الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"القبطية".. التطور الطبيعي لـ"اللغة المصرية"

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت لغة الشعب والدولة والكنيسة حتى القرن السابع الميلادي.. واكتشاف عائلات تتحدث «القبطية» بالحياة اليومية بالأقصر عام 1936
تمثل اللغة القبطية المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية، التي تكلم بها وكتبها قدماء المصريين منذ آلاف السنين، وكان الرأي السائد لدى العلماء أنها تنحدر من اللغة المصرية المتأخرة مباشرة، حسبما كانوا يتحدثونها في القرن السادس عشر قبل الميلاد مع بداية الدولة الحديثة، إلى أن ظهر رأي جديد للعلامة شيّن M. Chaine، عن اللغة الوطنية الشعبية لمصر القديمة، يؤكد فيه على أن اللغة المصرية واللغة القبطية كانتا متعاصرتين وموجودتين معا منذ أقدم العصور.
وهناك دراسة مستفيضة لقواعد اللغتين يستخلص منها أن اللغة المصرية لم تكن لغة تخاطب، وإنها هى مأخوذة عن القبطية، باعتبار أن القبطية هى الأصل، وقد صيغت بحيث يستخدمها الكهنة والكتبة فقط، وظلت معرفتها في دائرة الكتبة فقط دون عامة الشعب، وهو رأي صحيح، فلم نجد مخطوطة هيروغليفية شعبية، فاللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة التي تكلم بها الشعب منذ فجر التاريخ المصري وحتى القرن الثانى عشر، وفي الحقيقة فإن المصرية القبطية هي أصل الهيروغليفية ويوجد بها جميع أحرف النطق الهيروغليفية إذ إنه يوجد بها العين والحاء وغيرها.
والمعروف أن الكتابة المصرية القديمة، كتابة تصويرية، بدأت بالخط الهيروغليفى (أي النقش المقدس) مع عصر الأسرة الأولى (٣١١٠ – ٢٨٨٤ ق.م)، أو قبلها ببضع مئات من السنين، واستخدم الخط الهيروغليفى للنقش على حوائط المعابد والمقابر والنصب الحجرية، وللكتابة به على أوراق البردى واشتق منه الخط الهيراطيقي (أي الكهنوتي)، وقد استخدمه الكهنة للكتابة به على أوراق البردي.
ثم ظهر الخط الديموطيقي (وهي أحد الخطوط المصرية القديمة وكانت تستخدم في تدوين النصوص الدينية، ونصوص تدريب الكتبة والرسائل والوثائق القانونية والتجارية لدى المصريين القدماء، وهو خط مبسط من الخط الهيراطيقي) في زمن الأسرة الخامسة والعشرين، وهي الأسرة الكوشية أي الإثيوبية (٧٣٦ – ٦٥٧ ق.م)، وهو كتابة سريعة مختصرة من الخط الهيراطيقي، وأصبح خلال عصور البطالمة والرومان هو الخط المعتاد لاستخدامات الحياة اليومية.

تكوين اللغة
وفي هذا الصدد، يقول القس آباهور فرج، كاهن كنيسة ملاك سوريال ومارمينا بالعمرانية بالجيزة، إن كلمة قبطي تأتي من لفظ قبط، ويعود أصلها إلى الكلمة اليونانية أيجيبتوس Αίγυπτος، وتعني «مصري»، دون أن يكون للمعتقد الديني أثر على ذلك الاستخدام، وتتكون اللغة القبطية من خمسة وعشرين حرفا يونانيا وسبعة حروف باللغة الديموطيقية، والقبطية هي لغة فرعونية قديمة ويتم استخدام اللغة القبطية في قداسات الكنيسة الأرثوذكسية والألحان الكنسية، لأنها «هوايتنا وإحنا أصلنا قبطي».
دخول المسيحية مصر
ويقول القس آباهور فرج، إن اللغة المصرية القديمة استمرت مع دخول المسيحية إلى مصر على يد القديس مارمرقس الرسول، واستمر التعامل بها بين المصريين القدماء باللغة القبطية مع اللغة اليونانية القديمة، وحتى القرن السابع الميلادى كانت اللغة القبطية هي لغة الشعب والدولة والكنيسة، وعندما استخدمت اللغة العربية فى مصر، احتفظت الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية بلغتها المصرية القديمة وأصبحت تمثل جزءا أصيلا في التعبير عن الهوية المصرية المسيحية، وظلت الكنيسة قديمًا تُصلى باللغة القبطية وتتحدث بها كلغة حوار قبل انتشار اللغة العربية، وظل المسيحيون يتحدثون بها سرًا في فترة معينة من الزمن.
