الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

مستقبل أكراد العراق بعد تنحي مسعود بارزاني

مسعود بارزاني
مسعود بارزاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يطرح إعلان مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق تخليه عن منصبه اعتبارا من اليوم (أول نوفمبر) وعدم نيته الترشح لفترة رئاسية جديدة، تساؤلات كثيرة عن مستقبل أكراد العراق وعلاقة إقليم كردستان بالدولة العراقية، لاسيما أن هذا القرار يأتي على خلفية أزمة غير مسبوقة في العلاقة بين أربيل وبغداد. 
فمن حيث التوقيت جاءت هذه الخطوة في ظل ظرف سياسي بالغ الصعوبة والدقة بالنسبة للأكراد العراقيين، سواء على صعيد العلاقة المتأزمة مع الحكومة المركزية في بغداد بسبب تداعيات الاستفتاء الذي جرى في الإقليم مؤخرا، وما تلاه من استعادة القوات العراقية لمحافظة كركوك، أو فيما يخص الصراع الداخلي بين مكونات المشهد الكردي نفسه، أو بالنسبة للعلاقات المتوترة مع الجوار الإقليمي سواء في تركيا أو إيران.
تنحي بارزاني عن صدارة المشهد السياسي الكردي يأتي إذن في وقت يبدو فيه أكراد العراق في أضعف حالاتهم سياسيا وتفاوضيا، فيما أمسى حلم الدولة الكردية المستقلة أبعد من أي وقت مضى، بعد أن كان الأكراد وقادتهم يظنون قبل أسابيع قليلة أنه أقرب ما يكون ليصبح واقعا.. فما الذي دفعه لاتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت لاسيما وأنه بقي في منصبه صورة غير شرعية، بعد انتهاء فترته الرئاسية قبل أكثر من عامين في مخالفة واضحة لدستور الإقليم، ورفض من قبل مطالبات القوى السياسية الكردية له بالتنحي؟.
ويبدو جليا أن قرار بارزاني الابتعاد عن السلطة بعد حياة سياسية حافلة، كان اضطرارا وليس اختيارا، فالمسئولية السياسية والأخلاقية كانت تحتم عليه اتخاذ هذا القرار، لاسيما أن القرارات والمواقف التي اتخذها خلال توليه رئاسة إقليم كردستان، والحسابات التي بنى عليها قراراته الأخيرة، كانت من الجسامة والخطورة، بحيث تترك ظلالها وتداعياتها على واقع ومستقبل الإقليم لفترة طويلة قادمة.
وقد كان قرار الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق، أحد أخطر هذه القرارات التي أظهرت عدم الدقة في الحسابات السياسية والخطأ في تقدير الموقف عند بارزاني.. فإصراره على إجراء هذا الاستفتاء رغم الرفض العراقي ومعارضة الجيران الإقليميين والأصدقاء الدوليين، أدخل الإقليم في مواجهة مفتوحة سواء مع بغداد أو مع الجيران أو حتى مع بعض القوى الدولية مثل الولايات المتحدة التي لم تخف رفضها لتوقيت الاستفتاء.. كما أن هذا القرار أدى إلى تعميق وتصاعد الخلافات الداخلية "الكردية - الكردية" وتبادل الاتهامات بين القوى الكردية حول تداعيات هذا الاستفتاء على وضع الإقليم.
ثم جاءت خطوة القوات المسلحة العراقية مدعومة بغطاء إقليمي ودولي، لاستعادة محافظة كركوك من سيطرة قوات البيشمركة الكردية، لتوجه ضربة قاصمة لهذا الاستفتاء وتفرغه من مضمونه عمليا، لاسيما وأنه لا يمكن تصور قيام دولة كردية بدون كركوك وما تمثله من أهمية اقتصادية بالنظر لثرواتها النفطية الكبيرة.. وعلى ضوء كل ما سبق فإن هذه الحسابات الخاطئة وما خلفته من تركة سياسية ثقيلة، جعلت استمرار بارزاني على رأس السلطة عبئا سياسيا على إقليم كردستان العراق، وعقبة كبيرة أمام إمكانية ترميم علاقات الإقليم سواء مع بغداد أو مع دول الجوار أو حتى مع القوى الدولية الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة التي رحبت بقرار تنحي بارزاني عن منصبه.
