الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الشيخ زايد.. كلمة حب من الأرض إلى السماء.. صاحب مواقف مشرفة في دعم الوحدة العربية

الشيخ زايد بن سلطان
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الكتاب هو وعاء العلم والحضارة والثقافة والمعرفة والآداب والفنون، وإن الأمم لا تقاس بثرواتها المادية وحدها وإنما تقاس بأصالتها الحضارية».
تلك مقولة شيخ العرب، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، ورئيسها الأول.
مقولة تكشف عن الرؤية النهضوية التى تحلى بها الرجل، بعدما خرج الاستعمار البريطانى من الخليج، وتؤكد أن الإمارات اليوم، ما بلغت ما بلغته من حداثة وتقدم، إلا انطلاقًا من الإيمان بأن بناء البشر يجب أن يسبق بناء الحجر.
على اسم جده
هو زايد بن سلطـان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى آل نهيان، كان يتزعم قبيلة البوفلاح التى استوطنت أبوظبى منذ عام ١٧٦٠.
ولد عام ١٩١٨ فى قلعة الحصن التى بناها والده فى أبوظبى عام ١٩١٠، وهو الابن الرابع للشيخ سلطان بن زايد بن خليفة، الذى كان ترتيبه الرابع عشر فى سلسلة حكام آل نهيان، وقد سمى «زايد» تيمنًا بجده لأبيه زايد الكبير أمير بنى ياس، وكان بطلًا فى أيامه، واستمر حاكمًا لإمارة أبوظبى من عام ١٨٥٥ وحتى عام ١٩٠٩. 
عاش الشيخ زايد طفولته فى قصر الحصن فى قلب العاصمة أبوظبى حاليًا فى زمن شهد ندرة المدارس إلا من بضعة كتاتيب، ليدفع به والده إلى معلم ليعلمه أصول الدين وحفظ القرآن الكريم؛ وفى السابعة من عمره كان يجلس فى مجلس والده ليتعلم من مجلس أبيه، فتعلم أصول العادات العربية وتعلم الأمور السياسية والحوار السياسى؛ ورغم تفوقه إلا أنه يعترف هو نفسه بأنه كان أحيانًا يرفض التعليم، وأحيانًا كان متمردًا على معلمه.
«إن أفضل استثمار للمال هو استثماره فى خلق أجيال من المتعلمين والمثقفين، علينا أن نسابق الزمن وأن تكون خطواتنا نحو تحصيل العلم والتزود بالمعرفة أسرع من خطانا فى أى مجال آخر»..
يقول الرحالة البريطانى ويلفريد تسيثجر فى كتابه «رمال فى الجزيرة العربية»: «إن زايد رجل قوى البنية، وجهه ينمّ عن ذكاء شديد، عيناه ثاقبتان، قوى الملاحظة يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية، بسيط فى لباسه يحاط بحب كبير من أبناء شعبه».
إن الشعوب المحظوظة بقادتها هى التي تكون على موعد مع القدر ليهيئ لها من صفوفها قائدًا فذًا مخلصًا ووفيًا يؤمن برأيه وقدرات شعبه، حيث يبدأ معهم وبهم العمل والإنجاز وصولًا إلى تحقيق طموحاتهم».
الإنجاز السياسى 
فى ٢ ديسمبر من العام ١٩٧١، اجتمع حكّام ٦ إمارات هى أبو ظبى ودبى والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين على ضرورة توحيد الإمارات بعد انتهاء الانتداب البريطانى لها؛ ثم عقد حكام الإمارات التسع اجتماعًا فى دبى أعلن عن توقيع اتفاقية لإقامة اتحاد يشمل إمارات أبوظبى والبحرين ودبى وقطر وأم القيوين والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان على أن يبدأ العمل فى نهاية الشهر التالى، ويحمل اسم اتحاد الإمارات العربية، وقد أرست هذه الاتفاقية قواعد اتحاد الإمارات العربية ككيان سياسى موحد؛ وبعد إتمامه توحيد الدولة، أدرك أن العلم والعمل هما الطريق نحو رفعة أمته وتقدمها وبناء الإنسان، فسارع إلى إعطاء أوامر ببناء المدارس ومراكز التعليم فى مختلف مناطق الدولة.
ووصف الكاتب السياسى مالكوم بيك فى دراسة عن الشرق الأوسط، شخصية زايد رحمه الله قائلًا: «تعتبر سيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أطول السير امتدادًا فى الحكم وأكثرها تميزًا بين القادة العرب المعاصرين، حيث قام بالدور الرئيس فى قيام اتحاد الإمارات، وحقق ذروة تاريخه السياسى فى قمة رؤساء الدول العربية ١٩٨٧ فى عمان حيث لعب الدور البارز، ووضحت وجهة نظره مع دول مجلس التعاون الخليجى فى تجسيد الواقعية المعتدلة، ونجح الرأى الذى تبناه بضرورة وقف الحرب العراقية الإيرانية، وهو من أكد ضرورة عودة مصر إلى الجامعة العربية وكان أول من أعاد العلاقات معها عشية انتهاء المؤتمر، كما أن الشيخ زايد يعد بحق من أهم المدافعين عن الشعب الفلسطينى».
