الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

دير السلطان المغتصب.. ينتظر تدخل الدولة

أسرار وكواليس تنشر لأول مرة..

دير السلطان فى القدس
دير السلطان فى القدس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم الوثائق والأحكام التى تثبت ملكية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدير «السلطان» بالأراضى المقدسة بفلسطين، ما زال الأحباش قابعين على حق مغتصب مملوك للدولة المصرية والكنيسة القبطية، ويحاولون التعامل معه وفق أهوائهم مفتعلين أزمات ما بين الحين والآخر فى محاولة لفرض السيطرة على أملاك الغير. «البوابة» تفتح ملف الأزمة بين رهبان الأقباط والأحباش، وتقلب فى التواريخ وتكشف ما وراء الكواليس وأسرار الوثائق والمستندات واللقاءات والتدخلات وأصابع الدول الخارجية فى إدارة الأزمة منذ سنوات.
الراهب أكد امتلاك وثائق تثبت تبعيته لـ«الكنيسة المصرية»


يسطس الأورشليمى: «الأحباش» رفضوا كل الحلول وأصروا على موقفهم
بين مُجلدات عدة وكتب كثيرة فى مكتبات الكنائس لم نجد رصدًا وافيا لأملاك الكنيسة المصرية بالأراضى المقدسة، سوى سطور بين أوراق الكتب، الأمر الذى كان حافزًا للراهب القس والباحث منذ المهد، يسطس، الذى يصفونه بـ «الأورشليمي» لإعداد كتاب يجمع بين 424 صفحة يضم ممتلكات الكنيسة المعروف منها والمجهول.
ترصد 10 سنوات من البحث والتدقيق سعى خلالها راهب شاءت الظروف أن تدفعه إلى أرض المدينة المقدسة بعد إعداده كباحث من طراز فريد ليكون كاتبا للتاريخ ومسجلا للأملاك فى دفتر أحوال الكنيسة بكتاب حديث، استضافت «البوابة» «القس يسطس».. ليكشف الستار حقيقة إصابة المطران الراحل للقدس بالعمي، وواقعة الاشتباك بين الأقباط والأحباش.
■ كيف تعايشتم فى ظل توتر الأوضاع؟
- الحياة تستمر فى صورتها العادية، كانت خدمتنا ما بين الكنيسة والدير هناك جزء داخل كنيسة القيامة وجزء من أملاك الكنيسة خارج القدس مثل الكلية الأنطونية – من الحضانة إلى الثانوية العامة - فى بيت حنين شمال القدس، نعبر الأكمنة والحواجز العسكرية كرجال دين مسيحى بـ
«الباسبور» المصري، أما عن المضايقات بالطبع فموجودة فى ظل الصراعات القائمة، أما نحن فنتعامل مع الإنسان كإنسان دون النظر إلى جنسه أودينه.
■ سبق وحدث صدام بين رجال الدين المسيحى من الطوائف المختلفة.. فماذا حدث؟
- لم يكن الخلاف بين رجال الدين، إنما بين أبناء الطوائف وبعضه، مثل ما جرى خلال عام ١٩٩٨، والاشتباك بين أبناء الأرمن والسريان، وبين الروم والكاثوليك، خلال الاحتفالات الرسمية. ويأتى ذلك نتيجة عدم معرفة لغة بعضهما البعض أحيانا، أو لخلافات خارج أسوار الكنيسة بين المدنيين وبعضهم، تجددت خلال طواف الموكب الاحتفالى مما يؤدى للاشتباك والعراك، ورجال الدين يحاولون وأد الأزمة، ولكن قبل السيطرة يكون الخبر انتشر.
وأود أن أشير إلى أن المدنيين من أبناء الطوائف يرتدون زى الكنيسة الخاص بطائفة كل منهما خلال الاحتفال كنوع من الافتخار، ولذا يتخيل البعض أن «العراك» بين رجال الدين وبعضهم، ولكن حقيقة الأمر هى مشاجرة شباب.