إلا أنه وبالرغم من هذه التركة السياسية الثقيلة يخلفها وراءه وهو يرحل، فإن بارزاني أبى أن يترك السلطة، دون أن يضع مزيدا من الألغام في طريق خليفته المرتقب، ودون أن يصب مزيدا من الزيت على نار الخلافات الداخلية في الإقليم، وذلك بحديثه في خطاب التنحي عن "خيانة" قطاع من السياسيين والعسكريين الأكراد أدت إلى تسليم كركوك للقوات العراقية، وضياع فرصة إقامة الدولة الكردية، وذلك في إشارة لبعض القيادات والقوات المحسوبة على الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو المنافس الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني.. فقد قوبلت هذه التصريحات بانتقادات حادة من قبل مسئولي الاتحاد الوطني الذين حّملوا في المقابل بارزاني وحزبه المسئولية، عما جرى في كركوك، في حين شهدت بعض مناطق كردستان أمس اشتباكات محدودة واقتحامات لمقار بعض الأحزاب السياسية من قبل أنصار الأحزاب المنافسة. 
في ضوء ما سبق فإن تنحي بارزاني عن السلطة قد يفتح الباب أمام تولي قيادة جديدة للإقليم، ربما تكون أكثر قبولا لدى الحكومة العراقية ومعها دول الجوار.. كما أنه قد يساهم في تسوية الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل، لاسيما فيما يخص تقاسم الثروات النفطية وترسيم الحدود في المناطق المتنازع عليها، أو إدارة المعابر الحدودية بين الإقليم وكل من إيران وتركيا والتي تصر بغداد على إخضاعها لسيطرة القوات العراقية. 
لكن هذه الخطوة لا يتوقع أن تساهم في تخفيف الاحتقان السياسي في الإقليم أو احتواء الصراعات الداخلية بين القوى الكردية خصوصا بين أربيل والسليمانية، بل ربما تؤدي إلى تأجيجها، خصوصا وأن قراره التنحي عن منصبه لا يعني اختفاءه من المشهد السياسي برمته، فقد أكد بارزاني في خطابه الأخير أنه سيواصل، بعد تركه رئاسة الإقليم، العمل على تحقيق حلم "إنشاء الدولة الكردية المستقلة" من خلال قيامه بدوره كجندي في قوات البيشمركة، وهو ما يعني أنه سيبقى رقما صعبا في المعادلة السياسية الكردية، ولاعبا مؤثرا وفاعلا في مجريات الأحداث في الإقليم، سواء من خلال الحزب الديمقراطي، أو داخل صفوف قوات البيشمركة. 
ورغم أن إقليم كردستان، وعلى ضوء تنحي بارزاني، قد أقر قانونا يتم بوجبه توزيع صلاحيات رئيس الإقليم بين البرلان والحكومة والقضاء، وذلك لحين انتخاب رئيس جديد للإقليم، فإن ذلك لا يبدو كافيا كضمانة لانتهاء الانقسام الذي أحدثته سياسات بارزاني، لاسيما أن السلطة ستظل، على الأرجح، في يد عائلته التي هيمنت على المقدرات السياسية للإقليم على مدى عقود طويلة.. إذ يتوقع الكثيرون أن تنحصر خلافة بارزاني في السلطة بين رئيس حكومة الإقليم وزوج ابنته نجيرفان بارزاني، أو مسرور نجل بازراني نفسه، والذي يرأس مجلس الأمن القومي في الإقليم ويضم الأمن والمخابرات.
ربما تكون مرحلة مسعود بارزاني كرئيس لإقليم كردستان العراق قد انتهت، لكن المؤكد أن التركة السياسية الثقيلة التي تركها ستظل تلقى بظلالها على أكراد العراق لسنوات طويلة قادمة.. فهو يرحل تاركا ساحة داخلية تعج بالصراعات التي تهدد بتقويض ما عاشه الإقليم من سنوات استقرار سياسي ورخاء اقتصادي كان يحسده عليه باقي أبناء مناطق العراق.. كما يأتي ذلك في وقت يبدو فيه الأكراد في أضعف حالاتهم سياسيا وتفاوضيا، سواء في مواجهة بغداد أو أمام القوى الإقليمية والدولية، وبصورة ربما تدفعهم لتقديم تنازلات مؤلمة يأتي في مقدمتهما التخلي عن حلم الدولة المستقلة، الذي ظن بارزاني والمقربون منه أنه كان قاب قوسين أو أدنى.