السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السنوات العجاف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت مصر فى السنوات السبع الأخيرة ما لم تشهده من قبل، وبيت القصيد هنا ليست الأوضاع الاقتصادية، فكم من كبوة أعقبها نهوض، وكم من أحزمة لفت البطون بسبب الجوع فى أوقات الأزمات، وكم من وجوه اعتلتها حالة الرضا رغم العوز، وكم من أيادٍ ميسورة فاض كرمها فى وقت الشدة، وكم من حكايات من السابقين جعلتنا نطمئن على أن الفرج آتٍ لا محالة، وأن ضريبة حب الوطن أحيانًا تكون الصبر على الابتلاء، هذا ما سمعناه وتعلمناه وفطمنا أبناءنا عليه، فغنوا لمصر وتغنوا بها وأصبحت عقيدتهم الموت من أجل الوطن، وكم من دماء ارتوت بها ربوع مصر على مر التاريخ - وما زالت - دفاعا عن الأرض التى تساوت فى قدسيتها مع العرض، وأزعم أن مصر هى البلد الوحيد التى تتبادل مع أبنائها تلك الحالة من العشق، حالة تجعل العاشق يهرول إلى الموت من أجل من يعشق ليحظى بزفافه إلى الجنة شهيدًا، وكم من حفلات زفاف جماعية عشنا تفاصيلها - ولا نزال - وكلها فى حب الوطن.
بيت القصيد فى السنوات السبع العجاف يتمثل فى سلوكيات لم نعهدها، وأخلاقيات غريبة على المجتمع المصري، وكأن أحداث يناير ٢٠١١ فتحت هويسًا من التردى فى كل مناحى الحياة، التردى الاقتصادى بسبب محاولات التخريب المتعمد من المتربصين بمصر، حرق للمنشآت والسيارات وسرقة بنوك وقطع طرق، وهذا مقدور عليه، فقد ورثنا من السابقين ممارسة رياضة ربط الأحزمة على البطون، حتى الإرهاب مقدور عليه وإن كلفنا الكثير، فقد ورثنا أيضًا من السابقين أن الزفاف إلى الجنة يكون بالذود عن الأرض والعرض. أما غير المقدور عليه والذى لم نعهده.. ذلك التردى الأخلاقى الذى صاحب أحداث يناير، لم نعهد هذا الفعل المقزز والمتمثل فى اعتداء جنسى من مدير مدرسة على ثلاثة أطفال فى وضح النهار، وكاذب من يدعى أن وزير التربية والتعليم هو المسئول عن ذلك، لأن من نتعامل معه على أنه مربٍ فاضل وسلمناه أبناءنا.. المفروض أنه ليس بحاجة إلى تربية من وزير التربية والتعليم، التردى الأخلاقى شاهدناه فى أمين شرطة يقتحم مدرسة ويعتدى على معلمين ومدير المدرسة ويحطم أثاث المكاتب فى الوقت الذى يضحى فيه زملاؤه بأرواحهم من أجل الدفاع عن هؤلاء الذين يعتدى عليهم، وعلينا أيضًا ألا نحمل وزير الداخلية المسئولية لأنه لن يقف ليرصد تصرفات كل من يعملون بوزارته، هذا التراجع فى الأخلاقيات نراه فى عضو بالبرلمان يعتدى على موظفة أمن بإحدى الجامعات، وكان رد الفعل هو الاعتداء عليه من الطلاب وتحطيم سيارته ليتحول حرم الجامعة إلى ساحة للعراك. 
بيت القصيد فى السنوات السبع العجاف الماضية، يتمثل فى ذلك التردى الأخلاقى الذى وصل إلى حد الشماتة فى الجيش والشرطة كلما شيعنا شهيدًا، وللأسف.. الشماتة من مصريين باعوا وطنهم بحفنة دولارات بعد أن ماتت ضمائرهم. والتردى فى هؤلاء الذين تلاحقهم الرقابة الإدارية يوميًا بسبب نهشهم فى لحم الوطن، وفى هؤلاء الذين يضربون الوطن فى مقتل عندما ضربوا ثروته من الشباب بالمخدرات، ليثروا على حساب جثث لمدمنين تتناثر على الطرق.
بيت القصيد فى هذه السلوكيات التى طفحت بها مجارى أحداث يناير والتى جعلت المتنطعين على المقاهى نشطاء سياسيين يحللون وفقًا لنفوسهم الخربة ما يجرى من أحداث، ويستنتجون وفقًا لميولهم أسباب استبدال رئيس أركان بآخر، وهو ما لم نجده فى أى من دول العالم.
بيت القصيد فى السنوات السبع العجاف، يتمثل فى ذلك التردى الإعلامى الذى جعل من الراقصات مذيعات ومن أنصاف المواهب محللين سياسيين ومن المنافقين المتحولين وطنيين.
التردى الاقتصادى نتيجة طبيعية بسبب التآمر على مصر، وهى كبوة سوف ننهض منها، والإرهاب إلى زوال.. هكذا علمتنا التجربة، لكن الخطورة كلها فى هذا التردى الأخلاقى الذى أصاب مصر طوال السنوات السبع الماضية وعلاجه ليس فى يد حاكم أو حكومة، علاجه فى إحياء الضمير المجتمعي.