الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصورة وتزييف الواقع «3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رأى «أفلاطون» – فى معرض حديثه عن كيفية الرؤية أو الإبصار – أن البصر ينبعث منه ما سماه «النار الإلهية» أو «القوة النورية»، فإذا ما خرجت النار الإلهية من البصر فى ضوء النهار اتصلت بذلك النور الذى من نوعها، وإذا اتصل المثل بالمثل (أو الشبيه بالشبيه) على هذه الكيفية اندمجا واتحدا وتكون منهما «الشعاع» الذى به يدرك البصر المُبصَر. أما «أرسطو» وإن عارض مذهب «أفلاطون» فى القول بالشعاع الذى يعزى إليه– فى نهاية الأمر– الرؤية أو الإبصار، فقد لجأ إلى فكرة الانعكاس فى كتبه الطبيعية عند تفسيره بعض الظواهر الضوئية والجوية مما يُرى فى السماء، كالأثرين: قوس قزح والهالة، وذهب إلى أن القطرات – المرايا إنما تعكس لون الشمس لأشكالها أو هيئتها؛ بل هناك ما هو أكثر من ذلك: فهى أثناء سقوطها اللامحدود وبلا انقطاع، تقدم اللون نفسه، بحيث لا نرى صورًا متعددة ومنفصلة، وإنما صورة واحدة طويلة ومتصلة. وقد عرض «سنيكا» (Seneca (٣ B.C – ٦٥ A.D هذه النظرية فى كتابه «أمور الطبيعة»، حيث رأى أن قطرات الماء التى تسقط بأعداد لا حصر لها؛ هى مرايا وصور أو تمثلات للشمس، وتساءل «أبوليوس» (Apuleius١٢٥ – ١٨٠ A.D) عن سبب رؤية المرء لقوس قزح بألوانه المختلفة فى السحاب، أو أن يرى شمسًا زائفة تنافس الشمس الواقعية الأصلية من حيث المظهر. ويرجع اهتمام مجموعة من الفلاسفة فى العالم اليونانى – الرومانى بموضوع الصورة (أو مفهوم الرؤية)، لا من حيث إنها تعكس الواقع وتعبر عن الحقيقة على نحو دقيق؛ وإنما باعتبار أنها تصنع أوهامًا ومظاهر خادعة، لذلك كانت الصورة عندهم رمزًا للمحاكاة الفارغة والظلال العابرة، فضلًا عن الزيف والخطأ. 
ولم تكن نظرة العلماء إلى هذه المسألة مختلفة كثيرًا عن نظرة الفلاسفة، فابن «الهيثم» (٩٦٥ – ١٠٤٠) مثلًا يستخدم كلمة «الأغلاط» فى كتابه «المناظر»، ليستبعد ما يمكن اعتباره صورة أو مرآة معصومة من الخطأ، فنراه يبحث بحثًا مستفيضًا فى أغلاط البصر أو صور المُبصرات بالانعكاس. يقول فى المقالة الثالثة: «إن البصر قد يعرض له الغلط فى كثير مما يدركه من المُبصرات، ويدركها على خلاف ما هى عليه، فإذا أدرك مبصرًا من المُبصرات، وكان على بعد متفاوت، فإنه يدرك مقداره أصغر من مقداره الحقيقى، وإذا كان المُبصر قريبًا جدًا من البصر أدرك مقداره أعظم من مقداره الحقيقى، وإذا أدرك البصر شكلًا مربعًا أو كثير الأضلاع من البعد المتفاوت أدركه مستديرًا إذا كان متساوى الأقطار ومستطيلًا إذا كان مختلف الأقطار.. وأمثال هذه المعانى كثيرة وكثيرة الأنواع. وجميع ما يدركه البصر على هذه الصفة فهو غالط فيه. إذن فالأغلاط أو المغالطات الناشئة عن الصور أو المرايا المختلفة، والتى أثارت فلاسفة مثل: «أفلاطون» و«أبوليوس»، قد صيغت صياغات رياضية مع براهين هندسية، وأخذت شكل النظريات عند «إقليدس» Euclid (٣٢٣ – ٢٨٣ B.C) و«هيرون السكندري» (Heron of Alexandria (١٢٥ – ١٨٠ A.D) و«ابن الهيثم». فعلم الصورة أو المرايا – سواء بالنسبة إلى علماء الرياضة أو الفلاسفة أو الشعراء – هو علم الوهم والخيال والخداع.