السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا ضد «فيسبوك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منظر مثير للتأمل، ممثلو الشركات العملاقة الثلاث يحلفون اليمين أمام لجان الكونجرس الأمريكي. جاءوا مستسلمين للدولة التى أبلغتهم: مصالحنا أهم من مكاسبكم.
ثلاثية التقنية المعلوماتية، «فيسبوك» و«جوجل» و«تويتر»، تطعم المعلومات لأكثر من مليارى إنسان فى العالم. وكانت تفاخر بأنها تهدم الجدران، وتلغى الرقابة، وتنشر الحقائق. الآن تعترف أنها تحولت إلى مشكلة كبيرة. والسلطات الأمريكية صارت مقتنعة أكثر بأن «فيسبوك» و«تويتر» و«جوجل»، وبقية وسائط المعلومات، صارت خطرًا على النظام والمجتمع، لأنها تحمل وتنقل الإرهاب والكراهية، وتوجه الناس فى الانتخابات. لهذا تم استدعاؤهم إلى جلسات مفتوحة، ومع تهديد العقوبة تحت حلف اليمين سلموا معلومات صادمة. فالشركات تخشى أن تكبر التهم إلى التآمر على الدولة والخيانة، إن ثبت أنها تعلم، أو تتاجر، بالمعلومات فى الانتخابات مثلًا، للتأثير فى مواقف الناخبين السياسية أو بث الفتن الداخلية.
«فيسبوك» اعترفت بأن ١٢٦ مليون أمريكى اطلعوا وتعاطوا مع معلومات تبدو لهم أمريكية، والحقيقة أنها أرسلت من مبنى فى مدينة سانت بطرسبرج الروسية. فى معظمها حكايات وأخبار ملفقة تحريضية من قضايا ضد السود والمهاجرين والمسلمين وغيرها. وهناك عشرة ملايين متابع وصلتهم إعلانات سياسية، اتضح أنها مدفوعة من روسيا. أما «تويتر» فقد اعترفت بأنها رصدت فى الفترة نفسها ثلاثة آلاف حساب روسى إلكترونى مدعومة بـ٣٦ ألف حساب آلي، جيش إلكتروني، قام بالتغريد مليونًا ونصف المليون مرة. وذكرت «جوجل» أن خمسة آلاف إعلان ممول روسيًا، صاحبت خدمة البحث. كما ظهر ألف فيديو من روسيا على «يوتيوب»، مدتها ٤٣ ساعة. كم هائل من التفاصيل يبين أن شركات المعلومات التقنية كانت مثل حصان طروادة، تحمل فى بطنها جنود العدو للداخل الأمريكى دون أن يعى الجمهور أنهم روس.
الشركات بررت بأنها مجرد منصات بلهاء لا تميز، وليست شركات محتوى، باستثناء «جوجل» التى لها نشاط معلوماتي. وجميعها تعهدت بأن تعيد النظر، وتعزز الرقابة الإلكترونية التى تفرز العدو من الصديق، وتوقف سيل الإعلام الموجه للداخل الأمريكى وتمتنع عن استقبال الإعلانات الخارجية الموجهة.
طبعًا، روسيا المتهمة، هى أيضًا ضحية للإغراق المعلوماتى الأمريكى الذى يستهدفها سياسيًا، ويريد هز نظامها. وبالتالى نحن أمام حرب تضليل معلوماتية واسعة، وكذلك سبرانية مدمرة.
هذا ما تشتكى منه دول عظمى، لديها قدرات هائلة للتوجيه والتثقيف وتملك إمكانات عسكرية لا تجارى، ماذا عن دولنا التى تتعرض للمشكلة نفسها؟ هنا نرى أزمة مماثلة. فقطر تستخدم الأسلحة المعلوماتية ضد الدول التى هى على خلاف معها، مثل: السعودية ومصر والإمارات والبحرين. الدول اعتبرته استهدافًا لوجودها واستقرارها. وفى سبيل شل قدرات قطر أعلنت الدول الأربع أن التعامل معها خيانة وجريمة عظمى، وشنت خلال الأشهر الخمسة الماضية حملة لهدم كل ما بنته قطر من وسائل وتابعين لها. وقد قضت المواجهة على معظم منصات التحريض القطرية، التى تحاول تعويض خسائرها بالتسلل إلى أسواق بقيت حرة مفتوحة، مثل الكويت، واستخدام منصاتها. قطر سبّاقة فى هذا المجال؛ حيث دأبت على تجنيد حسابات بشرية فى الدول المستهدفة، إلى جانب جيوش إلكترونية، لتوزيع معلومات تحريضية وكاذبة. وهى تفاخر بأنها تنشر الربيع العربي، لكن الحقيقة توجهها فقط لصالح فئة سياسية محسوبة عليها، مثل الجماعات الإسلامية المتطرفة، بهدف إسقاط أو إضعاف الأنظمة التى على خلاف معها.
والكثير من المعلومات التى تصل إلى الناس على «واتس آب» و«تويتر» و«فيسبوك».. وغيرها، تطبخ فى مطابخ لها أهداف سياسية بنشر معلومات كاذبة أو محرضة. مثل هذه، لا تستحق أن تمنح حقوق حرية التعبير والعبور. ها هى الولايات المتحدة، وهى قائدة دعوة الحريات فى العالم، قررت تغيير مفاهيمها؛ إن حرية التعبير لا تعنى حرية الخارج فى التدخل والتأثير والتغيير.
نقلًا عن «الشرق الأوسط»