الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إعصار السبت.. اقتصادي بنكهة سياسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخطر الصور العبثية التى تزيد من تشابك خيوط المشهد العربى بكل التصاعد فى التصريحات والمواقف الذى شهدته الفترة الماضية، هو أنه وضع المنطقة أمام مفترقى طرق كلاهما مر. عبر سنوات قادت السعودية تحالفا عسكريا ضد تهديد مباشر يمس حدودها الجنوبية مع اليمن، وهو حق مشروع بالرجوع إلى الأطماع الإيرانية فى التغلغل والهيمنة على المنطقة.. على الصعيد الآخر، بدأ الأمير محمد بن سلمان منذ تنصيبه وليا للعهد تغييرات على مختلف المستويات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية منها السماح بقيادة المرأة للسيارة وتقليص سلطة رجال الدين والسماح للنساء بالإفتاء، بالإضافة إلى خطة الإصلاح الاقتصادى الذى أعلن عنه بعنوان (رؤية ٢٠٣٠) لتخليص السعودية من الاعتماد على عائدات النفط. إن كانت هذه المجموعة الجديدة من السياسات دفعة واحدة تستدعى القلق حول استقرار السعودية، هى بالتأكيد لا تبرر موقفا يتخذه البعض عكسا للقاعدة القانونية الشهيرة.. فالسعودية هي (المتهم هو متهم - وليس بريئا- حتى تثبت ادانته!) إذا تجمدت داخل موروثات عفا عليها الزمن، تكون رافضة لطبيعة التطور.. حين تقوم بإجراءات تفرضها ضرورة التحرك الحاسم إزاء كل المتغيرات الدولية والعربية خلال العقود الماضية، تتسارع التكهنات التى تربط هذه الخطوات بأجواء المؤامرة والترتيبات الخفية!.
الحقيقة أن حجم الفساد الإدارى والمالى وحجم استغلال النفوذ، وجميعها كانت سببا فى تنفير المستثمرين واستنزاف موارد السعودية، وإن لم يعلن عنها الكثير مسبقا، كفيل لوحده باستبعاد نظريات المؤامرة التى سارع الكثير إلى تأليف سيناريوهات مختلفة لها، أدى إلى تغذيتها حملة أخرى تستهدف مواجهة حركات الإسلام السياسى من خلال الخلاف مع قطر ودعم الأخيرة للتنظيمات الإرهابية واعتقال السعودية مجموعة من رجال الدين المعروفين بتوجهاتهم المتحفظة ودعمهم لهذه التنظيمات. الأهم.. أن طرح ولى العهد برنامجا جذريا للإصلاح الاقتصادى كان سيضع مصداقيته على المحك إذا لم تتم هذه الثورة بهدف مكافحة الفساد الاقتصادي، كما ستفرغ البرنامج من جدواه الحقيقية، مما يرجح ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة الفساد على نظرية أن ما حدث هو صراع عروش داخل أمراء العائلة الحاكمة التى يدرك أفرادها جيدا - بالاتفاق مع الاتجاه العام لدى الشارع السعودي - أن أى صراع من هذا النوع لن يكون انتقائيا.. بل ستشمل آثاره السلبية كل المملكة ومنطقة الخليج العربي.
سيناريو التصعيد العسكرى يبدو أكثر تعقيدا فى قراءة مسار التصعيد الحالي.. لأول مرة يصدر عن السعودية تصريح حازم بنبرة مباشرة يعتبر الصواريخ الباليستية -الإيرانية - المطلقة عليها من اليمن إعلان حرب وأن السعودية تحتفظ بحق وتوقيت الرد على التهديدات الإيرانية.. واكب ذلك انتقال الاهتمام العربى نحو لبنان – تحديدا منذ المواقف الأخيرة التى صدرت عن رئيس وزرائها المستقيل سعد الحريري - وما تلا ذلك من اتهامات - ثبت عدم صحتها - للسعودية باحتجازه وإجباره على الاستقالة، مما أعاد ترجيح كفة المخاوف من ترتيب مسرح حرب عربية - فارسية تبدأ مشاهدها الأولى فى لبنان بكل القوة المسلحة والسياسية التى يتمتع بها حزب الله التابع لإيران، خصوصا أن تصعيد الحوثيين الهجوم على السعودية بصواريخ إيرانية لن تقتصر تداعياته على الثانية فقط.. بل سيشمل عدة أطراف على رأسها دول منطقة الخليج ومصر المعنية أمنيا بسلامة الملاحة فى البحر الأحمر. السيناريو الآخر لا يستبعد إعادة إشعال حرب أهلية- بالوكالة- داخل لبنان. الحقيقة المؤكدة مهما كانت حقيقة أو طبيعة أى عمل عسكرى أن توابعه الكارثية ستكون مفتوحة أمام مزيد من التمزق والفوضى الذى لا تحتمله المنطقة العربية، إضافة إلى أن سيطرة التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها داخل الدول التى شهدت زعزعة استقرارها السياسى والأمنى أصبح نمطا مكررا منذ بدأ فى العراق عام ٢٠٠٣.
اتجاه بعض الآراء نحو نظرية دفع أمريكا للسعودية خوض سيناريو حرب بالوكالة ضد إيران مع كل ارتفاع لحدة تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب ضد إيران لا يبدو متسقا مع صحيفة السوابق التى (ميزت) كل وافد إلى البيت الأبيض.. التى فرضت أن يكون لكل رئيس أمريكى حربه الخاصة عبر فترة ولايته، وفقا لطبيعة أداء ترامب غير المتوقعة بعد مرور عام على رئاسته، ما زالت نبرة العداء الأمريكية موزعة بين كوريا الشمالية وإيران، بالتالى فإن احتمال اكتمال مسيرتها نحو الثانية يبقى قائما.. وهو أيضا سيناريو خطير سيجلب على المنطقة العربية الكثير من الويلات.
أخيرا.. تبقى أمام دعوة التهدئة ومنح الحلول السياسية فرص لتجنيب المنطقة مزيدا من الدمار، إشكالية هامة.. المراوغة التى تعتمد عليها سياسات إيران أمام كل المطالبات المستمرة لها بالكف عن التدخل فى شئون المنطقة العربية وإثارة القلاقل وتهديد استقرار دولها. الصمت العربى السابق أمام الهيمنة الإيرانية التى بدأ توحشها فى العراق منذ ٢٠٠٣ بعدما ضمنت لها مخلبا قويا فى لبنان، ألقى بظلاله السلبية كما أدى إلى تغذية هذه الأطماع.. مضت إيران قدما فى مخططاتها لتهديد منطقة الخليج، السعودية ثم البحرين، بالإضافة إلى وجود فرق من قواتها المسلحة فى سوريا. تجنيب المنطقة ويلات عمل عسكرى لن يكتمل بدون تحد آخر لا يقل أهمية عن وقف دعاوى المغامرات العسكرية.. الطريق إلى حل سياسى يغلق الطريق بحزم وجدية والى الأبد أمام هذه الأطماع التى من المؤكد أنها لن تتوقف عند خطوط جغرافية محددة.