الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تنوير سلامة موسى من الإحالة إلى الإشارة «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
درج فلاسفة اللغة والنقاد المعاصرون على انتحال العديد من النظريات والتصورات والرؤى فى قراءاتهم للخطابات، بغض النظر عن مصدرها أو تاريخها أو الحقل المعرفى الذى تنتمى إليه، فذهب بعضهم إلى قراءتها فى ضوء النهج البنيوى، الذى يعول على المجتمع والثقافة السائدة والنصوص المؤثرة فى بنية النص، وذلك عن طريق التحفير والرصد والتحليل؛ وراق للبعض الآخر التحرر من كل السلطات التى تحول بين القارئ وفهم النص واعتبار الكلمات والعبارات تحمل بين طياتها كيانًا مستقلًا، وعلى القارئ اكتشافه وفهمه اعتمادًا على رؤيته الخاصة ومشاعره تجاهه؛ وراح فريق ثالث يبحث عن العوامل النفسية والروح الشعورية التى أبدعت النص، وقد أنتجت هذه التحليلات والقراءات والنقود الكثير من المصطلحات مثل «المراجعة، الإحالة، الإشارة، الرمز، ستائر التعمية، المسكوت عنه، التناص والتضمين، النقد الثقافى ونقد النقد». 
وانطلاقًا من هذا الزخم الفلسفى سوف أحاول فى عجالة قراءة خطاب سلامة موسى (١٨٨٧-١٩٥٨م) التنويرى الذى ألقاه فى النصف الأول من القرن العشرين، بداية من عام ١٩٠٩م إلى وفاته، وذلك فى ٤٢ كتابًا ومئات المقالات والأحاديث، وقد نُشر بعضها بعد وفاته.
وقد تأثر سلامة موسى بالنهج الإنجليزى الموجز والعبارات التلغرافية، وكانت لغته أقرب إلى اللغة الصحفية منها إلى الأدب والرصانة البلاغية، أما عن مكانته بين مثقفى عصره فكان يشغل مقعد الناقد الثورى والجانح المغامر، ويرجع ذلك إلى موقفه الناقض للثقافة الموروثة بكل ما فيها من لغة وآداب وفلسفة وعادات وتقاليد وقيم روحية، وغلوه فى التشيع للغرب دون أدنى تحفظ، إذ كان يرى أن مستقبل الأمة فى مسايرته، بداية من تبعيته فى الحياة اليومية إلى الثقافة العلمية والفلسفة الوضعية والنظم الاشتراكية السياسية، أضف إلى ذلك العلمانية والإلحاد والعولمة، وقد قوبل خطاب سلامة موسى بالنقد والتهكم والازدراء من قبل معظم الاتجاهات المحافظة والليبرالية أيضًا، وذلك لفرط جموحه فى آرائه تجاه الدين وحرية المرأة وتصوراته الإصلاحية للعديد من المشكلات الثقافية والاجتماعية والسياسية، والجدير بالإشارة أن المتنفس الثقافى فى القرن العشرين كان ينعم بالعديد من الخصائص التى نفتقر إليها الآن، منها حرية الاختلاف فى الرأى وآداب التناظر وعلم وفلسفة ورقى وثراء معارف المتثاقفين (علماء وفلاسفة ومصلحون وأدباء وصحفيون)، فعلى الرغم من تباين اتجاهاتهم الفكرية ونزعاتهم الفلسفية واجتهاداتهم الدينية، ظلت مصلحة مصر مقدمة على كل هذه الخلافات، وإيمانهم بأن قوة الأنا فى احترام رؤى الأغيار، وإن شئت قل شطحاتهم، وذلك دون أدنى درجات العنف فى التصاول. هكذا كان المناخ الثقافى الذى ألقى فيه سلامة موسى خطابه (طبقة وسطى قوية عفية واعية حرة شريفة، ديدنها هو الإصلاح، ودستورها هو الوعى والحرية، وغايتها النهضة والتقدم)، وفى هذا السياق يجب أن أؤكد على أن خطاب سلامة موسى التغريبى لم يكن مأجورًا أو منطلقًا من تعصب ملى، بل كان مدفوعًا برغبة الأنا المفكرة فى إثبات الوجود وسط مجتمع زاخم بالعماليق فى الفكر وأعلام فى الأدب وعشرات الأفكار والرؤى والاتجاهات والمذاهب.. وغدا نكمل.