■ ما حقيقة اعتداء الأحباش على المطران الراحل الأنبا أبراهام مما أصابه بالعمى؟
- الأنبا أبراهام كان مريضًا بالسكر قبل الرهبنة، وعيناه كانت ضعيفة، مما أصابه بحالة نادرة وهى «غشاء ضبابي» رغم إجراء عمليات جراحية للعين فى القدس وأخرى فى كليفلاند، وعاد المرض نتيجة الضغوط والانفعالات لما يدور فى محيط خدمته من احتكاكات، وبالفعل فى عام ٢٠٠٣ ألقى أحد الأحباش حجرا عليه مما أزاد الضرر على عينيه مع تقدم السن.
■ وما الدافع الذى جعل رهبان الأحباش يعتدون على مطران القدس الراحل؟
الأحباش خلال تلك الفترة سعوا لتجديدات فى دير السلطان، وقدموا على طلب إدخال كهرباء ٣ فاز – آنذاك – دون موافقتنا، ونحن المالك الأصلى للدير بالوثائق والمستندات وبحكم قضائى ينتظر التنفيذ منذ سنوات، ولكن أمره تحول إلى مسار سياسى ولذا مُعطل التنفيذ.
وحال رفضنا إدخال الكهرباء وإجراء ترميمات دون موافقة الكنيسة القبطية باعتبارها المالك، وخاطبنا وزارة شئون الأديان والداخلية، بدأ الأحباش التضييق على الراهب القبطى الوحيد الموجود فى قلاية « الأباتي» وفق اتفاقية الإستاتيكو، وحال خروج الراهب القبطى من قلايته للمكوث فى ساحة الدير – كنوع من إثبات الملكية – وفق الاتفاقية، كان الأحباش يعتدون عليه، مما دعا مخاطبنا الداخلية التى بدورها عُينت حراسة من الجنود، وفى يوم تزايد امتهان الأحباش بالراهب أمام الجنود دون رادع، وكان رجلا مُسنا، ولما رأى سيدنا الأنبا إبراهام «بهدلة» الراهب المسن، نزل من دير الأنبا انطونيوس – المجاور لدير السلطان - وتوجه إلى ساحة الأخير لمخاطبة الأحباش بألا يجوز الاعتداء على راهب، وبمجرد دخوله وجد وابلا من الطوب والحجارة ينهال عليه يوم ٣١ يوليو ٢٠٠٣، مما دفعنا كرهبان أقباط للتدخل بعد التجاوز فى حق مطرانهم، ووقع اشتباك أدى لإصابات من الجانبين، وبعدها حالة المطران الصحية تدهورت.
■ وما استفادة الأقباط من اتفاقية «الإستاتيكو»؟
- الإستاتيكو معاهدة أبرمت فى ألمانيا عام ١٨٧٣ ميلاديًا طرفى الاتفاق أوروبا من جانب والدولة العثمانية، وهدفها الأساسى الحفاظ على الوضع الراهن لضمان وجود الجميع ومن بينهما الأحباش باعتبارها طائفة ضمن الكنيسة القبطية نظرًا لكونها كنيسة واحدة قبل ١٨٧٥ ميلاديًا.
والاتفاقية ضمنت الحال على ما هو عليه بأحقية الأحباش فى استضافة المسافر، ويحتفلون بعيد الصليب والقيامة فى ساحة الدير، وكانوا حينها يقطن الأحباش غرفتين فقط فى ساحة دير السلطان، ويصلون فيهما بعد قيام الراهب القبطى الموجود بالدير ببداية الصلاة.
ولكن رغم الاتفاقية وغيرها، قام رهبان الأحباش باغتصاب الدير، وسيطروا على الكنيستين المتواجدتين بدير السلطان، وهما «كنيسة الأربعة أحياء والملاك ميخائيل»، وسبق وعرضنا أن يأخذوا كنيسة خارج دير السلطان ويتركوا الكنيستين المتواجدتين بالدير ولكنهم رفضوا.
