السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

قس "مستشفى فيرجينيا" لـ"البوابة نيوز": الكنيسة جزء من المجتمع.. "الإنجيلية" تعيش حالة من الشد والجذب بين الأصولية والتيار التقدمي

القس فادى فوزى عطاالله
القس فادى فوزى عطاالله
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال القس فادي فوزي عطا الله مسئول الرعاية الروحية في مستشفى جامعة كومنولث فيرجينيا، إن الكنيسة الإنجيلية تعيش حاليًا حالة من الشد والجذب بين تيارات متداخلة على الساحة.. فهناك على أقصى اليمين تيار أصولي تقليدي، ويرى بالضرورة في احتفال الإصلاح دعوة للرجوع للماضي والتراث ولتفسيرات حرفية للكتاب المقدس، ومن الناحية الأخرى على أقصى اليسار تيار تقدمي مستنير يحاول الانطلاق للإجابة عن أسئلة المستقبل.. إلى نص الحوار.
■ هل المؤسسات الدينية في مصر تواجه صراعا بين الأصولية والليبرالية، وهل ستلجأ إلى الحركات الكاريزماتية للخروج من هذا الصراع؟
- بمناسبة الحديث عن الإصلاح الإنجيلي هذا العام وارتباطه بالكنيسة في الشرق الأوسط، تعيش الكنيسة الإنجيلية حاليًا حالة من الشد والجذب بين تيارات متداخلة على الساحة، هناك على أقصى اليمين تيار أصولي تقليدي، ويرى بالضرورة في احتفال الإصلاح دعوة للرجوع للماضي والتراث ولتفسيرات حرفية للكتاب المقدس، ومن الناحية الأخرى على أقصى اليسار تيار تقدمي مستنير يحاول الانطلاق للإجابة على أسئلة المستقبل، ويعتبر هذا التيار تقدميًا حتى بالنسبة للمجتمع المدنى فى مصر، وهناك بالتأكيد تيار الوسط الذي يحاول الربط بين الماضي والمستقبل، كل هذه التيارات موجودة باستمرار سواء على المستوى الكنسي أو المجتمعي، لكن الاختلاف هو أنه في كل فترة يكون تيار منهم هو المتقدم ويفرض وجوده.
وفي مثل هذه الظروف فإمكانيات التوافق تجتمع إما في تيارات كاريزماتية تعتمد بالأساس على العاطفة، في محاولة للخروج من مأزق التأصيل لتيار معين، أو ما ألاحظه حاليًا من محاولة ارتداء بعض التيارات الأصولية أو الكاريزماتية لثوب التنوير، حتى تلقى رواجًا وقبولًا عند فئة الشباب، لكنها ما زالت تفتقد للتأصيل وتصبح مجرد شكل خارجي أجوف لا هي بالأصولية ولا التقدمية.
■ ما التحديات التي تواجه الكنيسة الغربية أو الأمريكية، وما التحديات التي تواجه الكنيسة في الشرق الأوسط؟
- تحديات الكنيسة في مصر والشرق الأوسط، مرتبطة بمشكلات المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بجانب المشاكل الكنسية والعقائدية، وهناك ضغوط كثيرة تواجه المجتمع الكنسي معظمها يتمحور حول سؤال الهوية سواء على المستوى السياسي.. فسؤال الهوية يفرض نفسه في التمايز ما بين ما هو ديني وما هو سياسي، وطبيعة علاقة الكنيسة بالنظم السياسية والمعارضة، وبمناسبة الإصلاح، فالسؤال العقائدي مطروح وبقوة لتحديد هويه الكنيسة الإنجيلية بين كل تلك التيارات المتشاحنة معًا، وللأسف فالفكر ليس هو المعيار الوحيد في إجابة هذا السؤال، فالمصالح والأموال تلعب دورًا كبيرًا.
