الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حجر رشيد.. "الخرطوشة" الملكية التي غيّرت التاريخ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في عام 1798، وقبل أن تستقر الثورة الفرنسية "الوليد" على العرش الذي أطاحت أسرة البوربون من فوقه، تحرّك القائد الفرنسي نابليون بونابرت، والذي صار فيما بعد امبراطورًا لفرنسا، على رأس جيش كبير، يضمّ إلى جانب الجنود والأسلحة والخطط الحربية والاستعمارية عددًا من العلماء والفنانين والباحثين، في حملة لتأمين المصالح الفرنسية في الشرق.
بدأت الحملة بغزو مصر وهو ما عرفته أوراق التاريخ بـ"الحملة الفرنسية" التي لم يستمرَّ بقاؤها أكثر من ثلاث سنوات، لكن كان من نتائجها تقديم قراءة جغرافية وتاريخية وثقافية واسعة وعميقة لمصر وشعبها وحضارتها، عبر عمل فريد وضعه علماء الحملة وعرفه العالم باسم موسوعة "وصف مصر"؛ إضافة إلى الحدث الأعظم الذي قلب التاريخ رأسًا على عقب، وهو اكتشاف الضابط الفرنسي بوشار لحجر رشيد فى التاسع عشر من يوليو عام 1799؛ والذي تمّ نقشه عام 196 قبل الميلاد، وهو عبارة عن مرسوم ملكى صدر بمدينة منف في العام نفسه؛ تخليدًا لذكرى الحاكم البطلمي بطليموس الخالص، وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من المصريين والطبقة الحاكمة، واحتوى على نص المرسوم منقوشًا بلغتين هما المصرية القديمة والإغريقية، وثلاثة أنماط للرسم الكتابي هي: الهيروغليفية "اللغة الرسمية فى مصر القديمة"، والديموطيقية "الكتابة الشعبية في مصر"، إلى جانب الإغريقية القديمة وهي لغة البطالمة وملوك اليونان.
وكان العالم البريطانى توماس يانج قد اكتشف أن اللغة المصرية القديمة تتكون من دلالات صوتية، وأنها ليست رموزًا وتعبيراتٍ تشكيلية، كما اكتشف أن أسماء الملوك والحكام القدماء تمّ نقشها بدلالاتها الصوتية داخل مربعات ومستطيلات هي الخراطيش الملكية على جدران المعابد ووسط مدوّنات المصريين، تمييزًا لها عن سائر النصوص المجاورة.
ووفقًا لنظرية يانج استطاع العالم الفرنسى جان فرانسوا شامبليون عبر العودة إلى الإغريقية القديمة مقارنة النصوص الثلاثة التى يضمّها حجر رشيد وببعض النقوش والنصوص الهيروغليفية واليونانية القديمة من مصادر أخرى، فتمكَّن بعد جهد كبير أن يصل إلى قراءة وترجمة واضحة للنص المدوّن على الحجر.
كانت مفاتيح شامبليون ومداخله إلى قراءة وتفسير الحجر عبر تمييز أسماء الملوك والآلهة الواردة فى متن النص والموسومة فى خراطيش ومربّعات خاصة على جدران المعابد والنقوش الأخرى، وبمقارنة الأسماء والسياقات بين النصوص الثلاثة استطاع النفاذ إلى قراءة النص المدوّن على الحجر واكتشاف مفاتيح اللغة، كان النص عبارة عن مرسوم من الكهنة ورجال الدين يمجّدون فيه بطليموس الخامس ويذكرون مآثره وإنجازاته فيما يختص بالجوانب الروحية والسياسية والاقتصادية، وكان يقدّم تصوّرًا عن طريقة النظام الإدارى والتنفيذى وآلية ونمط الحكم والمعيشة فى المجتمع المصرى القديم، وتحديدًا فى القرن الثانى قبل الميلاد.
وجاء في النص المدوّن على حجر رشيد: "إنه فى اليوم الرابع عشر من شهر كسانديكوس الموافق يوم 18 من شهر أمشير المصرى، اجتمع كبار الكهنة والمنبئين وهؤلاء المسموح لهم بدخول الهيكل المقدّس لخدمة الآلهة، وحاملو المراوح وكتـاب القديسين وكهنة المعابد الآخرين الآتون من جميع أنحاء البلاد، والذين أتوا إلى منف لمقابلة الملك بمناسبة عيد تتويجه، اجتمعوا فى هذا اليوم فى معبد منف وشهدوا بأن الملك بطليموس الخامس، ابن الملك بطليموس والملكة أرسينوى، محسن للمعبد وللعاملين فيه، وكذلك لجميع الشعب، وأنه إله ابن إله– مثل حورس ابن إيزيس وأوزوريس المنتقم لأبيه– وأنه يُقدّس الآلهة، وقد قدّم للمعبد دخلًا من الثروة والحبوب، وصرف الكثير من أجل رخاء مصر، وزوّد المعابد بالإمدادات، وهو سخىّ بثروته الخاصة، فقام بإلغاء العوائد والضرائب التى كانت واجبة فى مصر، وألغى الديون المستحقة للقصر، وكذلك حرّر هؤلاء النازلين فى السجن وآخرين من الواقعين فى قضايا منذ زمن طويل، حرّرهم جميعًا من التهم الواقعة عليهم، وأمر بأن يستمر نصيب الآلهة من عائدات المعبد سواء من الحبوب أو من الثروات، وكذلك من الغيطان والحدائق والأراضى الأخرى الممنوحة لهم والتى كانت مخصّصة للآلهة فى عهد والده، وقرر بشأن الكهنة ألّا تزيد رسوم تعميدهم لوظيفة الكهنوت عما كانت مقررة فى السنة الأولى من عهد والده، وأعفى أعضاء سلك الكهنوت من واجب حضورهم كل سنة إلى الإسكندرية، وأمر بألّا يُرغم أحد على العمل فى الأسطول، كما خفّض الضرائب التى يدفعها المعبد للقصر عن منسوجات بيسوس بمقدار الثلثين، وأصلح ما تعطّل من الأمور خلال السنوات الماضية، واهتمّ بتنفيذ كل الواجبات المتوارثة منذ القديم نحو الآلهة، وضمن لجميع الأفراد مساواة فى العدالة، وأمر بأن يـُسمح للهاربين من صفوف الجيش، ولآخرين من الذين كانت لهم نوايا سيئة خلال أيام التمرد، بأن يسترجعوا ممتلكاتهم عند عودتهم، كما اتخذ إجراءات لتوجيه الفرسان والمشاة والأسطول لصدّ هؤلاء الذين كانوا يهجمون على مصر من البحر والبر، ورصد أموالًا طائلة وكميات كبيرة من الحبوب لكى تعيش المعابد والناس فى أمان".