■ أول تطبيق للخط الهمايونى جرىء بالقدس.. ما فائدته فى رأيك؟
- الخط الهمايونى بالأساس وضع لتسهيل بناء الكنائس فى الولايات العثمانية وليس تعقيدها وأساسًا أعدّ من أجل فلسطين لما كان فيها من صراع بين الطوائف وبعدها تم تعميم القانون، واستفادت منه الكنائس فى مصر وسوريا، خاصة فى ظل نفوذ الدول الطوائف المدعومة من دول غربية فى تحقيق طلبات بناء كنائسها.
■ عدد ترتيب رعايا الطوائف المسيحية بالقدس وفق الكثافة العددية.. وما أملاكنا داخل كنيسة القيامة؟
- الروم الأرثوذكس تعد الأولى من حيث الأقدمية والأملاك، وبعدها الكاثوليك من خلال حراسات الرهبان الفرنسسكان أكثر عددا من الأقباط، ولذا تعد الكنيسة القبطية فى الترتيب الرابع بين الطوائف، ولكنيستنا أملاك داخل كنيسة القيامة، لدينا هيكل داخل كنيسة القيامة و٤ قناديل داخل القبر المقدس، ولدينا سكنان للرهبان جوة كنيسة القيامة، ولنا حق الصلاة ٣ قداسات.
ولنا قنديل على حجر المُغتسل، وقنديل على حجر الملاك، ولنا حق عمل دورة بخور مرتين، الأولى الواحدة ظهرا والثانية ١١ مساء،وهو طقس عادة يؤدى لضمان حقوق الكنيسة، ولذا يقوم به كاهن أو شماس أرثوذكسى بما يحفظ حق الكنيسة القبطية بممتلكاتها داخل كنيسة القيامة.
■ وحال مرور يوم دون أداء الطقس المعتاد والمرور بالبخور على ممتلكات الأقباط.. ماذا يجري؟
- لو تكرر الأمر يعتبره الطوائف الأخرى إهمالا فى أداء الطقس المعروف، وحينها تقوم بإخطارك مرتين، وبعدها تأول حقوق الكنيسة المقصرة إلى الطائفة الأكبر مثلما جرى مع السريان، لا يحق لهما سوى قداس واحد يوم الأحد ومبيت ليلة سبت النور فقط.
■ لماذا يقوم بطريرك الروم الأرثوذكس – دون غيره من الطوائف بدخول القبر المقدس ليلة ظهور النور المقدس؟
- نظرًا لأن طائفة الروم الأرثوذكس هى الأكبر عددا وأقدم فى التواجد بالمدينة المقدسة.
■ سخرت ١٠ سنين من عمرك بالقدس لإعداد كتاب «أملاك الكرسى والشرق الأدنى للأقباط».. لماذا؟
- نظرًا لعدم وجود كتب تبرز دور الكنيسة القبطية فى الأراضى المقدسة، بالإضافة لعدم ما يفيد بأملاكها بحيز بنطاق الكرسى الأورشليمي، سواء فى مكتبة الكنيسة، أو الكتب الصادرة عن الطوائف المسيحية الأخرى التى لم تتطرق إلى دور الكنيسة القبطية بالقدس.
■ وما ممتلكات الكنيسة القبطية بالمدينة المقدسة؟
- للكنيسة القبطية العديد من الأملاك يتناولها الكتاب ويبرزها، وأعد حاليًا كتابا عن دور الأشخاص الأقباط فى المدينة المقدسة، والجزء الثالث سيتناول أشهر الكنائس القبطية ذات الأسماء الإسلامية نموذج دير السلطان،فى المدينة المقدسة لدينا هيكل السيدة العذراء بكنيسة القيامة، المقر السكنى (التخت الدخلى) للرهبان الأقباط داخل كنيسة القيامة، ومقر سكن آخر للرهبان الأقباط فى غرب الباب الرئيسى لكنيسة القيامة والجرس والقناديل والشموع المواكب الرسمية صلوات السواعى والقداسات دورات النور المقدس والبخور.
