الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الصوفية والسلاح.. الجهاد من أجل أولياء الله الصالحين.. "النقشبندية" حملته لحماية أضرحة العراق.. و"الحضرات" أول خلية حاربت الاحتلال السوفيتي في داغستان

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكدت الكثير من النصوص أن جذور الصوفية فى مصر تعود إلى العصر الفاطمي، حيث الأسرة المصرية الفاطمية المنحدرة من سلالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أهل بيته الذين يطلق عليهم «عترة النبي» وهم أهل البيت، ومن ثم اهتمت العائلة الفاطمية بتشييد الأضرحة، وأماكن الزيارة لهؤلاء ممن يعرفون بـ «الأولياء حماة الدين وأهل التقوى»، وهكذا استمر الأمر حتى العصر العباسى، الذى شهد نموًا وانتشارًا للحركة الصوفية فى مواجهة انتشار التدهور الخلقى والاجتماعى حينذاك، ولمواجهة هذا الانحطاط والفساد، استخدم أرباب الصوفية طرق عبادة تحت مسميات جديدة بما تسمى «الممارسة الروحانية» تشمل عقد حلقات لذكر الله المعروف بالإنشاد الدينى عقب صلاة العشاء.

فيما وضعت فى عصر أسرة محمد علي، قوانين للمذاهب الصوفية، عبر إصدار مرسوم، يضع فيه المذاهب الصوفية تحت راية «سلطان شيخ السجدة البكرية» (وهى شجرة عائلة أبوبكر) والتى تعتبر المرة الأولى التى يتم من خلالها تقديم مثل هذه الطرائق إلى السلطة المركزية، ليصل الأمر إلى وجود ما بين ٧٤-٧٧ طريقة صوفية داخل القطر المصرى انبثقت من ستة مذاهب رئيسية، وهى الطرق الدسوقية، والشاذلية، والرفاعية، والبدوية، والعازمية، والقادرية، وتم تنظيم هذه الطرق تحت راية كل من المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والرابطة العالمية لجمعية أهل البيت، واتحاد أحفاد النبي.
بمرور الوقت نجحت الطرق الصوفية فى إثبات حضورها بقوة على الساحتين الدينية والسياسية خلال الفترة الأخيرة، نظرا لانتشارها وتزايد أتباعها، وتكوينهم تجمعات مغلقة تشبه «الجيتو» فى المجتمع، بحسب دراسة الدكتور عمار على حسن «التنشئة السياسية للطرق الصوفية فى مصر»، التى أشار فيها إلى إشكالية التصوف وعلاقته بالسياسة، حيث لا تقتصر على المستوى المحلى فقط، بل تتجاوزه إلى المستوى العالمي، لنرى الطرق الصوفية فى علاقات مباشرة مع الأنظمة السياسية القائمة، انطلاقًا من ظاهرتين: «تديين السياسة» و«تسييس الدين»، خاصة أن التصوف ظهر فى البداية كحركة سياسية وليس كحركة دينية، مما يجعله وثيق الصلة بالسياسة حتى لو كانت الطرق الصوفية تنفى ذلك، استنادًا إلى أسسها الأربعة القائمة على «الزهد والمحبة والمعرفة والولاية»، بزعم وضع حد فاصل بين الدين والسياسة.
وينتهى حسن فى دراسته الميدانية، إلى أن التنظيم الصوفى ينتج قيما سياسية بعضها إيجابى مثل التسامح والتماسك والتعاون والاستمرارية، وبعضها سلبى لا يشجع على نشوء ثقافة الديمقراطية، مثل الخضوع والجمود والإكراه والطاعة العمياء، فيما تعزز كاريزما شيخ الطريقة قيمة التسلط، موضحا أن الممارسة الحياتية فى تلك الطرق تسير فى اتجاه يرفع من شأن القيم السلبية على حساب القيم الإيجابية، خاصة أن تاريخ العلاقة بين المتصوفة والسلطة السياسية، يشير إلى أنهم داهنوا السلطة وخضعوا لها أكثر مما عارضوها أو اتخذوا موقفا حاسما ضد فسادها وطغيانها.
المعطيات السابقة، يبدو بشكل ما أن الطرق الصوفية قد تأخذ فى خضم ظروف معينة، مسلك العمل المسلح والعنيف، المضاد تمامًا لمنهج الإحسان وتكريس العبادات الداعمة والمعززة له، وهو ما تطور فى وقت لاحق ليأخذ أبعادًا سياسية، ومن ثم مشاركة سياسية فاعلة ونشطة، ليتم الكشف خلال السنوات الأخيرة عن اتخاذ بعض مكونات الجمع الصوفى منحى العنف واستخدامه علانية، فى مشهد مثير بدخول الطريقة النقشبندية الصوفية - نسبة إلى لقب مؤسسها الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد نقشبند - فى تحالف مع تنظيم «داعش» بمدينة الموصل، وظهور ما يسمى «جيش الطريقة النقشبندية فى العراق»، إحدى الجماعات التى تحالفت مع التنظيم فى العراق والشام.

