السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شادية... صوت "أم الصابرين" العبقري!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شادية ليست مجرد لوحة إبداعية فى قلب الوجدان العربي، أو المصري، لكنها صوت مصر، أم الصابرين.
تكاد تكون شادية الصوت العبقرى الوحيد الذى لم يغن لحاكم، لكنها تغنت وغنت لمصر، فاستحقت أن تكون «صوت مصر».
شادية العظيمة ليست مجرد كروان ينعش القلوب ويبعث الأمل فى النفوس، لكنها رسالة.
شادية صوت ذكي، صوت مثقف، ثقافة بمفهومها الواسع الذى يخاطب القاعدة العريضة من الشعب والشباب، وعالجت كل مشكلاته، وصنعت لهم طريق النور، وأضاءت مصابيح التفاؤل.
شادية، أميرة القلوب. أعادت للمشاعر الراقية حقها السليب والمسلوب.
قمة تربعت على عرش قمم الجبال والدهاليز والدروب، عطاؤك يتدفق عبر الأجيال بين الحبيب والمحبوب.
صوت الاستقامة لا يعرف التأويل أو القراءة بالقلوب.
إذا استمع الإنسان لصوتك فهو آمن.
شادية، الدلوعة، لكن بلا ميوعة.. صوت يشق عنان السماء... عظمة فى تواضع يحيطه الكبرياء.
عطاء إحساسك، ما أعظمه عطاء.
قصة أستاذنا وأستاذ الأساتذة مصطفى بك أمين، لخصت شادية فى كلمتين (معبودة الجماهير).
لأن رسالتك وصلت إلى الصغير قبل الكبير، وتدفق إحساسك ينبوع حب للغنى والفقير.
أنت شادية نداء الحب ويقظة الضمير... جميع القلوب لبت نداءك لأنها عرفت معنى التحرير، تحول الحب بإبداعك إلى طريق من حرير، يا ملكة النبل والإحساس تحولت فوق العادة إلى أعظم صفير.
يا عاصمة الفن النبيل وقاهرة ألوان العذاب المرير.
يا سيمفونية الحب الحقيقي، وأعذب الألحان وروعة الأداء... كان الوسيم هو صاحب الحق فى احتكار الحب واعتبره تجارة. وبعدك يا شادية أصبح الرميم شريك وصاحب الحق فى التغنى به بتحديث المنظومة السائدة فى عبارة بسيطة عميقة تقول...
ع جنانى واحشته.. واحشته عاجباني
فاستطعت بقدراتك وإطلالتك أن تعطى الرميم الحق فى أن يحصل على نصيب من الحب.
لا يعرف الكثير من الأجيال الحاضرة أن صوت النيل ورمز الزمن الجميل بدأت حياتها كإنسانة تتزوج، فقد اختارت كما أخبرنى أستاذ الأساتذة الصديق العظيم الأستاذ فهمى عمر، شيخ الإذاعيين فى مصر والعالم العربى، أن الفنانة شادية وعماد حمدى اختارا قطار حملة (سلح جيش أوطانك) ليكون المنبر الذى يعلنان فيه أمام جميع زملائهما الفنانين المشاركين فى هذه الحملة القومية مع رجال الصحافة... أعلنت هذا النبأ وهذه ليست مناسبة شخصية.. مناسبة عابرة.. لكنها أعلنت بداية حياتها الزوجية فى مناسبة يلتف حولها الشعب، فلم يختارا السفر فى منتجعات، ولكنهما اختارا أن يكونا حتى فى أفراحهما الشخصية أن يكونا شركاء فى دعم عيون الوطن الساهرة.
