الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باحثة البادية وتحرير المرأة «10»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل «البوابة» نشر حلقات الدراسة الأخيرة التي كتبها المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد عن باحثة البادية -ملك حفني ناصف- قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته
يبدو أنه بدافع ما، ربما كان انتقادًا لأسلوبها المترفع والملىء بالألفاظ الغليظة سواء أتى من الجريدة أو من غيرها جاء مقال ملك حنفى ناصف بعنوان «احترام الآراء وآداب الانتقاد». ونقرأ أسلوبًا راقيًا مختلفًا عن كل ما سبق إذ تحدثت عن العلاقة بين الكاتب والقارئ فتقول: «إن شئت فقل هما سلك الكهرباء بين ذهن المرء ومن يخاطبهم أو يكتب لهم. رسالة تنقل عنه حقيقة أخلاقه حرفًا حرفًا فالفضائل والرذائل كل فى الأشخاص، والمتكلم أو الكاتب تظهر أخلاقهما جلية فيما يقولانه أو يكتبانه وإن حاولا إخفاءها لأن الطبع غالب أما التطبع فقليل الستر فإن دارى شيئًا تظهر منه أشياء» ثم يقول «فإذا قرأت كتابة شخص لم تلحظه عيناك أمكنك بالتفرس فيها أن تحكم على أخلاقه بالإجمال، والمتكلف تعرف من كتابته بأن لا يزال ينتقى الألفاظ المعقدة ويتقعر فى أسلوب إنشائه ليدل على علمه وبراعته». ثم تقول «والكاتب والمفكر يخطئ إذا لام معارضيه على وقاحتهم فى الرد عليه، أو النظر إلى فكرته بغير العين التى تستحقها لأنهم معذورون إذ لا يمكنهم التجرد عن غرائزهم ولا يستطيعون نزع نفوسهم أو تنزع أرواحهم من جسومهم» [صـ٦٦]، وعلى هذا المنوال يمضى المقال بما يخرج به عن موضوع دراستنا لكنه يكتسب أهمية لنا ونحن نسعى للتعرف على باحثه البادية. ونأتى بعد ذلك إلى المقال رقم ١٨ [صـ٦٩] وعنوانه «لماذا يُضيع الرجل تأثيره الحسن فى أسرته» وكهذا نعود إلى تعامل باحثة البادية مع أوضاع النساء وعلاقتهن بالرجال وتقول: «يأخذ منى العجب مأخذه كلما دخلت بيت أحد العلماء ورأيت نساءه على جهل مطبق، وتنال منى الدهشة كلما سمعت أن ابنه فلان الغيور تتبدى غاية فى الخلاعة، وإن أخت ذلك المستنير تدعو أترابها إلى حفلة زار، وأن أطفال ذلك الأستاذ المثقف تثقلهم الأحجبة والتمائم، وأكاد أحزن إذا سألت امرأة الصحفى المشهور وهى تعرف القراءة وتدعى العلم هل تعرف مبدأ زوجها السياسى فتجيبنى ببرود: «إنها لا تقرأ الجرائد ولا تشتغل بمعرفة المبادئ، ويحزننى جهل هؤلاء أكثر مما آسف لجهل عامة النساء» [صـ٦٩]، ثم تقول إذا رأيت ابنة شيخ الإسلام لا تقيم الصلاة، وإذا حادثت زوجة الطبيب فوجدتها لا تفرق بين فعل الأدوية الأكيد وبين تأثير الأحجبة والتعاويذ فى شفاء الأمراض، ثم تتساءل: «إما أن يكون الرجل الذى يشتغل بالعلم لا يشعر به حقيقة وإنما يتظاهر به ليتذرع إلى كسب معاش أو احترام، وإما أنه صادق فى ادعائه ولكنه لا يختلط كثيرًا بأفراد أسرته ولا يوضح لهم آراءه ومذاهبه وهذا هو الغالب فى رجالنا» [صـ٧٠]، ثم هى تحذر الأب من أن «يتكبر على أهله وأولاده فيظهر لهم بمظهر الجبار العنيف ويظن أن ذلك استجلابًا للهيبة بينما هو لا يعرف ماذا يشعرون» ثم تقول: «إن الهيبة واجبة فى حد الاعتدال ولكنها إذا زادت تعدت إلى الخوف فيفقد الوالد الرحمة على أولاده ويفقدون هم كثيرًا من المحبة والثقة بوالدهم، ولهذا السبب تجد أغلب الأطفال يحبون والدتهم أكثر من آبائهم» [صـ٧١].
ثم نمضى سريعًا إلى موضوع آخر فى مقال آخر [رقم ١٩] وعنوانه «الكلفة بين الزوجين» وتبدأ ملك حفنى ناصف ملاحظة «أن بين الزوجين الحضريين من أهل مصر تكلف لا يتفق مع ما يريده الله لهما من سكون الواحد إلى صاحبه» [صـ٧٣] وتلاحظ باحثة البادية أن الزوجة عندنا تقول لزوجها «يا سيدى أو يا أفندى وهو يناديها بقوله يا هانم» تقول «أعرف نساء وأسمع عن أخريات تظل أحداهن مرتجفة أمام زوجها تخطئ إذا نطقت وتتعثر إذا مشت، وتكسر وجهها الصفرة إذا سمعت صوته فيا سبحان الله أى سعادة فى تلك العيشة النكدة عيشة الخوف والخجل.. ويصدق فى هذا النوع من الرجال المثل القائل «أسد على وفى الحروب نعامة» ثم هى تقدم ملاحظة منصفة «تعجبنى طريقة العرب والفلاحين والفرنجة فى معاملة أزواجهم ينادى الرجل زوجته باسمها وتناديه باسمه تشاركه الراحة والتعب وتقاسمه الطعام، وإذا غضب عليها أظهرت له الشمم والآباء، فإن حاسنها حاسنته وأن التوى لم تقصر فى كيل الصاع صاعين» ثم تقول «أما طبقتنا نحن نساء الحضر فلا يماثلها فى العالم طبقة فى الجمع بين الأضداد، فكم من امرأة تقبل إهانة زوجها لها صاغرة وكم من أخرى تلدغها أصابعه لدغ الأفعى فتجعل من دمعها المدرار ترياقا لها ثم لا تلبث أن تستغفره كأنها هى المذنبة على حد قول الشاعر: 
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم.. وتذنبون فنأتيكم ونعتذر 
وفى النهاية توضح باحثة البادية أحد أسباب إذلال الرجل لزوجته فتقول: «إن الزوجة بتحملها أذى زوجها لا تعتقد أنها ذليلة له ولكنها تخضع له صاغرة لاحتياجها إلى إنفاقه عليها أو حبًا بأولادها وخوفًا عليهم من أن يذلهم بعدها. وهذا الخضوع وإن كان يعلمها الصبر الجميل إلا أنه تكلف وتصنع، فالحاجة والحياء يغطيان جراحها حتى تمتلئ صديدًا وصدودًا». [صـ٧٦] 
.. ونأتى بعد ذلك إلى مقالات أخرى كثيرة يتخذ طابعها اجتماعيًا وبعضه يبذل الجهد ليدافع عن المرأة وعن تحريرها وحريتها وتقدمها.. ونواصل.