وكنيسة المجدلية أنشأها الأرخن القبطى مقارة النبراوى، ودير الملاك ميخائيل المسمى دير السلطان، وبه كنيسة أخرى تحمل اسم الأربعة أحياء غير المتجسدين، ودير مار أنطونيوس وهو مقر بطريريكية الأقباط الأرثوذكس بالقدس، وكنيسة مار يعقوب مقرا رسميا للبطريركيه بعد تجديد كنيسته وأساساته القديمة.
وأيضًا بالنظر لمستودع مياه القديسة هيلانة الذى يوجد بداخل كنيسة قبطية صغيرة باسمها فى الدور الأرضي، يوجد بالطابق الثانى من ذلك الدير كاتدرائية الأنبا انطونيوس، وتطل على دير السلطان وكنيسة القيامة كما توجد كنيسة الأنبا بيشوى التى افتتحها الأنبا إبراهام عام ١٩٩٦ م.
كما تمتلك الكنيسة القبطية الكلية الأنطونية وبجوارها سكن المعلمين، وتوجد حجرة القربان (بيت لحم) وبعض قلالى الرهبان - ثم الطابق الأرضى والمدخل الرئيس للمقر البطريركى وتوجد قاعة كبيرة للضيافة التى بها الدرج المؤدى إلى مقر المطران الذى به الصالون الرسمى ومائدة وسكن للمطارنة الضيوف.
وفوق كنيسة الأنبا أنطونيوس توجد كنيسة ظهور السيدة العذراء التى ظهرت فى يونيو ١٩٥٤ م، وبجوارها مائدة الرهبان وسكن الرهبان ومشتملاته، ويبلغ مساحة دير الأنبا أنطونيوس البطريركية القبطية بالقدس ٢٥٠٠ متر مربع، واعترف المجمع المقدس القبطى فى القاهرة بدير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس بأورشليم فى جلسته المنعقدة بتاريخ ٢٩ مايو ١٩٩٩م.
■ نعود مجددًا إلى دير السلطان محل الأزمة.. هل سعت الكنيسة القبطية لحلول مع الأحباش؟
- بالطبع أعطينا لهم ٧ قلالى (سكن للرهبان) قرابة ٢٤٠ مترًا من مساحة الدير التى لا تتجاوز ألفى متر، وأيضا كنيسة من الاثنين المتواجدين بالدير، ولكنهما رفضوا الحلول مصرين على السيطرة الكاملة على الدير.
■ وفى رأيك.. من يملك حل أزمة دير السلطان خاصة فى ظل وجود وثائق وأحكام قضائية بأحقية الأقباط؟
- دير السلطان ملك للكنيسة القبطية المصرية، وتعتبر أراضى مصرية، ولدينا ٤٠ وثيقة جميعها تؤكد ذلك، بالإضافة إلى حكم المحكمة الإسرائيلية بأحقية الكنيسة فيه، ويحتاج الأمر إلى التدخل من جانب الدولة المصرية لاسترداد الأرض والتواصل مع الحكومة بالقدس لتنفيذ الحكم القضائي.
■ ماذا عن منع الأقباط من زيارة القدس؟
- الأمر جاء بقرار من المجمع المقدس، وكان أول المنادين به البابا كيرلس والأنبا باسيليوس مطران القدس، وجاء الباباوات واستكملوا المسيرة.
■ ماذا يحدث لو دخل الأقباط لزيارة دير السلطان؟
- يمكن دخولهم دير السلطان طالما فى زى مدنى ولم يتحاور معهم أحد ليتعرف الأحباش أن الزائر قبطيًا أم لا، إنما لو قلت ده ديري، ممكن يضربوك بالعصا.

