهناك أعداد كبيرة ولا حصر لها يؤكد أن هناك انفصالا بين الإجراءات السياسية للحكومة السودانية والتواصل الشعبي.