واضطرت الطريقة النقشبندية إلى حمل السلاح، رغم أن شيوخها الكبار لا يسمحون بذلك، لكن بعد جدل طويل سمح المشايخ لأتباع الطريقة بالعمل المسلح لحماية الأضرحة وأنفسهم فقط، وفى العموم، تعد الطريقة كغيرها من الطرق الصوفية، لا تؤمن بالعنف وليس لها فى العمل السياسى الحزبى أو العمل العام كطريقة صوفية، ورغم أن التأثير الأكبر للنقشبندية - من ناحية التمركز الجغرافى - هو فى تركيا، فإنها فى الحقيقة طريقة واسعة الانتشار بشكل ربما لا تنافسه فيه طريقة صوفية أخرى فى العالم.
وفى جمهورية مثل داغستان، ارتكز جهاد الشعب ضد الروس على حركة سرية كانت تتم فى الزوايا، و«الحضرات» الصوفية. وفى سياق الانتماء الصوفى الذى حلّ محل التنظيمات السياسية أو العسكرية المباشرة، كانت الطريقة النقشبندية الأهم، وهى فجرت فى وجه الروس أول ثورة شعبية مسلحة بقيادة الشيخ شامل لأكثر من ثلاثين عامًا، وواصل هذا الشعب مقاومته حتى استطاع القياصرة حصد معظم شيوخ الطريقة. وبخلاف «النقشبندية» تقول كتب التاريخ إن الحركات الصوفية شكلت مقاومة شرسة ضد الجيوش الأوروبية فى إفريقيا، منها ثورة أولاد سيدى الشيخ والطريقة التيجانية ضد الاستعمار الفرنسى فى المغرب العربي، والطريقة السنوسية ضد القوات الفرنسية فى وسط إفريقيا، ثم مقاومتها للقوات الإيطالية فى ليبيا والطريقة المعينية بقيادة الشيخ ماء العينين مؤسس الطريقة على القوات الفرنسية والإسبانية فى المغرب.
ومما سبق يتبين أن الصوفية قد تلجأ إلى حمل السلاح فى بعض الأحيان إذا استلزم الأمر، خلافًا لما تحويه أدبياتهم من استنكار للعنف ورفضه أيًَّا كان مصدره، وبحسب مشروع بحثى لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، يرى أن العنف فى أدبيَّات الصوفية له مساران مختلفان، أحدهما يمارس على الذات، وثانيهما موجَّه ضدَّ الآخر المختلف دينيًا بالأساس والمستعدى للمسلمين، وقد يتوقف مثل هذا السلوك فى مرحلة ما، يرى الصوفى أنَّه فيها تجاوز عتبة الرياضة والمجاهدة، لنرى حضورا مختلفا للعنف يخرج من بوابة المتخيّل، ففى بعض أدعية الصوفية الموجهة نحو عدو ما تظهر صور كثيرة تبين عن تمثل الصوفى لمصير هذا العدو وأشكال التفوق عليه ودحره أو سحقه، والتخلص من شره، فيكون العنف المتخيّل هنا حاملًا لمعنى العدالة الربانية التى انتصر فيها الله للخاصة من خلقه ممن اصطفاهم وقربهم إليه.