ما رأيك فيما يقال بأن زيارة دير المحرق تعادل زيارة القدس.. وهل في القدس تحرصون علي الطقوس المعتاده بمصر توزيع الزيت البركة والحنوط؟

في رأيي لاشئ يعادل الأخر لكل مكان وموضوع بركته الخاصة، واود أن اشير بان بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس تحرص علي توزيع الزيت المبارك وتعُد الحنوط وفق طقوسها بمصر، ولديها جزء من اجساد القديسين إندراوس وزكا العشار، وجانب من رفات مارجرجس من مدينة اللد بفلسطين.

 


قصة دخول رهبان الأحباش إلى الدير 
مطران الأرثوذكس رفض تشريد رهبان الأحباش.. واستضافهم فى الدير منذ عام 1668 وحتى 1820
رهبان الأحباش كانوا متواجدين بكنيسة القيامة، ولهم نصيب فى جزء داخلها، ونظرًا لعدم قدرتهم على سداد الضريبة المحددة من الباب العالى الدولة العثمانية، طردوا عام ١٦٨٦ ميلادية، وسبق وطرد أيضًا رجال الدين التابعين لـ«جورجيا» عام ١٦٦٤ للسبب ذاته، وصدر فرمان من الباب العالى بأن من يسدد الضرائب المتأخرة لهؤلاء تؤل إليه أملاك الطوائف، أملاك الجورج والأحباش حصلت عليها طائفة الروم الأرثوذكس بعد سداد المتأخرات.
وتراكم متأخرات الضريبة على الأحباش -آنذاك- كان نتاج الحروب التى شهدتها الممالك الحبشية، وصعوبة إرسال دعم مادى لرعايا الحبشة فى القدس خلال القرن ١٧ الميلادي؛ ولم يقبل مطران الأقباط الأرثوذكس حينها تشريد رهبان الأحباش، فاستضافهم فى دير السلطان منذ عام ١٦٦٨ وحتى ١٨٢٠ ميلادية.
واحتاج الدير إلى أعمال ترميم، بحسب وثيقة أواخر القرن الـ ١٧ ميلادية، وتثبت ملكية الأقباط للدير بمخاطبة المهندسين أو المعمر باشى حينها لمطران الأقباط، وبدأت المشاكل تطفو على السطح فى عام ١٨٥٠ ميلادية فى القرن الـ ١٩ ميلادية.
وبدأت المشكلة نظرا لمطامع البرتغال والإنجليز والروس والطليان فى الحبشة، أرادوا أن يتقربوا من خلال الأحباش الذين بلا مكان فى القدس، وحينما بدأ منليك الأول والإمبراطورة زيؤ توتو -حماة هيلاسلاسى- إرسال أموال للأحباش بالقدس واشتروا مكانًا خارج المدينة القديمة.
بدأ قنصل إنجليزى يحرض رُهبان الأحباش على سرقة مفتاح دير السلطان، وعرض مساعدته لهم فى السيطرة على المكان بتدخله لدى الباب العالى الدولة العثمانية، مقابل مدّ جسور مع إمبراطور الحبشة، وبدأت تتفاقم المشاكل، وقدم الأحباش شكاوى عدة إلى الباب العالي، وتتقدم الكنيسة القبطية بما يثبت ملكيتها للدير. وحينما جاء منليك الثانى ١٩٠٢ ميلادية، ملك منطقة شوّ بالحبشة، هدد بعدم التعامل مع الكنيسة القبطية إلا بعد ترك دير السلطان للأحباش، ومن شجعه على ذلك الأنبا متأوس، أسقف مصرى بمدينة شو بالحبشة وطمح رسامته مطرانًا، وبالفعل حصل على رتبة المطران، بعد حبس منليك الأول للمطران الأصلي، وهو الأنبا مرقس، ونزل متأوس مطران الحبشة مفوضًا من الملك هناك إلى مصر عام ١٩٠٢، وأدى الطقوس للرسامة مطرانا رسميا، وذهب بصحبة الأنبا يوساب مطران البحيرة والأنبا مرقس مطران إسنا، للقاء القنصل الإيطالى بالقدس بحضور مطران القدس القبطي، ووفق الترجمان الخاص بالقنصلية اطلعوا على أوراق الإثبات، وتبين أن دير السلطان قبطى، وأرادوا الأصول، وبينما أعطوه ملخصًا للأصول، وهى وثيقة قدمتها فى أمريكا وتعد ٢٥ بين وثائق لإثبات مصرية الدير. وفى ١٩٠٦ ميلادية، أرسلت الحبش وفدًا جمع شهادات من الطوائف الأخري، تثبت الوجود الحبشى بدير السلطان دون علم الأقباط، وتزامن مع تقديم الإنجليز رشوة للباب العالى لدعم تواجد الرهبان الأحباش فى دير السلطان، مما أدى إلى أحقيتهم فى فتح باب خاص بهم.