وتقريبًا هناك توجه عالمي على المستوى السياسي على الأقل للميل ناحية التيارات اليمينية الأصولية، وظهرت بصورة جلية في كثير من نتائج الانتخابات في بقاع مختلفة حول العالم الفترة القريبة الماضية، وهذا قد يساعد في فهم تغول التيارات الأصولية على المستوى السياسي والعقائدي والكنسي.
على الجانب الآخر تحديات الكنيسة في الغرب مرتبطة في معظمها بالقدرة على الاستمرارية في جذب المتعبدين أو المنتمين لها، لا تزال معظم الكنائس في الغرب تجد صعوبة في جذب الأجيال الصغيرة برغم كثير من النشاطات، لكن من الملاحظ أن معظم المتعبدين من كبار السن.
■ حدثنا عن الكنيسة في الولايات المتحدة وأوروبا وتحديات العولمة وما بعد الحداثة؟
- سؤال الشرق والغرب في ظل عصر العولمة وما بعد الحداثة، هو سؤال عتيق عقيم لا معنى له الآن، وأطروحات الخصوصية الثقافية في رأيي هي أطروحات عنصرية، الشرق والغرب دائمًا تبادلا الثقافة والإنتاج الفكري لفترة طويلة في التاريخ، وتوقفت الآن المساهمات الشرقية في الإضافة لحضارات العالم الحديث، وجزء من الأزمة هو خنق الشرق بقضية الخصوصية الثقافية متناسية التاريخ الإنساني، هذا الأمر مرتبط أيضًا بالكنيسة والفكر اللاهوتي في مناقشة قضايا مثل رسامة المرأة للخدمة الدينية، ونرى قريبًا أن هذا القرار يتم تنفيذه مثلًا في سوريا واستطاع السنودس هناك رسامة المرأة للقيام بالخدمة الدينية.
أيضًا هذا الأمر مرتبط بعلاقات الكنيسة المشيخية بمصر بالكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقة كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة بنظيراتها حول العالم، فهناك علاقات تاريخية هى مصدر فخر للطرفين يحاول الكثير اختزالها في قضية الخصوصية الثقافية أيضًا.
■ البروتستانت في العالم يحتفلون هذه الأيام بمرور ٥٠٠ عام على الإصلاح الديني الذي أطلقه المصلح القديس مارتن لوثر، أعطنا نبذة عن الإصلاح الذي قام به لوثر، وهل اختلفت نظرة الكاثوليكيين له قديمًا وحديثًا؟
- كثير من الدراسات التي تطرقت أو تتطرق لعصر الإصلاح تنطلق من بدايات لاهوتية لفهم الإصلاح في مقارنة مع العصور المظلمة أو الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وقتها، وهناك شبه تهميش لدراسة الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية المصاحبة للإصلاح.
في البداية يجب قراءة لوثر ومحاولته للإصلاح فى إطار أشمل وأكبر، وهو الإصلاح الذي حدث في الغرب تمهيدًا للخروج من العصور الوسطى، هذا الإصلاح تم على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، وكان الجانب الديني هو أحد جوانب الإصلاح متمثلًا في الإصلاح الكنسي الذي قاده لوثر والعديد من المصلحين المعاصرين له.
القراءة الموضوعية تتوجب الاعتراف بأن الإصلاح الديني هو جزء من منظومة إصلاح أكبر في الغرب، كلاهما وثيق الصلة بالآخر.
الأمر الآخر أن لوثر نفسه كان ضمن مجموعة أكبر من الأشخاص الذين قادوا حركة الإصلاح في الغرب أمثال جون كلفن، ووينجلي وغيرهما.
ومن الدروس المهمة في موضوع الإصلاح هو أهمية الأفراد في كتابة سطور التاريخ وإحداث تغييرات على المستوى العالمي، لوثر هو صرخة احتجاج موجهة ضد الفساد وطغيان رجال الدين على المجال العام في عصره، فقد انتقد لوثر الكنيسة الكاثوليكية وقتها على حالها وأوضاعها الاجتماعية والدينية وتجاوزاتها.