مع مصر
«ما تقوم بهِ مصر نحو الإمارات، هو نقطة ماء فى بحر مما قامت بهِ مصر نحو العرب».. دومًا ما كان يردد الشيخ زايد هذه المقولة، منذ ربط بين البلدين حبل وثيق من العلاقات، بدأ مع حرب أكتوبر ١٩٧٣، عندّما دعم مصر فى حربها ضد العدو، ومرورًا بعلاقاته التاريخية مع من تعاقبوا على حكم مصر.
بدأت العلاقة بين الشيخ زايد ومصر منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، فقد جمع حلم الزعامة بين الرئيسين، ورفعا شعارًا واحدًا هو «القومية العربية»؛ وبدأت بعثات المدرسين والمهندسين والأطباء الذهاب إلى الإمارات فى منتصف الخمسينيات قبل ظهور النفط فى البلاد، انطلاقًا من دور عروبى وإنسانى؛ وفى إبريل ١٩٧١، أهدى الشيخ زايد وشاح «آل نهيان» للرئيس الراحل محمد أنور السادات أثناء زيارته للقاهرة، وكانَ السادات يرى فى الشيخ زايد الصديق الوفى والموثوق، وأنه حلقة الوصل بين جميع القادة العرب ومصر، خاصة بعد توتر العلاقات المصرية بقادة الدول العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
كذلك فى عهد السادات، توطدت علاقة مصر بالإمارات نظرًا لمواقف الشيخ زايد عند بدء حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكان دومًا يردد خلال اللقاءات مع القادة العرب «عندما تبدأ المعركة مع إسرائيل، فسوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن أشقائنا أبدًا»؛ ووقتها كان فى زيارة إلى بريطانيا، ولم يتردد عن إعلان دعمه لمصر فى حربها، كما اقترض مليار دولار وقدمها لشراء أسلحة من الاتحاد السوفييتى لمصر أثناء حربها لاسترداد الأرض؛ وعندّما شنّت الدول العربية حربًا على أعضاء المعسكر الغربى الداعم لإسرائيل، كان للشيخ زايد موقف بارز، حينما قال: «إن الذين قدموا دماءهم فى معركة الشرف، قد تقدموا الصفوف كلها، وأن النفط ليس بأغلى من الدماء العربية».
وأضاف: «إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى، فليس هناك فارق زمنى كبير بين رفاهية النفط وأن نعود إلى أكل التمر».
وبعد انتهاء الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، ساهم نيابةً عن شعب الإمارات فى إعادة إعمار مدن قناة السويس التى دُمرت فى العدوان الإسرائيلى عليها عام ١٩٦٧؛ وعقب عقد اتفاقية «كامب ديفيد» فى سبتمبر ١٩٧٨، كثرت ردود الفعل المعارضة لتلك الاتفاقية فى معظم الدول العربية، وبعض الدول قاطعت مصر بعد قمة بغداد، ولكن موقف الشيخ زايد كان مختلفًا عن أغلب الدول العربية، حيثُ ظلّ على تواصل مع الرئيس السادات، وقال جملتهُ الشهيرة «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية».
رحل الشيخ زايد عن عالمنا فى ٢ نوفمبر ٢٠٠٤؛ وقال فى وصيته الأخيرة «أوصيت أبنائى بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، وهذه هى وصيتى أكررها لهم أمامكم، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم».
واحتلت سيرة الشيخ زايد العديد من الكتب التى تناولت حياته، وكفاحه من أجل الوحدة والتقدم ببلده سواء من خلال السرد عن طريق الكلمات أو من خلال الصور الفوتوغرافية ومنها كتاب «الشيخ زايد بن سلطان.. شهادات تبقى»، الصادر عن وزارة الإعلام والثقافة الإماراتية، متضمنًا بعض الكتابات التى نشرت فى الصحف العربية والأجنبية عنه؛ وكتاب «زايد- رحلة فوتوغرافية» الذى يتضمن مجموعة من الصور التى تجسد حياة الشيخ الراحل، ويعتبر سجلًا شاملًا لحياة الشيخ زايد ويتناول خلفيته البدوية وشغفه بالطبيعة وحبه للصيد بالصقور وركوب الجمال والخيل، وأيضًا يتناول نضاله من أجل شعبه ضد الظروف الاقتصادية القاسية التى كانت تعانى منها البلاد فى أوائل القرن العشرين، وغيرها العديد من الأحداث التى أثرت به أو أثر هو بها فى تاريخ الإمارات؛ وكذلك «الشيخ زايد- حياة وأزمان ١٩١٨- ٢٠٠٤»، وهو أيضًا عبارة عن مجموعة صور فوتوغرافية قام بالتقاطها المصور نور على الراشد، وهو «المصور الرسمى للشيخ زايد ولديوان الرئاسة»، وهى مجموعة صور نادرة لعدد من الوقائع التى حدثت فى الماضى، كما يضم صورا للشيخ زايد فى مرحلتى حكمه، سواء كحاكم لإمارة أبوظبى، أو كرئيس لدولة الإمارات، كما يضم بعض الصور الشخصية والأسرية له.
كما قام الشيخ زايد نفسه بإصدار كتاب عن رياضته المفضلة، وهى الصيد بالصقور فقدم كتاب «رياضة الصيد بالصقور»، والذى يعد دراسة عن هذه الرياضة المحببة عند أهل الجزيرة العربية منذ القدم، والتى تحتل مركز الصدارة فى الرياضات العربية الأصيلة، فحرص فى الكتاب أن يعرض ما كتب قديمًا عن هذه الرياضة، بالإضافة لتجربته هو الشخصية من خلال ممارسته لها وخبرته العميقة فيها.