مستندات وحجج تثبت ملكيته للكنيسة القبطية
ترجع أهمية دير السلطان لكونه جزءًا من كنيسة القيامة، التى تتكون من البستان المقدس والكنيسة على الطراز البازيليكى، الجزء الخاص بالقبر المقدس، وكانت الملكة هيلانة قد استعانت بكل من المصريين والسريان فى بناء الكنيسة لقربهم من الأراضى المقدسة، وما لهم من حضارة وتبعية للإمبراطورية البيزنطية؛ حيث إن لهم تاريخًا فى البناء والعمارة. 
وحضر فى ذلك الوقت لتدشين الكنيسة، بطريرك الإسكندرية القديس إثناسيوس الرسول، بطريرك أنطاكية وأسقف أورشليم ماكسيموس، واستاكيوس مطران قيصرية، الذى كانت له الولاية على الأراضى المقدسة. وتقول كتب التاريخ إن الملكة هيلانة قد وهبت الأقباط الجزء الواقع من شمال شرق كنيسة القيامة؛ حيث تقع بئر الماء التى استخدمت مياهها فى بناء كنيسة القيامة ومعظم كنائس مدينة القدس. 
ولقد خلد الأقباط اسم الملكة بإطلاقه على هذه البئر تكريمًا لها، وأنشأوا فوق هذه البئر كنيسة باسمها وباسم ابنها تخليدا لذكرى الملكة، واستمر هذا الوضع للكنيسة حتى منتصف القرن التاسع، عندما استقل عدد من قادة الجيش عن الخليفة، وفى الفوضى التى تلت هذا الحدث، دمرت كنائس فى الرملة وعسقلان، ونتيجة لاستعادة الإمبراطور نيكوفوروس لقبرص عام ٩٦٤م وكريت عام ٩٦٩م، واحتلال خليفته يوحنا تسيميسكس البطريرك يوحنا السابع دنست كنيسة القيامة، وكان البطريرك يوحنا قد حض سابقا الإمبراطور على التحرك السريع إلى الديار المقدسة.
وفى عام ٩٦٩م، استولى الفاطميون الشيعة فى شمال إفريقيا على السلطة فى مصر، وبسطوا سيادتهم حتى فلسطين، وكان الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله (٩٦٩م-١٠٢١م) أشدهم فتكًا، فقد أمر بإيقاف الحج إلى البلاد المقدسة وأحرق الصلبان حيث علم بوجودها.
كما منعت مسيرة أحد السعف (الشعانين) فى القدس فى أسبوع الآلام، وفى ٢٨ سبتمبر من عام ١٠٠٨م، أمر الحاكم بتدمير كنيسة القيامة، بادعاء أن مراسيم سبت النور الفصيحة ما هى إلا أضاليل، وبحلول عام ١٠٢٤م نهب ودمر ما يقرب من ثلاثين ألف كنيسة ضمن منطقة حكم الفاطميين، حسب الفرمان الصادر منه القائل: «أمر الإمامة بهدم القيامة ليكن سماؤها كأرضها وطولها كعرضها، ولكن بعد ذلك بقليل سمح للبطريرك نيكوفوروس أن يقيم الصلاة فى خرائب كنيسة القيامة، وبعد ذلك بثلاثة عقود عرض الإمبراطور البيزنطى قسطنطين موناخوس بعقد هدنة مع الحاكم بأمر الله، واتفق على تسريح أسرى عرب ممن كانوا فى عهدته لقاء السماح بأن يعيد موظفون بيزنطيون بناء كنيسة القيامة.