ظهور مارتن لوثر في هذا التوقيت وتلك اللحظة في حد ذاته أمر مثير للانتباه.. فهناك تداخل كبير بين الإصلاح الديني في أوروبا وعصر التنوير الذي غير شكل الحضارة الأوروبية والإنسانية بشكل كبير، ومن التبسيط المخل الجزم بأيهما السابق أو المسبب للآخر، لكن في النهاية حدث إصلاح ديني غير شكل الكنيسة والعقيدة، بل إنه أسس لشكل متطور من المسيحية إن جاز التعبير.
■ ما التحديات التي تواجه الكنيسة وهويتها في الشرق الأوسط؟
- تحدي الكنيسة في الشرق أنها لم تمر بالكثير من الصراعات اللاهوتية والفكرية، وهناك فقر في التأصيل اللاهوتي، كلها أخرجت لنا مزيجا غريبا من الكنائس التقليدية - في إشارة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - والكنائس المصلحة، لهذا أرى مرة أخرى دور اللحظة في تشكيل التاريخ، فلدينا اليوم مقومات كثيرة، لسد تلك الفجوة في الكنيسة الإنجيلية المصرية لتأسيس لاهوت مسيحي شرق أوسطي بتأصيل مصلح، وهو في ذات الوقت يساعدنا في الإجابة على سؤال الهوية.
أعتقد أن الكنيسة في عصر الإصلاح في احتياج لمحاولة الإجابة على سؤال الهوية والأسئلة المرتبطة بتواجدها، وشكل مستقبلها في الشرق الأوسط، فلا يمكن اختزال تاريخ الغرب بكل صراعاته في محاولته للإجابة على هذه الأسئلة بالنظر فقط للنتائج، ما لم نمر بصراع الأسئلة لن نتمكن من الاستمتاع بالنتائج، ما أراه أنها كلها محاولات للقفز للنتائج أكثر منها محاولة للإجابة عن الأسئلة.
■ ما تعليقك على ما يحدث من الكنيسة في الغرب بشأن زواج المثليين وأمور أخرى تتفق مع مواثيق دولية وحقوقية، ولكنها تخالف التعاليم المسيحية؟
- بالنسبة لقضية المثلية، حيث إنها أصبحت من المواضيع المطروحة على الساحة والرأي العام والكنسي، فلي عدة ملاحظات، قضية المثلية في الغرب لا يمكن فهمها أو رؤيتها بعيدًا عن قرينة الحريات.. فمن الناحية الكنسية فقد ظهر ما يُطلق عليه لاهوت التحرير وهو دعوة للوقوف بجانب الطبقات الأضعف في المجتمع منها المرأة، السود، المثليون.
ومن الناحية المجتمعية، فهي أيضًا نتاج صراع طويل من الدفاع عن الحريات، وهو أحد مكتسبات الإصلاح، فلا يمكن اختزال ذلك التاريخ الطويل من المقاومة في أنها قضية جنسية في المقام الأول، ففي رأيى هى قضية مرتبطة بالحريات أكثر منها بالجنس.
الأمر الثاني أن تحديات الكنيسة في مصر ليست على أولوياتها قضية رسامة المثليين للخدمة الدينية، فمن ناحية قبول المثليين في العبادة، فأعتقد أن اللاهوت المسيحي هو لاهوت شمولي بمعنى أنه يُبنَى على قبول الآخر وليس لاهوتًا إقصائيًا غرضه الحكم على الناس، لهذا لدىّ صعوبة على المستوى الشخصي في تقبل الهجوم أو ربط الشراكة مع الكنائس الغربية بقضية الشواذ، لأنها بالأساس ليست مطروحة للنقاش من قبل الكنيسة في مصر أو في الغرب، وأقصد بالتحديد رسامة المثليين للخدمة الدينية.
