الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

لكل الأعمال العظيمة بدايات سخيفة.. حكاية ألبير كامو

والروائي الفرنسي
والروائي الفرنسي الكبير ألبير كامو
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم أعماله الأدبية القليلة، إلا أن الفيلسوف والروائي الفرنسي الكبير ألبير كامو يظل واحدًا ممن تركوا بصمة مميزة في الثقافة والفكر لا يزال ممتدًا إلى الآن؛ كذلك فإن عمره القصير، الذي لم يتجاوز النصف قرن، إضافة إلى حياته الغير مستقلة التي كان فيها أشبه بالعابر، أو كما أطلق هو على أهم رواياته "الغريب".
ولد كامو في نوفمبر عام 1913 لعائلة من المستوطنين الفرنسيين في الجزائر إبان فترة الاحتلال الفرنسي، وكانت والدته من أصول اسبانية؛ لكن سرعان ما توفى والده في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى، ليحيا مع والدته في الجزائر في ظروفًا من الفقر والعوز.
لم يترك الحظ السيء الفرنسي الشاب، فقد أصيب بمرض السل أثناء دراسته الجامعية في الجزائر، وأثر ذلك على دراسته ومزاولته الرياضة، وعمل خلال سنوات دراسته في أعمال يدوية بسيطة، وحصل على إجازته في الفلسفة العام 1935، وفي العام اللاحق قدم بحثه في الأفلاطونية الجديدة، والتحق بالحزب الشيوعي الفرنسي العام 1934، وذلك مساندة للوضع السياسي في إسبانيا أكثر مما كان إيمانا بالماركسية– اللينينية.
في عام 1936 شارك كامو في نشاطات شيوعية جزائرية تنادي بالاستقلال، ولم يعجب ذلك رفاقه في الحزب الشيوعي الفرنسي الذين وصموه بالتروتسكية، الأمر الذي عزز انفصامه عن العقيدة الستالينية، وقد عمل كامو بشكل متقطع في المسرح والصحافة وكتب أثناء عمله الصحفي عن ظروف العرب السيئة الأمر الذي كلفه وظيفته.
مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان كامو من دعاة السلام في البداية لكن فيما بعد -عندما أعدم النازيون جابرييل بيري- تبلور موقفه من المقاومة ضد الاحتلال النازي وانضم إلى خلية "الكفاح"، وعمل محررا لجريدة تحمل نفس الاسم، وكان أحد المؤسسين لجريدة الجزائر الجمهورية برفقة كاتب ياسين؛ وانضم كامو في هذه الفترة إلى الكتائب الفرنسية، التي تدافع عن استقلال فرنسا وتحارب المحتل النازي، وبعد رحيل الألمان عن فرنسا، عاد كامو إلى الجزائر ورأى فظاعة ما يفعله الجنود الفرنسيون في الجزائر والفقر المدقع الذي يعيش فيه الشعب الجزائري بسبب الاحتلال الفرنسي.
في العام 1942 انتقل كامو إلى بوردو، وأنهى في هذا العام أول مؤلفاته "الغريب"، و"أسطورة سيزيف"، وفي عام 1943 التقى بالفيلسوف المعروف جان بول سارتر في افتتاح مسرحية "الذباب" التي كتبها الأخير، ونشأت بينهما صداقة عميقة نتيجة تشابه الأفكار بينهما وإعجاب كل منهما بالآخر الذي كان قبل اللقاء بسنوات من خلال قراءة كل منهما كتابات الآخر؛ لكن بعد سنوات من إيمان كامو بالوجودية وقيامه بالتنظير والكتابة والتبشير بها كفلسفة جديدة، تغير موقفه من الوجودية وتحول إلى الفلسفة العبثية، هذا التحول الذي كان سببًا في افتراقه عن صديق العمر وشريك الفكر جان بول سارتر، وكان الدافع لهذا التحول هو ما شاهده كامو من دمار وعبثية الحرب العالمية الثانية، خصوصًا ما رآه من أفعال الجنود الألمان الذين احتلوا فرنسا.
من أهم إنجازات كامو الفلسفية "كرة العبث" أو اللامعقول وهي الفكرة الناتجة عن حاجتنا إلى الوضوح والمعني في عالم ملئ بظروف لا تقدم لا الوضوح ولا المعنى، وهي الفكرة التي أبدع في تقديمها في "أسطورة سيزيف"، وفي الكثير من أعماله الأدبية يرى البعض أن كامو لم يكن وجوديا بقدر ما كان عبثيًا؛ وفي الخمسينات من القرن العشرين تفرغ للعمل الإنساني، واستقال من منصبه في منظمة اليونسكو عام 1952 احتجاجا على قبول الأمم المتحدة عضوية إسبانيا وهي تحت حكم الجنرال فرانكو، وهو واحدًا من رموز الديكتاتورية في أوروبا، وفي الفترة ما بين عامي 1955 و1956، كتب لصحيفة "الاكسبريس" وحاز في العام التالي على جائزة "نوبل" في الآداب، عن سلسلة المقالات التي كتبها وانتقد فيها عقوبة الإعدام.
في الرابع من يناير العام 1960، توفي كامو عن عمر ناهز ستة وأربعين عامًا، ولم يكن مر على منحه جائزة نوبل للأدب إلا عامان، حيث اصطدمت السيارة التي كان ذاهبًا فيها إلى باريس، والتي كان يقودها بسرعة كبيرة صديقه ميشيل جاليمار، بشجرة ضخمة، وعم الحزن والاضطراب لوفاته وتوالت المقالات في الصحف والإذاعات بأعداد كبيرة رثاء له.