الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اختبار الإنسانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما تحدثت فى مقالاتي وكتاباتي بألم وحزن عما يحل باللاجئين السوريين كل يوم بل وكل ساعة من مشكلات كثيرة فى البلدان التي هاجروا إليها وخصوصًا الدول غير العربية؛ حيث يعانون فيها الفقر والعوز والبحث عن وجود مأوى وسكن وعمل، ومحاولة تعلم لغات لم يخطر ببالهم أنه سيأتي يوم يضطرون فيه إلى تعلمها والتفاهم والتعبير عن مشاعرهم بها، هذا إضافة إلى آلام الغربة والشعور بالحنين إلى الوطن، والرغبة الجامحة فى العودة إليه، ووطأة ترابه، والعيش فيه، إذ إنهم يرون فى العودة إلى بلادهم الخلاص من كل ما يتعرضون له من مشكلات أهمها الشعور بالغربة، وكونهم ضيوف ثقال على الدول التي يعيشون فيها، خصوصًا أن الكثير من حكومات الدول التي بها لاجئين سوريين قد صرحوا بذلك علانية وفى وسائل الإعلام المختلفة، بل وأصبح التخلص من اللاجئين قضية مهمة تضعها بعض الحكومات على جدول أعمالها، فتعقد لها الندوات والمؤتمرات، وتتحدث عنها فى كل ملتقى أو مؤتمر دولي قد لا يكون له أي علاقة من قريب أو بعيد بقضية اللاجئين، بل قد يكون مؤتمرًا اقتصاديًا، ثم بغرابة شديدة نجد قضية اللاجئين أقحمت فيه، وقد دعا كاتب هذا المقال مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة احترام إنسانية اللاجئين وتجنيب لغة السياسة والمصالح فى التعامل مع قضيتهم وتغليب البعد الإنساني فى التعامل معهم، فقضية اللاجئين قضية إنسانية فى المقام الأول، فلا يصح تسيسها؛ لأن المتأثرين بسلبياتها شعوب تدفع ثمن أخطاء سياسية متراكمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ارتكبتها حكومات وأنظمة مختلفة، بل لم يجن اللاجئون من وراء هذه الأخطاء سوى الفقر والغربة وترك الأوطان والذكريات والموت، إما قتلًا أو غرقًا أو جوعًا، وصدق فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، حين وصف مأساة اللاجئين فى كلمته التي ألقاها فى مؤتمر «السلام»، الذي عُقد فى القاهرة فى شهر إبريل الماضي، والتي قال فيها: «هَذَا السَّلام الضَّائع الذي تبحث عنه شعوبٌ وبلاد وبؤساءُ ومرضى، وهائمون على وجوههم فى الصحراء، وفارُّون من أوطانهم إلى أوطانٍ أخرى نائيةٍ لا يدرون أيبلغُونها أم يَحُولُ بينهم وبينها المَوتُ والهَلاكُ والغَرَقُ والأشلاءُ والجُثَثُ المُلقَاةُ على شواطئ البِحار، فى مأساةٍ إنسانيَّةٍ بالِغة الحُزنِ، لا نَعْدُو الحَقِيقةَ لَوْ قُلنَا: إنَّ التَّاريخَ لَمْ يَعْرِف لها مَثيلًا مِن قَبلُ». نعم إن التاريخ لم يعرف لهذه المأساة مثيلًا من قبل، وأشد ما فى هذه المأساة أنها تغذي وتقوي فيروس قسوة القلوب الذي انتشر كالنار فى الهشيم فى العالم فى السنوات الأخيرة، وتقوي فى الوقت ذاته جهاز المناعة ضد الشعور والإحساس والألم والحزن بسبب ما يحل بالآخر من مصائب وكوارث، كما أنها تُعري الإنسان أمام نفسه وتُظهر له مدى عنصريته المقيتة التي دون أن يدرى وجد نفسه مصابًا بها، وغارقًا فيها مع ادعائه عكس ذلك. وإذا أراد شخص ما أن يتأكد من إنسانيته فليختبر نفسه اختبارًا بسيطًا، فيتخيل أنه أمام حادثي غرق فى البحر المتوسط مثلًا، راح ضحيتهما أناس لا يعرفهم وليسوا من بلده، أولهما لقارب يحمل على متنه عددًا من اللاجئين كانوا فى طريقهم إلى إحدى الدول الأوروبية فرارًا من الحرب والدمار القائم فى بلادهم، وثانيهما لسفينة تحمل على متنها عدداً من السياح الأوروبيين، خرجوا للسياحة والتنزه بصورة قانونية. وليُقيّم الشخص حزنه عند سماع خبر غرق هؤلاء جميعًا، وليسأل نفسه هل حزنت على كلا الحادثين، أم على أحدهما فقط دون الآخر؟ فإذا كانت الإجابة أنه حزن على كليهما بالدرجة نفسها فليطمئن على إنسانيته، وليعلم أنه لا يزال إنسانًا، أما إذا حزن على واحد دون الآخر؛ فيجب عليه الوقوف مع نفسه، وإعادة تأديبها وتهذيبها واسترداد إنسانيتها التي افتقدها دون أن يشعر.