الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سيناريوهات مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت رسالة الدكتوراة المتميزة التى ناقشها مؤخرًا الباحث أسامة السعيد قرطام بكلية الإعلام جامعة القاهرة عن وجود أزمة بنيوية حقيقية فى «مشروع الإسلام السياسي» فى المنطقة العربية، فقد بنت القوى الإسلامية العربية شرعية وجودها فى المرحلة التى سبقت الثورات، واستطاعت تصدر المشهد السياسى عقب الثورات، من خلال تأكيدها امتلاك مشروع إسلامى بديل على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، إلا أن نسق الأداء الذى قدمته تلك القوى بتنوعاتها المختلفة كشف عن غياب واضح لهذا المشروع، وأن ما قدمته تلك القوى لم يكن سوى رؤية خطابية لا تعتمد على تأصيل فكرى أو ثقافى أو سياسى حقيقي. ولم يزد المشروع الذى قدمته تلك القوى عن كونه «مشروع سلطة» دون أن يتجاوز إلى أن يكون «مشروع تغيير»، من تكريس تلك السمات التى ارتبطت منذ فترة طويلة بصورة القوى الإسلامية، لا سيما ما يتعلق بالسمات الفكرية الخاصة بالانغلاق والتشدد واستغلال الدين لخدمة المصلحة السياسية، ورفض التيارات المعارضة، واللجوء إلى العنف والارتباط بقوى غير وطنية ومشاريع خارجية للمنطقة، وكلها سمات سلبية، لم يفلح أداء القوى الإسلامية فى تغييرها، بل ربما ساهم فى تكريسها وترسيخها.
ويبدو الأفق المستقبلى للإسلام السياسى فى المنطقة العربية محكومًا بالعديد من المحددات السياسية والفكرية والجماهيرية والتنظيمية، التى تصوغ إلى حدٍ كبير مسارات ومآلات القوى الإسلامية على تباين اتجاهاتها، وتنوع تنظيماتها، وهو التنوع الذى يصل إلى درجة التضارب والتناقض بين ألوان الطيف الإسلامى عمومًا، من زاوية، ومن زاوية ثانية أنّ هناك خصوصية كبيرة لكل تجربة سياسية إسلامية عربية، مرتبطة بجملة من السياقات.
وتتمثل أبرز المحددات التى تشكل سيناريوهات مستقبل الإسلام السياسى فى المنطقة العربية فى المحدد البنيوى المتعلق بقيادة هذه الحركة، والعلاقة مع النظام القائم ومؤسساته، والسياسات الإقليمية، والسياسات الدولية تجاه تلك الحركات، وطبيعة الحراك السياسى والديمقراطى فى المنطقة العربية، وما يمكن أن يتيحه من فرص لعودة القوى الإسلامية مجددًا إلى ساحة الفعل السياسي.
ويرى الباحث أسامة السعيد قرطام أنه فى ضوء تلك المحددات قد يتخذ مستقبل الإسلام السياسى فى المنطقة العربية واحدًا أو أكثر من السيناريوهاتٍ التالية:
أولًا: سيناريو استمرار الصدام:
ويعتمد هذا السيناريو على استمرار السياسات الحالية، سواء من جانب القوى الإسلامية التى اختارت طريق الصدام مع الأنظمة القائمة، وبخاصة فى مصر عقب ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أو من جانب الأنظمة القائمة، وعدم حدوث تحول جوهرى فى سياسات الطرفين، وقد يتحول هذا السيناريو، مع استمرار وتطور آليات الصراع، إلى مزيد من العنف، سيما مع وجود مؤشرات على أزمات داخلية فى بنية التنظيمات الإسلامية، ربما تدفع لقطاعات مع الأجيال الأصغر سنًا إلى منزلق العنف، ويشير عددٌ من الباحثين فى هذا السياق إلى التجربة الجزائرية فى هذا الشأن، والتى باتت تشتهر فى عديدٍ من الأدبيات السياسية بـ«العشرية السوداء».
ثانيًا: سيناريو التغيير الداخلى والحراك الجيلي:
ويبدو هذا السيناريو مرتبطًا بما تسفر عنه النقاشات العاصفة فى أوساط النخب الإسلاموية والانقسام فى داخل «جماعة الإخوان» الأم بين تيار يفكّر فى المصالحة (وهى القيادة التاريخية)، عبر وساطات إقليمية، لإنهاء الصراع الحالي، وتيار شبابى يدفع إلى تغيير وسائل المواجهة مع الدولة باتجاه يختلف على المنهج الإخوانى الكلاسيكي.
