السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشاهد من الشارع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثناء سيرى فى أحد الشوارع، تعطَّل الميكروباص الذى كان يسير أمامى فجأة، وبعد أن فشلت محاولات السائق لإعادة تشغيله، نزل أحد الشباب منه؛ كى يدفع الميكروباص، ثم نزل رجل آخر كى يساعده، ورغم أن الميكروباص كان ممتلئًا بالرُّكاب، إلا أنه لم ينزل سوى هذين الراكبَين، أما البقية فقد اكتفوا بالسب واللعن على الميكروباص وصاحبه، ولماذا يسير به وهو على هذه الحالة؟! وفى المقابل فإن السائق كان يعتذر ويقول: إن ذلك لم يحدث من قبل، وإن الميكروباص بحالة جيدة، وأنه لا يعلم ما سبب هذا العطل؟
وكنت أشاهد الراكبَين وهما يدفعان الميكروباص بصعوبة؛ فاستوقفنى المشهد، وتساءلت فى نفسي، لماذا لم ينزل بقية الركاب من أجل المساعدة، كى يتحرك الميكروباص بسرعة؟ أو على الأقل لماذا لم ينزل البقية من الميكروباص حتى دون مساعدة؛ فيخف الحمل؟ ويستطيع الراكبان دفع الميكروباص بسهولة، وعلى أية حال فإن الميكروباص قد عاد للعمل بعد جهد كبير من الراكبَين، اللذين كانا قد انضم إليهما أحد المارة فى الشارع، ثم ركب الشاب والرجل وانطلق الميكروباص.
وفى الحقيقة فإن هذا المشهد قد أثار فى ذهنى العديد من التساؤلات، فهذا المشهد الصغير العابر، رأيت فيه انعكاسًا لحالة المجتمع بأكمله، فما هو إلا نموذج لمشاهد أخرى كثيرة ومتكررة، ففى كل المجالات وفى كل مكان وفى كل ميادين الحياة، نجد عددًا صغيرًا من الأفراد هو الذى يجتهد ويحاول ويكافح من أجل مصلحة المجموع، وبقية المجموع عبارة عن جمهور من المتفرجين، الذين ليس لهم بضاعة سوى الكلام والانتقاد، ووضع العراقيل، وكى أكون منصفًا، فإن من بين جمهور المتفرجين مجموعة تقوم بالتصفيق للفئة المتفانية فى حال نجاحها!! 
ما هذه السلبية التى أصبحنا فيها؟ ولماذا يقبل البعض بأن يعيش عالة على المجتمع، كل دوره أن يستهلك بل يُهلك موارد هذا المجتمع؟ ومن بين المشاهد السلبية التى أتعجب كذلك حين أراها: عمدان الإنارة التى تكون مُضاءة فى وَضَح النهار، وفى ظل توهج الشمس، فمن منكم لا يرى هذا المشهد المتكرر فى كثير من الأماكن والطرق العامة؟ ما هذا الخلل؟ ومن المسئول؟ وكيف يكون هذا فى ظل أزمات متوالية للطاقة؟ وكم يكلف إنتاج هذا الطاقة حتى تُستهلك فى العدم هكذا؟ وإذا كان هذا هو المشهد فى الطرق العامة، فلا نندهش كثيرًا فنحن نفعل أكثر منه داخل بيوتنا، ولولا وجود رجل عجوز داخل كل بيت يحاول أن يقلل من هذا الاستهلاك؛ فيقوم بإطفاء المصابيح، لربما فقدنا الطاقة الكهربائية من الأساس.
والأشد دهشة هو خراطيم المياه التى تنطلق فى الشوارع كل صباح، ترش الشارع حتى لا يتطاير الغبار، وتُغسل بها الأشجار والسيارات، باستخدام مفرط مبالغ فيه، ولما لا؟ فالمياه كثيرة! وليس لدينا أزمة فيها! والبركة فى نهر النيل! يا للعجب، إننا لو وفَّرنا هذه المياه التى تستخدم دون طائل، كانت ستكفى لزراعة آلاف الأفدنة فى الصحراء، فلماذا نُهدر أصل الحياة بهذا الشكل المؤسف، فلا حياة بدون مياه، ولكن لا حياة لمن تنادي!
إن المشاهد السلبية التى على هذه الشاكلة كثيرة ومتكررة، والأمل فى أن نتخلص منها، وأن يراعى الفرد مصلحة المجموع، وأن نُسهم جميعًا فى بناء مجتمع يسوده التعاون المتبادل من خلال المسئولية المشتركة، مجتمع يأخذ طابع الأسرة الواحدة فى تركيبته، يهتم كل فرد فيه بالآخرين، مجتمع يقوم على مبدأ الصالح العام ليكون مكانًا لنا ولأولادنا من بعدنا.. فمتى نعى أهمية المشاركة وعدم اللامبالاة، وأهمية تحمل المسئولية فى هذه الحياة؟!