وأن يقوم الخليفة الفاطمى بإرسال الأموال اللازمة لبنائها والعمال المهرة المصريين (الأقباط) لإعادة بناء الكنيسة، وذلك شرط لوقف الحرب بينهما. وقد أدت قلة الأموال إلى عدم بناء الكنيسة على كامل مساحتها القديمة وبنائها بشكل أصغر، بحيث لم يبن إلا القبر المقدس بمساحة أصغر داخل رواق كبير، وترك الجزء الذى يسمى البستان المقدس دون بناء، وهو الذى استخدمه الولاة وجامعو الضرائب كمقر لهم.
وفى التاريخ أمثلة لرجال من القبط تولوا مناصب رفيعة بالقدس، وكانت الأديرة مثواهم، مثل: أبو اليمين قزمان بن مينا، الذى يقول عنه ساويروس بن المقفع المؤرخ المعاصر له، إنه (كان ناظرًا لكافور الأخشيدى (٩٦٥م)، ولما تملك المعز عيّنه فى القدس نظرا لحسد يعقوب بن كلس اليهودى الأصل له (٥٦:٢). ثم حدثت حرب فى القدس أدت إلى أن يخفى المال الذى جمعه لمصر خوفا من القرمطى حتى هزم، وعاد أبو اليمين إلى المعز بمائتى ألف دينار حصلها له (٥٨٢). ومنصور التلباني، ويقول يوحنا بن صاعد بن يحيى المعروف بابن القلزمي، الذى قام برحلات إلى القدس وغيرها فى النصف الثانى من القرن الحادى عشر.
وكان الغز لما ملكوا مدينة القدس.. استخدموا فى عمالة البلد رجلا نصرانيا يعقوبيا محبا للمسيح يعرف بمنصور التلبانى، وله زوجة مثله وهى معونة من يصل القدس من النصارى من مصر وغيرها، واستقر مسير أحد الأساقفة لتكريزها فتوجه فى برمهات سنة ٨٠٨ ميلادية. وجد بغط القس غبرايال الراهب كاتب القلاية فى زمن الأنبا يوأنس الطوخى (الثالث بعد المائة)، وكانت الغز لما ملكوا مدينة الشام والقدس، راعوا النصارى المقيمين بها وأنهم استخدموا إلى المتولى عمالة البلد جماعة النصارى الذين كانوا يتوجهون إلى دمشق الشام. والسرد التوضيحى يظهر أن دير الملاك المسمى «دير السلطان»، كان موجودًا من قبل عهد منصور التلبانى (٨٠٨ش – ١٠٩٢م)، وسمى كذلك لأن السلطان بناه ليكون بمثابة نزل أو استراحة لرسل السلطان وعماله فى طريقهم من مصر إلى الشام وغيرها أو العكس.
كما أن موظفى السلطان -ومن مهامهم تحصيل أموال الدولة- كانوا يلجأون إلى الأديرة ويحفظونها بها، باعتبارها المكان المأمون كما فعل أبو اليمن قزمان بين مينا الذى لما غزا القرامطة القدس أخفى فى الدير المال الذى جمعه للدولة حسبما مر ذكره.
ولدى الكنيسة القبطية المستندات الرسمية والوثائق الشرعية التى تثبت ملكية طائفتنا القبطية الأرثوذكسية لدير السلطان، الذى هو موضوع النزاع بيننا وبين الأحباش بالقدس. ومنها ٢١ من الحجج والوثائق الشرعية فى الكراسة التى أصدرها الأنبا تيموثاوس مطران الكرسى الأورشليمى ١٩٠٨م، وعشر وثائق أخرى إضافية فى مذكرت الأنبا باسيليوس الرابع ١٩٦١م، بخلاف الوثائق الخاصة بالوضع الأخير من عام ١٩٧٠ حتى اليوم.



