الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"التلوّن" شعار مشايخ الطرق الصوفية

علاء أبوالعزايم شيخ
علاء أبوالعزايم شيخ الطرق الصوفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السيمانية» ساندت الإنجليز وجمعت توقيعات تطالبهم بالبقاء 
ظهرت بقوة بعد ثورة 23 يوليو لسد فراغ اختفاء الإخوان

على مدار العقود السابقة لم تختف الطرق الصوفية بمشايخها من المشهد السياسى، حيث لعبت الكثير من الأدوار السياسية المهمة، وكانت الحكومة المصرية دائمًا وأبدًا تتعمد إدخالهم فى الحياة السياسية، باعتبارها قوة بشرية لا يستهان بها، حيث يوجد فى مصر أكثر من ١٥ مليون صوفى، وفق أحد التقديرات، وفى موضع آخر بحسب رابطة قوات الصوفية وجمعية أهل البيت، إن نصف سكان مصر من الصوفيين، وهى الأرقام التى لم يتم تأكيدها، فلا توجد إحصاءات دقيقة، ومع ذلك، فإن السبب الرئيسى وراء مثل هذا القول هو أن من يحضرون الجلسات الصوفية فى مصر كثيرون، وتعتبر شعائرهم شبه عامة فى البلاد، وهى تخلق تشويشا حول الصوفى الحقيقى ومن يحضر فقط شعائر.
القراءة الأولية لأدبيات الطرق الصوفية، تقول إن الصوفيين أبعد ما يكونون عن العمل السياسى والحزبي، بخلاف ما يحدث على أرض الواقع الذى أثبت عكس ذلك، بحسب ما ظهر عنها منذ بدايات القرن العشرين حيث ثورة ١٩١٩، وورد فى العديد من المؤلفات التاريخية أن الصوفية لها دور سياسى فى مصر. فعلى سبيل المثال، لعبت الصوفية دورا فى ثورة ١٩١٩، بمساعدة من «محمد إبراهيم الجمل» شيخ «السادة السيمانية»، لجمع توقيعات تطالب الإنجليز بالبقاء فى مصر، بحسب دراسة وذلك بحسب ما أورده الباحث محمد مختار قنديل فى دراسته «المتعبد والسياسي: العلاقة بين المذاهب الصوفية والنظام السياسى فى مصر».
ومنذ تأسيس النظام الجمهورى المصرى على يد الضباط الأحرار إثر ثورة يوليو، ظهرت الصوفية على الساحة فى محاولة لملء الفراغ الناجم عن الإجراءات التى اتخذت ضد التنظيمات المتطرفة الأخرى، ففى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووسط المواجهات بينه و«الإخوان»، صدر قرار بتعيين الشيخ محمد محمود علوان باعتباره شيخ الطرق الصوفية، وكذلك كانت الصوفية ملجأ لأى شخص أراد أن ينكر الاتهام بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وفى الوقت نفسه تعبر الصوفية عن وجود الدعم الدينى للنظام فى ذلك الوقت. 
ولأول مرة فى التاريخ عقب الثورة اعتلت الطرق الصوفية المنابر ودخلت عالم الأضواء الواسع بمساعدة الحكومة، حيث عبرت المشيخة العامة للطرق الصوفية حينها عبر إحدى المطبوعات الرسمية للدولة قائلة: «جاءت الثورة المباركة وجاءت معها روح الإيمان والتوثب وأشرق الوادى الكريم بنور الأمل وانبعث الشعب العريق للجهاد والعمل وأخذت يد الإصلاح تبنى وتشيد وتبعث الطاقات المدخرة وما كان للتصوف الإسلامى أن يتخلف عن موكب الحياة وفجر النهضة».
وفى عصر الرئيس الراحل أنور السادات، لم يختلف الحال كثيرا، لجعله الطرق الصوفية خاضعة للقانون رقم (١١٨) لسنة ١٩٧٦، الذى نظم بشكل أكثر انضباطًا ودقة وضع طرق الصوفية، وخلق نوعًا من التحالف الاستراتيجى بينها وبين النظام، فقد انضم مشايخ صوفيون إلى الجيش المصرى، وسمح لهم بالسعى لإعادة تأهيل الجيش ورفع معنوياته بعد هزيمة ١٩٦٧، وكان لطريقة المحمدية الشاذلية دور كبير فى هذا الصدد، مما دفع الرئيس السادات لتكريم الشيخ «زكى إبراهيم» زعيم هذه الطريقة ومنحه الجائزة الذهبية للتميز.
