الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"الثورة بلا قيادات" في القرن الواحد والعشرين

القس مراد عادل
القس مراد عادل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قضايا مهمة يناقشها هذا الكتاب الذى حمل عنوان «الثورة بلا قيادات» وصدر ضمن سلسلة «عالم المعرفة»، التى يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب فى دولة الكويت؛ حيث ألقى الكتاب ومؤلفه كارن روس وترجمة فاضل جكتر، الضوء على قضية حدوث التغيير أو الإصلاح، وكيف يمكن للناس العاديين أن يبادروا من تلقاء أنفسهم لتولى السلطة وتغير الأوضاع فى القرن الواحد والعشرين.
ويطرح الكتاب من وجهة نظره أساسيات للديمقراطية، مشددا على أهمية التمسك بالإصلاح لإحداث التغيير المرجو، مؤكدا أن الناس العاديين هم الأفضل فى معرفة ظروف واقعهم، وضمن هذا الإطار يقدم كارن روس ٤ أفكار بسيطة تقود حياتنا للتغيير والإصلاح، تمثل نواة لما أطلق عليه «الثورة بلا قيادة»، بدايتها الفكرة التى تؤكد أنه من شأن تحرك فرد واحد، أن يؤثر فى مجمل الأحداث والمجتمع ككل، مشددا على أن الفرد الواحد لديه قدرة إطلاق حركة تغيير شاملة للمجتمع ككل، وأنه يمكن أن يغدو الشخص الواحد فريقًا ثم حركة تغيير، وبمعنى أن تحرك فرد واحد صادر عن إيمان ومؤيد من قبل آخرين، يحدث تغييرا ماديا دراميا مثيرا.
وهو مبدأ يمكن أن نراه فى قصة «داوود وجليات» ١ صم ١٧؛ حيث تمكن داود كفرد واحد من إحداث تغيير كبير فى حياة الشعب بالكامل، وتغير الوضع هناك وانتهت معايرة جليات لأمة إسرائيل، وهرب الأعداء، وتمكن شعب إسرائيل من ملاحقتهم وهزيمتهم، هذا التغيير حدث لأن داوود وثق فى قدرة إلهه رب الجنود، وآمن فى الشجاعة والمهارة التى تحلى بها، وهو ما يعنى أن أداة التغيير الأهم والأخطر هى أنفسنا؛ لأن الفرد محرك تغيير جبار، لذا علينا إعادة اكتشاف ما نؤمن به فعلًا، فمن شأن تغيير الذات، أن يقود إلى تغيير العالم.
الفكرة الثانية هى أن الأفعال وليست الأقوال هى دوما المقنعة، فالحدث دائما هو الذى يحدث الفرق، وأفعالنا وقناعاتنا هى الجديرة بالتغيير، أى أن الأفعال هى الأصدق من الكلمات؛ فكلماتنا وحدها لا تكفى لإحداث أى تغيير، فإذا أردنا الإصلاح علينا بالفعل، فالأفعال هى الأقرب دائمًا.
وكمثال؛ فإن الفعل هو محور حياة المؤثرين، مثالا الرسول بولس أع ١٦: ٩، ١٠، فقد كانت حياته هى حياة الفعل والعمل وهذه حادثة واحدة منها، ٩ «وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِى اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!» هنا لم يتوان بولس الرسول، بل لبى الطلب بالتنفيذ، فهو هكذا طوال حياته رجل الأفعال، وهذا ما مكنه ليقول عن نفسه فى ٢تى ٤: ٧ «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ».
الفكرة الثالثة هى أن صنع القرار يكون أفضل حينما يتم بالتشاور مع الناس الأكثر تأثيرا، فبالترابط والنقاش توجد التغييرات، والتشاور مع الأكثر تأثيرًا يُشكل أحد أسس أى نهج تغييري، فالتغيير يبدأ بين الأشخاص المؤثرين، فالناس المشاركون فى اتخاذ القرارات يميلون إلى التماسك ووحدة الهدف.
تلك الفكرة تبناها موسى فى سفر العدد ١٣، ١ ثُمَّ قَال الرَّبُّ لِمُوسَى: ٢«أَرْسِل رِجَالًا لِيَتَجَسَّسُوا أَرْضَ كَنْعَانَ التِى أَنَا مُعْطِيهَا لِبَنِى إِسْرَائِيل، رَجُلًا وَاحِدًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ آبَائِهِ تُرْسِلُونَ، كُلُّ وَاحِدٍ رَئِيسٌ فِيهِمْ».
اختار موسى من كل سبط شخصا واحدا رئيسا فيهم، أى شخص مؤثر ومن خلالهم يأخذ القرار، فكانوا أصحاب تأثير كبير بين الشعب، فاستطاع فريق منهم عدد ١٣: ٣٠ «لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلى مُوسَى» وَقَال: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا». فاستطاع كالب أن ينصت الشعب إلى موسى ويؤثر فيهم.
أيضًا قام موسى بالأمر نفسه فى سفر التثنية، عندما اختار قادة من كل سبط ليكونوا قضاة لهم، تث ١: ١٥ «فَأَخَذْتُ رُؤُوسَ أَسْبَاطِكُمْ رِجَالًا حُكَمَاءَ وَمَعْرُوفِينَ وَجَعَلتُهُمْ رُؤُوسًا عَليْكُمْ»، فالمشاركة والتشاور مع أصحاب القرارات المؤثرة يحدث تغييرات رائعة.
الفكرة الرابعة هى أن الوكالة تعنى سلطة حسم الأمور بأنفسنا، وبمعنى آخر؛ فإننا إذا استرجعنا الوكالة واقتربنا أكثر من إدارة شئوننا؛ فإن شيئا آخر قد يحدث أيضًا، فقد نحصل على نوع من الإنجاز والإشباع، بل ربما حتى على نوع من المعنى.
هذا المبدأ قد علمه السيد المسيح فى مثل الوكيل الخائن لو ١٦: ١- ١٣، فعندما عرف الإنسان الغنى أن وكيله يبذر أمواله، دعاه وقال له أعط حساب وكالتك؟ بعدما أدرك الوكيل الخائن أن المحاسبة حتمية، فدعا كل واحد من مدينى سيده، وعدّل من وضعيته.
عندما ندرك أننا وكلاء على ما بين أيدينا نعمل بطريقة جادة وبحكمة متمثلين بالأمانة لتحقيق الإنجاز والتغيير المرجو، وكالة مبدأ مهم وضرورى لإحداث تغيير وإصلاح فى حياتنا.
مما سبق، يتأكد لنا أن الإصلاح والتغيير يبدأ بثورة فى مواقعنا الخاصة، يبقى الفرد العامل الأكثر فاعلية فى تغيير ظروفه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه فى كل جوانب الحياة، فالشخص ورغبته وإرادته هى العامل الأنجح للتغيير، شرط أن يتحرك جماعيًا مع آخرين لإحداث التغيير والإصلاح المطلوب.