كيف حافظت مطرانية الأقباط الأرثوذكس على حقها بكنيسة القبر المقدس؟
حرص أقباط القدس على الاشتراك فى ترميم كنيسة «القيامة» منذ أن شرعت الحكومة الفلسطينية فى التجديد، وإعداد الخطة اللازمة لتدعيم كنيسة القيامة والمهد، وإسناد العملية للمهندس وليم هارفى.
لم تتوان الكنيسة القبطية فى إثبات حقها فى المساهمة بأعمال الترميم كطائفة ذات شأن فى القيامة، وأيدتها فى ذلك حكومة الانتداب البريطانى بكتاب موجه من السكرتير العام لحكومة الانتداب إلى مطران الأقباط بتاريخ ٢ مايو سنة ١٩٣٦م.
فيما أمعنت طوائف الروم واللاتين والأرمن فى عنادها وادعت أنها وحدها صاحبة الحق فى كل ما يتعلق بكنيسة القيامة اضطرت حكومة فلسطين إلى أن تسلك نفس المسلك الذى اتخذته من قبل الحكومة العثمانية فقامت بعمل الترميمات المؤقتة على نفقتها فى سنة ١٩٣٨ م.
وعندما استدعت حكومة الانتداب المهندس البريطانى وكتب تقريرا عن ترميم دائرة القبر المقدس أرسلت إلى مطران الأقباط مع كتابها بتاريخ ١٧ فبراير سنة ١٩٤٧ وطلبت ملاحظاته وموافقته عليه وذكرت أيضا أن دائرة الأشغال العمومية بالقدس تكفلت بالقيام بهذا العمل ودفع تكاليفه. 
حينما تجدد التفكير فى ترميم كنيسة القيامة فيما بعد، أرسل مطران الأقباط إلى متصرف لواء القدس فى مارس سنة ١٩٥٣ يقول إن طوائف – الروم اللاتين والأرمن- قدمت طلبا للكشف على كنيسة القيامة من أجل ترميمها، وأنه كان يتوقع أن تخطر طائفة الأقباط بذلك بوضعها ممثلة فى القيامة، وذلك أسوة بما اتبع معها فى سنة ١٩٣٩.
ودحض مطران الكنيسة القبطية بالقدس، ما زعمه البعض أنه لا يجوز للأقباط المشاركة فى ترميم كنيسة القيامة لعدم أحقتيها وهو ما لا يسند إلى الواقع أو القانون، وأكد مطران الأقباط، أنه لا توجد صلة بين الآرمن والأقباط سوى أنهم يدينون بعقيدة واحدة، ولهذا كانوا يتدخلون أحيانا حرصا على مصالح شركائهم فى العقيدة.
وتوالت محاولات إبعاد الأقباط عن المشاركة فى أعمال ترميم كنيسة القيامة رغم أحقيتها فى أجزاء منه إلى أن جاءت أعمال ترميم قبة كنيسة القيامة ١٩٩٤ م بواسطة أحد الأغنياء، قام الراحل الأنبا إبراهام مطران الأقباط بإرسال المستندات السابقة إلى بطاركة الروم والأرمن واللاتين والحارس العام للأراضى المقدسة وإلى الرئيس العام للبعثة البابوية روبرتى استنيورى الذى حضر خصيصا إلى بطريركية الأقباط بالقدس وتفاهم مع مطران الأقباط على كل تفاصيل الترميم ووضعه فى الصورة مثل باقى الطوائف الأخرى؛ وحاولت الطوائف الأخرى الاشتراك فى إجراءات الترميم لكن الأنبا إبراهام المطران الراحل رفض رفضا باتا لأنهم ليس لهم أى حقوق.