ويقود هذا السيناريو بدوره إلى مساريْن فرعييْن:
أ- مسار الجمود وترقب التغيير:
وينتج هذا المسار مع استمرار الأزمة الداخلية التى تعيشها «جماعة الإخوان» الأم، وغياب تغيير تنظيمى واسع المجال، أو حدوث جديد على مستوى العودة إلى المشهد السياسى مجددًا، فضلًا عن استمرار تغليب الاعتبارات الأمنية والتنظيمية على أولويات المراجعة الفكرية، وهو ما يدفع باتجاه استمرار مأزق تلك الجماعة الأم وما يتبعها من جماعات وقوى أقل حضورًا وتأثيرًا، ويبدو هذا المسار الأكثر احتمالًا فى ظل احتفاظ القيادات القطبية بالجماعة على مقاليد الأمور، وعدم رغبتها فى تقديم تنازلاتٍ واضحة، لا على المستوى التنظيمى الداخلي، أو على مستوى التعامل مع متغيرات ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وتزداد احتمالات هذا المسار، مع بقاء الأوضاع على ما هى عليه فى مصر، واستمرار المحددات الأساسية لتعامل الدولة مع القوى الإسلامية، ومحدودية فرص وجود أية تغييرات جوهرية فى رؤيتها لتلك التنظيمات كتهديد للأمن الداخلي، وارتباطه بمشروعات خارجية معادية للدولة المصرية وقيادتها.
ب - مسار التصدع والانقسام والتلاشي:
ويمثل هذا المسار انعكاسًا لما ستسفر عنه حالة الصراع الداخلي، ليس فقط على المستوى الجيلى داخل قوى الإسلام السياسي، ولكن أيضًا على مستوى الرؤى السياسية والفكرية لبعض المجموعات التنظيمية، وإذا كان التيار السلفى فى مصر قد تعرض لهذا المسار فى مرحلةٍ سابقة، بخروج عدد من قياداته من حزب «النور» الممثل الأبرز للقوى السلفية، وتأسيس عدد من الأحزاب الأخرى التى بدت أقل فاعلية وقدرة على التأثير، إلا أن التنظيم السياسى لجماعة «الإخوان» فى مصر لا يزال محتفظًا بهيكله، رغم ما تموج به الجماعة من صراعات داخلية محتدمة، واختلاف الرؤى حول الخيارات التى انتهجتها الجماعة، سواء من جانب مجموعات شبابية، أو مجموعات إقليمية مرتبطة بقيادات بعينها، وقد شهدت الجماعة فعليًا محاولات ملموسة فى هذا الشأن تبدت فى قيام مجموعات شبابية بتنظيم انتخابات داخلية، وتبادل قيادات الجماعة وتلك المجموعات للإقالات، وهو ما يشير إلى أن استمرار حدة الصراع، وتناميها مستقبلًا قد يؤدى إلى انقسامات داخلية عميقة وتشرذم للقوى المهيمنة على الجماعة، فى ظل تعدد المراكز والرؤوس التى تسعى لسد الفراغ الذى تركته قيادات الجماعة، سواء التى تخضع لمحاكمات، أو الهاربة بالخارج. 
ثالثًا: سيناريو المراجعات الفكرية والتنظيمية: 
ويبدو هذا السيناريو أكثر ارتباطًا بقوى الإسلام السياسى خارج مصر، وقد بدأت إرهاصاته ممثلة بوجود اتجاهٍ متصاعد فى الحركات الإسلامية فى المشرق والمغرب، بالاستقلال عن الجماعة الأم لـ«الإخوان»، والتحول نحو أحزاب سياسية مدنية، بفصل الجانب الدعوى عن السياسي، وهو ما يبدو فى إقرار «حركة النهضة» التونسية الفصل بين الدعوى والسياسي، ووثيقة «حركة حماس» الجديدة، والتعديلات على النظام الأساسى لـ «جماعة الإخوان» وحزب «جبهة العمل الإسلامي» فى الأردن، وكذلك الحال فى التوجهات الجديدة لـ «الجماعة الإسلامية» فى لبنان.
وتتجلى الملامح الأساسية لتلك المراجعات فى فصل الدعوى عن السياسى والتحول إلى أحزاب سياسية مدنية برامجية، والتحول عن شعار «الإسلام هو الحل»، والاتجاه بصورة أكبر نحو التسييس والبرامجية، والانفصال عن التراث التنظيمى للجماعة الأم فى مصر، والارتباط أكثر بالواقع المحلي، ومحاولة بناء تحالفات جديدة على أرضية وطنية، وليس على أسس دينية أو طائفية.