السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باحثة البادية.. وتحرير المرأة «11»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل «البوابة» نشر حلقات الدراسة الأخيرة التي كتبها المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد عن باحثة البادية -ملك حفني ناصف- قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته
لم تكتف باحثة البادية بما تكتبه فى الصحف، لكنها كثيرًا ما ألقت محاضرات أو خطبًا تشرح فيها بالتفصيل وجهة نظرها الإصلاحية والمحافظة فى آن واحد. وقد ضمنت إحدى هذه الخطب فى كتابها موضوع البحث وعنوان هذه الخطبة «خطبة فى المقارنة بين المرأة المصرية والمرأة الغربية وعاداتها واستخلاص زبدة المقارنة لنعمل بها» [صفحات ١١٨ – ١٤٢ من كتاب النسائيات]. وبطبيعة الحال يكون من الصعب استعراض ما ورد فى هذه الصفحات جميعًا ولهذا سنكتفى بمرور سريع على ما جاء بها. فالمحاضرة تبدأ مباشرة بقولها: «إننا على درجة من النفس تؤلم المتفكر فيها وترجع الوطن خطوات واسعة عن سبيل التقدم، وأن من دلائل تأخرنا أن أكثرنا أخذ يقلد المرأة الغربية بغير نظر إلى موافقة عاداتها للشرع الإسلامى والآداب الشرقية، وبعضنا الآخر ظل على تقاليده القديمة سواء كانت صحيحة أو فاسدة فما هذا الجمود بمستحسن ولا ذاك الاندفاع بممدوح. ونسرع مع المرأة المصرية الحديثة التى تعد إرضاع أطفالها عيبًا لا يغتفر وتفوض أمر نظافتهم للخدم وتكل أمر تربيتهم لهم فيعلمونهم فساد الذوق والجهل القبيح [صـ١٢٠]، ونقرأ فى صفحة أخرى «للتربية عندنا إحدى طريقتين إما القسوة أو التدليل والأولى تعلم الطفل الجُبن والخوف والثانية تضعه فى مهاوى الغرور» [صـ١٢٣]، وفتاتنا المصرية لا تكاد تقرأ وتتعلم إلا قشورًا بسيطة وهى لا تقلد الفتاة الغربية فى التعليم النافع وإنما تقلدها باستماتة فى تعلم البيانو والرقص ولا أدرى لماذا أبطل البيت الشرقى العزف على العود والقانون مع أنهما ألطف صوتًا وأشجى نغمة وأرخص ثمنًا وأخف حملًا. وعن المدارس تقول باحثة البادية تعجبنى جدًا طريقة مدارس (الفرير) فى نقل الفتيات فى عرباتها الخصوصية حتى لا يختلط بهن المارة [صـ١٢٧].. وعن الملابس نقرأ رؤية محافظة بل ورجعية «الملابس الشرقية أخف وأيسر كلفة وأشد ملاءمة لجونا الحار وصيفنا المحرق من الملابس الإفرنجية فهى جلباب يبلس مرة واحدة فوق الملابس الدنيا وعند الخروج تلبس فوقه الملاءة، أما الملابس الإفرنجية فإنها متعددة القطع مضاعفة التركيب صعبة اللبس والنزع، فمن مشد (سوتيان) يخنق الصدر ويعتصر الكبد والطحال ويضغط على الأحشاء ويمنع الجلد من التنفس الطبيعى اللازم له، ومن ياقة منشأة كالورق المقوى لا تستطيع المرأة معها لفت رقبتها ولا الانثناء لقضاء أى عمل [صـ١٢٨]، ثم هى تحذر النساء قائلة: «تخرج بعض نسائنا عن حدود الأدب والشرع متفانيات فى اتباع المودة، ولكن هناك فرقا بين المودة والخلاعة. وتحذر مرة أخرى «أن الرجل مهما أعجبه شكل الخليعة وكلامها فهو لا يود أن يقتنيها لنفسه اعتقادًا منه أن ما أعجبه منها ظاهر لغيره» [صـ١٢٩]. ثم نقفز سريعًا إلى [صـ١٣٨] ونقرأ «للخرافات سلطان كبير فهناك أحاديث من الكذب والترهات فقد تخاف المرأة من أن تطلب من زوجها ملابس وحليًا فيرفض الزوج فتعمد إلى الادعاء بالعفاريت والجن لتخويفه وأعرف كثيرات ادعين ذلك وطلبن إقامة زار فرفض الزوج طلبهن وبعضهم ضربهن قلم يعدن إليه، [صـ١٣٩]. 
وفى الختام توجه باحثة البادية حديثها للنساء الحاضرات متسائلة «هل تردن أن نثبت للملأ خمولنا وخلونا من التمييز، أم تردن أن نعمل على حفظ قوميتنا وتقوية روح الاستقلال فينا وفى الأجيال القادمة من أولادنا، فإذا أردنا أن نكون أمة بالمعنى الصحيح تحتم علينا ألا نقتبس من المدينة الأوروبية إلا الضرورى النافع بعد تمصيره حتى يكون ملائمًا لعاداتنا وطبيعة بلادنا نقتبس منها العلم والنشاط والثبات وحب العمل إنما لا يجوز فى عرف أو فى شرف أن نندمج فى الغرب فنقضى على ما تبقى لنا من القوة الضعيفة أمام قوته المكتسحة» [صـ١٤٢]. 
والحقيقة أن تأمل هذه المحاضرة يكشف أن باحثة البادية قد تأثرت كثيرًا جدًا بكونها زوجة لشيخ العرب الباسل صاحب التقاليد المحافظة ذات الصبغة البدوية العريقة والتى جعلت منها تتوقف بأقصى طموحاتها عند المرأة التركية التى كانت محافظة إلى درجة التشدد فى زمان مطلع القرن العشرين وهو زمن كتابات باحثة البادية.. سواء فى الزى أو الفكر أو الحياة الاجتماعية. 
وليس بالإمكان أن تنتهى من كتابات باحثة البادية دون ذكر حوارها الشعر مع أمير الشعراء أحمد شوقى الذى أهدى إليها قصيدة جميلة جاء فيها: 
صَّداح يا ملك الكنار.. ويا أمير البلبل 
صبرًا لما تشقى به.. أو ما بدا لك فأفعل 
إن طرت عن كتفى وفد.. ت على النسور الجهل 
وردت عليه ملك حفنى ناصف قائلة..
سميتنى ملك الكنار.. وأنت رب المنزل 
وجعلتنى رهنا لأقفاص.. الحديد المقفل 
لو كان حبك صادقًا.. لفككتنى من معقلى 
.. ويبقى بعد ذلك أن نفى بما كتبناه فى أول استعراضنا للكاتب وهو «التقاريظ» 
فلنواصل.