السبت 01 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بيعة الإخوان.. خيانة للدين والوطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان الإخوان ينظرون إلى دول الخليج على أنها محفظة مالية يجب أن تتم السيطرة عليها، لذلك كانت الأيام تروح وتغدو وقيادات الإخوان بالإمارات يروحون ويغدون، ففي كل عام كان يأتي إلى مصر أحد القيادات الإخوانية بالإمارات، كي يعطي البيعة للمرشد نيابة عن إخوان الإمارات الجدد، وكانت هذه البيعة تسمى "البيعة بالنيابة"، وقد ظلت الجماعة بمصر - ومرشدها - يتلقون بيعة النيابة هذه من مسؤولي الإخوان، ليس في الإمارات فحسب، بل في كل العالم، والبيعة لمن يريد أن يعرف هي العقد الذي يوقعه الشخص المنتمي للجماعة مع التنظيم، يقرّ فيه الأخ بأنه سيسمع ويطيع المرشد وحده دون غيره، وسيطيعه في كل الأوامر والقرارات، وستكون هذه البيعة أعلى من أي ارتباط آخر حتى ولو كان ارتباطا وطنيا، فالإسلام - وفقا لأدبياتهم - أعلى من الأوطان، فيضعون بذلك مفاصلة بين الوطن والدين وكأن الوطن ضد الدين.
وإذ كنت في "أبو ظبي" - العاصمة الإماراتية - منذ عدة أشهر، سألني الدكتور سالم حميد، رئيس مركز "المزماة"، في أحد المؤتمرات عن قصة البيعة هذه، وعن علاقة إخوان الإمارات بها، فقلت بشأنها ما أعرفه، وكنت وقتها خالي البال عن من هم الذين تم القبض عليهم في تنظيم "إخوان الإمارات"، نعم كنت أعرف أن هناك من تم القبض عليهم وأن التحقيق يجري معهم على قدم وساق، وأن الأدلة قد توافرت بشأنهم بخصوص انتمائهم للجماعة، ولكنني لم أكن أعرف أسماء المقبوض عليهم، وحين أجبت على سؤال الدكتور سالم، ذكرت اسم من كان يأتي لمصر ليعطي بيعة النيابة للمرشد نيابة عن الإخوان الجدد بالإمارات، وفوجئت أثناء المؤتمر أنه أحد المقبوض عليهم، وثار عليَّ إخوان الإمارات وكأنني هتكت سترهم وأفشيت سرّهم، ونفى منهم من نفى أن هناك بيعة تـُعطى منهم لمرشد الإخوان في مصر، مع أن المسألة بديهية، فإخوان الإمارات هم جزء من التنظيم الدولي للجماعة والقواعد تسري على الجميع بلا استثناء.
ومع ذلك - ولو فرض جدلا بأنهم لم يكونوا يعطون بيعة لمرشد مصر - لكنهم كانوا يعطون بيعة لمراقب الإخوان في الإمارات، الذي هو بمثابة المرشد، وهم لم ينكروا هذا بل لا يستطيعون الإنكار من الأصل، إذ أن البيعة من ثوابت الجماعة، "ومن لم يبايع لا يدافع"، وهذه قاعدة إخوانية معناها أن الذي لم يبايع لا يعتبر منتميا للإخوان وبالتالي ليست له حقوق ولا عليه واجبات الأخ، فهل فكرة بيعة إخوان الإمارات لشخص آخر غير الحاكم تعتبر بيعة شرعية ووطنية، هل يجوز لواحد من آحاد الناس أن يبايع على السمع والطاعة في كل شيء - شخصا ما - وهناك حاكم في البلاد تم أخذ البيعة له؟.
بالنسبة للوطنية فهذه خيانة للوطن، والإخوان لا يأبهون بالوطن ولا الوطنية، فمن قال ذات يوم: "طظ في مصر" - المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف - يسهل عليه أن يقول: "طظ في الإمارات أو تونس أو السودان أو اليمن"، ومن قال إنه "يقبل أن يحكم مصر شخص ماليزيٌّ"، فلن يرمش له طرف إذا حكم الإمارات كويتيُّ أو مصري أو فلسطيني أو حتى بنميٌّ، فالإخوان لا يعرفون لغة الأوطان ولا يهتمون بها، ولذلك فإنني - وبعد سنوات قضيتها داخل الجماعة أبحث عن الحقيقة، وبعد سنوات خارج الجماعة رأيت فيها الحقيقة - انتهيت إلى أن، وأنا رجل قانون، البيعة تعتبر خيانة للوطن، أي أنها جريمة من جرائم الخيانة العظمى، ولكن للأسف الشديد كان يساق لها الشباب الأبرياء الذين تم اللعب بعقولهم وأفئدتهم باسم الدين.
أما عن الحكم الشرعي فقد فصّله العلماء كثيرا وأظهروا فساد هذه البيعة وعدم شرعيتها، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من أتاكم وأمركم جميعاً على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه"، والذي استقر عليه العلماء هو أن الإخوان يبايعون مرشدهم بيعة لا تجوز في الأصل إلا لوليّ الأمر الذي ارتضاه المسلمون حاكما لهم، ومن ثمّ لا يجوز - بأيّة حال من الأحوال - أن يبايع أي مسلم مسلما آخر بهذه الضوابط من السمع والطاعة في المنشط والمكره وغيرهما، ومن فعل ذلك فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، ولم أر أثرا صحيحا - ولا ضعيفا ولا حتى موضوعا - لفرقة أو جماعة من المسلمين بايعوا رجلا آخر غير إمام المسلمين، إلا الخوارج والمعتزلة، ولذلك فإن هؤلاء يسيرون على نهج الخوارج شبرا بشبر وصاعا بصاع.
أما لماذا أكتب هذا الآن، فلأنني آثرت الصمت وعدم الحديث في هذا الشأن لحين أن يصدر الحكم من محكمة الإمارات العليا، أما وقد صدر الحكم وأدين من أدين وبُرِّئ من بُرِّئ فحقٌّ لي أن أتكلم عن وقائع كنت شاهدا على أيامها، والمعنى الذي يجب أن يستقر في أذهان الناس كافة، هو أن الإخوان كذابون حتى النخاع، ولكم فيما يحدث منهم في مصر مثل.