وكانت الطرق الصوفية تنظر إلى الرئيس السادات خلال الفترة التى حكم فيها، على أنه رئيس عظيم ومتفهم، لأنه كان متعلقا بالصوفية وبمنهجها الروحاني، حيث كان يحضر أغلب الاحتفالات والموالد الصوفية التى كانت تتم فى مسجد الإمام الحسين بمصر القديمة، وإذا لم يحضر كان يوفد مبعوثا رسميا من رئاسة الجمهورية لحضور الاحتفالات بالنيابة عنه، وخلال فترة حكمه تقلد عددا كبيرا من مشايخ الطرق الصوفية الكثير من المناصب القيادية والدبلوماسية.
وفى ذلك الوقت لقبت الطرق الصوفية الرئيس الراحل محمد أنور السادات بـ«الرئيس الصوفى»، لأنه كان يدعمهم دائمًا وكان يوفر لهم نفقات مالية تصل إلى ٣٠ ألف جنيه إلى جانب طباعة مجلة لهم، واستمرت الطرق الصوفية تمارس دورها السياسى طوال فترة حكم السادات.
ومع عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، لم يبتعد الأمر كثيرا، عما كان عليه فى عهد السادات، فيما يتعلق بالتعامل مع الصوفية والاستفادة منها كغطاء دينى للنظام، بخلاف ما وقع خلال عام ٢٠١٠، أى قبل ثورة ٢٥ يناير ببضعة أشهر، بوقوع اشتباك بين نظام مبارك والصوفيين على خلفية تعيين الشيخ عبدالهادى القصبي، من قبل نظام مبارك، رئيسًا للمجلس الأعلى للطرق الصوفية حيث كان عضوا فى الحزب الوطني، والأمر الذى أثار غضب شيوخ طرق الصوفية واعتبروه تدخلا سافرا وانتهاكا لعادات وتقاليد الصوفية، لكن هذا لم يمنعهم من التصدى للثورة ضد مبارك، فبحسب بيان للشيخ محمد الشهاوى شيخ الطريقة الشهاوية على أساس مبدأ «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، ومع ذلك لم يستمر هذا الموقف لفترة طويلة، فبعدما ظهرت بوادر نجاح يناير، اتخذت طرق الصوفية خطوة جادة نحو النشاط السياسى المعلن.
وفيما بعد ثورة يناير، لم يقف الدور السياسى الذى لعبته الطرق الصوفية على المؤتمرات والندوات السياسية فقط، بل كان لها دور هائل فى الثورات المصرية خاصة فى ثورتى ٢٥ يناير، و٣٠ يونيو، التى أطاحت بمحمد مرسى ونظام جماعة الإخوان بالكامل، ففى أعقاب ثورة ٢٥ يناير، لعبت الطرق الصوفية دورا هائلا، بتشكيلها عددا كبيرا الأحزاب السياسية والائتلافات، أبرزها «ائتلاف شباب الطرق الصوفية»، وشارك هذا الائتلاف فى جميع الانتخابات التى أتت عقب ثورة ٢٥ يناير وحاربت جماعة الإخوان فى فكرها. ففى استحقاق الاستفتاء على الدستور فى مارس ٢٠١١ تبنت جميع الطرق الصوفية التصويت بـ«لا»، وفى انتخابات مجلس الشعب والشورى انحاز جميع الصوفيين إلى تحالف الكتلة المصرية. 
وعقب انتهاء ثورة ٢٥ يناير ومجيء نظام جماعة الإخوان «الإرهابية» برئاسة المعزول محمد مرسى، فقامت ثورة عليهم وعلى نظامهم وهى ثورة ٣٠ يونيو، حينها شاركت جميع الطرق الصوفية المتواجدة فى مصر فى تلك الثورة، ودعمتها دعمًا معنويًا كبيرًا، وقامت بالكثير من الندوات والمؤتمرات التى توضح مخاطر جماعة الإخوان الإرهابية.
وفى ظل حكم «الإخوان» أبدت الطرق الصوفية العداء بوضوح ضد «الجماعة». وفى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلنت الطرق الصوفية دعمها للرئيس عبدالفتاح السيسي.