أما في الكنائس الأرثوذكسية القبطية خارج مصر، فتتكون صلاة القداس من جزءين، الأول بلغة البلاد والجزء الآخر باللغة القبطية القديمة، وذلك حفاظا على الأصل القبطي، إضافة إلى أن اللغة القبطية تعبر عن جذور الآباء القديسين والشهداء والمعترفين بها، حيث كانوا يتحدثون اللغة القبطية وحافظوا على الإيمان بدمائهم وهذا يعطي طابعا روحيا ممزوجا باللغة القبطية.
ظهور وتطور اللغة القبطية
ويستكمل القس آباهور فرج الحديث حول بداية ظهور اللغة القبطية، وكان ذلك في القرن الثالث الميلادي في الكتابات، وظلت لغة الكتابة والتخاطب في مصر حتى حكم البطالمة، إلى أن قرر البطالمة أن تكون اليونانية اللغة الرسمية، وكان الكثير من المصريين يتعلمونها ويستخدمونها فى وثائقهم وخطاباتهم، وكانت هناك محاولات فردية من المصريين لتدوين لغتهم بالحروف اليونانية، وكانت وليدة الحاجة لسبب أو لآخر دون أن يكون لذلك شأن بالمسيحية، وانتهى الأمر بأن استطاع شخص أو مجموعة من الأشخاص استحداث ما يسمى بالخط القبطي، فكتبوا لغتهم بالحروف اليونانية، وأضافوا إلى الأبجدية اليونانية سبعة حروف من الخط الديموطيقى والتى تتماثل مع بقية الحروف اليونانية.
وتنقسم لهجات اللغة القبطية إلى قسمين، لهجات مصر السفلي، ومنها البحيرية وهي أول لهجة وضعت فى الصيغة الكتابية المصطلح عليها، ولهجات مصر العليا والتي منها اللهجات الرئيسية مثل (الصعيدية، الفيومية، الأخميمية) الفرعية مثل (الأخميمية، الأسيوطية، البشمورية).
وحول التغيرات والتطورات التي طرأت على اللغة القبطية وانتقلت إلى كتابتها بحروف يونانية بدلًا من الديموطيقية، فقد تم إدخال تعبيرات وكلمات يونانية وأجنبية عليها. وتم تبديل حرف بآخر أو تقديم حرف على آخر، على سبيل المثال كلمة «إله» هى كلمة مصرية قديمة كانت تكتب بحروف (ن - ت - ر) وأصبحت مع اللغة القبطية (ن – و– ت – ي) بعد حذف حرف الراء، والحروف المتحركة معدومة فى المصرية ولكنها موجودة في القبطية، وهناك كلمات في اللغة القبطية لم يعثر عليها في اللغة المصرية القديمة وربما كانت موجودة واندثرت.
دراستها بالمعاهد الكنسية فقط
ويقول القس حزقيا سلمون، كاهن كنيسة العذراء والأنبا بيشوي بصفط اللبن، إن الكنيسة حافظت على اللغة القبطية لأنها لغة الصلوات التي يتم تلاوتها داخل الكنيسة منذ قرون طويلة.
 ويرى أنه من الصعب أن يتم تدريس القبطية كمناهج دراسية، لأنها لغة مندثرة مثل الهيروغليفية، وفي الوقت نفسه توجد كتب لتعليم اللغة القبطية تباع بالمكتبات العامة لمن يريد الاطلاع عليها، أما دراسة اللغة القبطية وإتقانها فلا بد وأن يكون داخل المعاهد الكنسية المصرية.
الحاكم بأمر الله ومنع القبطية
وفي القرن الحادي عشر الميلادي، أمر الحاكم بأمر الله (٩٩٦-١٠٢٠ م) بمنع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل، وفي القرن الثاني عشر الميلادي، كان هناك أقباط لا يعرفون سوى القبطية، وآخرون لا يعرفون غير العربية، وأقباط آخرون يعرفون القبطية والعربية.. وما كان من البابا «غبريال بن تريك» البطريرك السبعين (١١٣١-١١٤٦ م) عندما وجد أن الغالبية من الشعب لم تعد تفهم اللغة القبطية، فقد أصدر أوامره بقراءة الأناجيل والعظات الكنسيّة وغيرها من القراءات باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية. وكان البابا كيرلس الرابع لا يصرف رواتب شهرية من البطريركية إلا للقسوس الذين يتقنون خدمة القداس باللغة القبطية.
استخدام القبطية حديثًا
وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ بعض الكهنة، بتلاوة بعض صلوات القداس بالعربية بعد تلاوتها أولًا بالقبطية، دون اعتراض من الرؤساء الدينيين. وفى القرن العشرين الميلادي، فى سنة ١٩٣٦، ١٩٣٧م اكتشف عالم القبطيات فيرنر فيسكل ووليم وورل عددًا من الأشخاص في عائلات معينة بقرية الزينية بالقرب من الأقصر، لا يزالون يتحدثون باللغة القبطية في حياتهم اليومية، وقد نشر الباحثون أبحاثهم عن ذلك في المجلات العلمية.