الأمر الثالث أن التعرض لقضية المثلية علميًا به بعض اللبس في مصر، فالموضوع على المستوى العلمي والطبي مر بمراحل وصراعات كثيرة أيضًا حتى تم اعتباره مؤخرًا نوعًا من الهوية الجنسية، وليس اضطرابًا نفسيًا أو سلوكيًا، اعتقد التيار المتصدر الآن على المستوى المجتمعي أو الكنسي أن المثلية نوع من الاضطراب النفسي الذي يحتاج للعلاج، هذا الأمر يحتاج إلى مراجعة وللأسف حتى بعض المتخصصين يروّجون لهذا الادعاء.
الأمر الرابع أن المثلية ليست مقابلًا للإباحية. بمعنى أنه في الغرب في كثير من الدوائر هو نوع من التعهد مثله مثل الزواج التقليدي، وأثناء دراستي في جامعتين مختلفتين، وحتى في العمل يجب أن يتمم الطالب كورسًا معينًا عن ضوابط السلوك الجنسي في الحرم الجامعي وأن التحرش الجنسي في الغرب والمثلية ليسا مقابلًا للإباحية.
■ هل يوجد دور سياسي للكنيسة؟
- الكنيسة الإنجيلية هي جزء من المجتمع المصري وبالتالي فلا يمكن فهم التحديات أو محاولة إيجاد حلول بعيدًا عن دراسة الوضع في المجتمع المصري، وخصوصًا بعد ثوره ٢٥ يناير وما تلاها من أحداث شكلت متغيرات سياسية واجتماعية كثيرة، قامت الكنيسة الإنجيلية بدور حيوي أثناء وبعد ثورة يناير، هذا الدور شكل في فهم الدور النبوى والسياسي للكنيسة، وكان محاولة مبدئية للإجابة عن سؤال الهوية، لكن مع تغير الأحداث المطرد حدثت تحديات كثيرة على المستوى المجتمعي والكنسي، شكلت صعوبة في استمرارية الإجابة عن سؤال الهوية الذي ما زال سؤالًا مفتوحًا يحتاج لمزيد من النقاشات والدراسات.
وكما ذكرت فإن ما حدث في الغرب هو محاولات تأسيسية للإجابة عن أسئلة الهوية واللاهوت، والكنيسة المصرية تلقت لاهوتًا جاهزًا وانطلقت للنتائج مباشرة دون صراع الأسئلة، والذي هو ضروري للوصول للنتائج، وأعتقد أن هذا هو السؤال المفصلي ومعضلة إنشاء لاهوت مسيحي مصري.
فالكنيسة المصرية تحتاج لتأسيس طرح لاهوتي، وليس مجرد الوصول مباشرة للحلول التي قدمها الإصلاح في الغرب.
هذا يستدعي بالضرورة الالتفات إلى أمور عدة منها على سبيل المثال قضية التعليم اللاهوتي، وفي اعتقادي أن البداية الحقيقية لإصلاح التعليم اللاهوتي تبدأ في كلية اللاهوت والنظر إليها في المقام الأول على أنها معهد أكاديمي، وعلى الكنيسة أن تفسح مجالًا أكبر لمتخصصي التعليم اللاهوتي بالقيادة والنأي بالبحث العلمي بعيدًا عن الصراعات الإدارية.
■ ما الدور المجتمعي للكنيسة الإنجيلية في مصر؟
- تاريخ الكنيسة الإنجيلية مليء بالتفاعل مع القضايا المجتمعية منذ تأسيسها، فقد اهتمت بالجانب التعليمي في إنشاء مدارس أو الجانب الصحي في إنشاء مستشفيات، ومع تطورات الوضع الاقتصادي والسياسي الموضوع أصبح أكثر تعقيدًا، والسؤال عن الدور الاجتماعي والسياسي للكنيسة أصبح أكثر تعقيدًا وخطورة.