أعتز فى مشوارى الصحفى بتكليف من أٍستاذنا الفنان إحسان عبدالقدوس فى فبراير عام ١٩٦٩، لمقابلة الأسطورة شادية فى الإسكندرية، ونقل إلى هذا التكليف الأخ الزميل الفنان محمد تبارك، مدير تحرير «أخبار اليوم»، وكان أستاذنا الكبير وقتها رئيسًا لتحرير «أخبار اليوم»، وذلك بغرض التحدث معها عن تجربتها فى (ميرامار)، الذى تم تصويره فى الإسكندرية فى عز الشتاء، ووقتها كانت أجهزة المحافظة أعلنت حالة الطوارئ لمواجهة الزحف الجماهيرى غير المسبوق لأماكن التصوير على الطبيعة؛ خاصة أن هناك لقطات للعظيمة شادية فى محطة الرمل (الداون تاون) لمصر كلها، (للعلم كاتب هذه السطور مقيد بنقابة الصحفيين فى ٢٢/٥/١٩٦٦) انتهت الملحوظة.
واستطاعت شادية أن تغير نظام العمل بالعاصمة الثانية تمامًا، وتصدرت وقائع التصوير أجندة المحافظ وقتها وهو الأستاذ أحمد كامل، أحد رموز الثورة المصرية، وكان ثوريًا ناصريًا، لكنه كان وطنيًا حتى النخاع ومعتزًا بكرامته ودوره الريادى، ورغم أنه كان سياسيًا من الطراز الأول، وتولى بعد رحيل الزعيم جمال عبدالناصر منصب رئيس المخابرات العامة، ولكنه كان فنانًا من الطراز الأول، فهو الذى اكتشف الفنان فاروق حسنى وغيره من المواهب، وشجع فكرته فى أن يستضيف قصر ثقافة الأنفوشى (أوركسترا القاهرة السيمفوني)، وكانت هذه المرة الوحيدة فى تاريخ أهل بحرى والأنفوشى مشاهدة الفن الرفيع الذى كان قاصرًا على النخبة، وكلف وقتها اللواء عبدالقادر محمود مدير عام هيئة تنشيط السياحة، بتقديم التسهيلات كافة لتصوير الفيلم؛ لأنه على قناعة أن لقطة واحدة تظهر فيها شادية فى ميادين الإسكندرية حتى ولو بـ«الملاية اللف»، ستكون أفضل من مليون منشور دعائى عن جمال الإسكندرية.
وفى الموعد المحدد توجهت لمقابلة الفنانة العظيمة ودارت الهواجس داخلى عن الالتزام بالمواعيد فبعض الفنانين إذا أعطى موعد الحادية عشرة؛ فإنه يحضر الساعة الحادية عشرة مساءً.. وفوجئت أن المبدعة هى التى تنتظرنى فى الموعد الذى حدده معها أستاذنا الفنان إحسان عبدالقدوس.. وأشهد الله أننى ما رأيت من تواضع ورقة واستقبال رائع وخلق رفيع، وفعلًا وجدت شادية على الشاشة هى شادية على الطبيعة تدخل القلوب من الوهلة الأولى، وكان معى أستاذ التصوير الصحفى المرحوم الفنان أحمد سالم، وبدأت الحوار فاكتشفت أننى أمام سياسية من الدرجة الأولى تحمل هموم وطنها، ومعجونة بقضايا الوطن العليا، وأنين المواطن، وتجسد هذا فى إبداعها على الشاشة فى هذا الفيلم، الذى وصل الخلاف على عرضه إلى الرئيس جمال عبدالناصر الذى احتكموا له وصرح بعرضه.
لقد جاء قرار المسئولين عن مهرجان القاهرة السينمائى، حينما تم إهداء اسم المهرجان إلى الفنانة المبدعة شادية؛ لأن هذا القرار هو فخر للمهرجان أولا وتأكيدًا لمصداقيته؛ لأن إبداع شادية يعيش فى الوجدان.
سلامتك يا شادية.. أيتها العبقرية....
لو أن مصر لم تحظ بعبقرية شادية لاخترعناها! لست ناقدًا فنيًا.... لكن اليوم يوم الكتابة عن القيمة الرفيعة.. شادية.