الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا حدث عام 1979؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى (يناير) ١٩٧٩، كان العالم على موعد مع الثورة «الإسلامية» الإيرانية بزعامة الخمينى. وفى (نوفمبر) من العام نفسه، قام جهيمان ذو التوجهات «الإسلامية» باحتلال الحرم المكى. عام التحولات الكبرى لم يشأ أن يترك منطقتنا من دون أن يثخن أكثر فى تعميق جذور التبدل، إذ قام الجيش السوفياتى فى شهر (ديسمبر) منه، باحتلال أفغانستان، لترتفع- بدعم دولى وإقليمى- رايات العمل الإسلامى المسلح، وتنشط على إثر ذلك ما سميت «الصحوة»، فى فصل جديد على مسرح الحرب الأمريكية السوفياتية الباردة.
هذا ملخص ما حدث فى تلك السنة، ولك أن تطلق العنان لمخيلتك فى تحليل انعكاساته على المستوى الاجتماعى، فى العالمين العربى والإسلامى بشكل عام، وفى السعودية تحديدًا فى مناسبة حديث ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، عن تاريخ التحول الذى تلبس السعوديين، وذلك فى مؤتمر الإعلان عن مدينة نيوم الحالمة، الذى أطلق من خلاله وعده الشهير باستعادة الإسلام الصحيح، والسعودية السمحة، من براثن سراق الإنسانية والعقول، الذين تسلقوا على الإسلام لأجل تحقيق أمانيهم السياسية، فى ميكافيلية بحتة، سعت إلى إقصاء الرأى المغاير، ونجحت إلى حد كبير، عندما أعجبت هيئاتهم المجتمع بمختلف فئاته، وإن يقولوا بات يسمع لهم الجميع، ويغض الطرف- فى سبيل الله - عن تناقضاتهم وأخطائهم الفاضحة التى يرتكبونها، فى مشهد مرتبك، يعكس حالة عدم الوضوح فى الرؤية التى اكتنفت تلك المرحلة، بين تطلعات طموحة لدولة فتية، وتشدد دينى سعت الجماعات المتأسلمة إلى نشره، ساهم فى رغبة السعوديين فى الخلاص من الذنب بعد أن علقت مشانق اللوم على كواهلهم، باسم الأمة الواحدة، التى لا ينبغى على أى من أبنائها أن يهنأ فى عيشه ما دام هناك شبر من أرض المسلمين محتلًا، فى مساحة مترامية من الألم، امتدت لتشمل إسبانيا. فالدموع على الأندلس التى عجز احتلال المسجد الأقصى عن كفكفتها، لم توقفها سوى جراح العراق وسوريا النازفة، وعدم استقرار ليبيا واليمن، والاستفاقة من زيف جماعة الإخوان المسلمين!
إن استحضار سنة ١٩٧٩، وتشريحها سياسيًا وفكريًا، يخرج جهيمان من دائرة التأثير المباشرة، على رغم صدمة احتلال الحرم الشريف، ومحاولة نزع البراءة عن وجه السعودية فى ذلك الوقت، من خلال طعن المنهج السلفى من الخلف، وزرع بذرة الخيانة الأولى فى شكلها الإسلامى، الذى علق الجرس، لكنه اندثر فى خضم الأحداث التى صاحبته، وأعقبته، سواء الثورة الخمينية، والتجاذبات التى صاحبتها، وأدت بمجملها إلى هذا الانقسام الحاد بين ضفتى الخليج، أم تداعيات «الجهاد» الأفغانى، وضغطه بشدة على الهوية الاجتماعية التى كانت سائدة قبله، لمصلحة التشدد الدينى وشعارات الزهد البراقة، ما تسبب فى فوضى فكرية رجحت منزلة «اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا» على ما سواها، لكنها لما لم تستطع إلى ذلك صبرًا بطبيعة الحال.
سلكت العقول الخلاقة طريقًا آخر أقل كلفة، من خلال المعادلة البراغماتية الشهيرة، التى تسمح لمعتنقها بالخروج من دائرة الصالحين، ما دام يحبهم، ويدافع ليكفر عن سيئاته وما اقترفت يداه، عن لحوم من تسممت لحومهم بفعل فاعل! هذه الحالة من التناقضات التى سادت فيما مضى، قرر السعوديون جميعًا إيقافها عند حدها هذه المرة. تشهد بذلك وسائل التواصل الاجتماعى، التى تظهر حالا من السخط على منابر الجشع باسم الإسلام، قبل أن يأتى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، بجرأته التى لا حدود لها، ويدق المسمار الأخير فى نعش الجماعات المتأسلمة وأربابهم الداعمين فى إيران، معلنًا بكل وضوح استـحالة التفاهم مع الملالى مصدرى الثورة، والحرب على التلون والنفاق الذى تمثله جماعة الإخوان، أو الإخونج كما سماهم.
إن تحديد مكامن الخطر كان الشيء الذى ينقص السعودية خلال السنوات الخداعات التى مرت بها، وهو ما تحقق اليوم بوضوح، والمرجو أن تســتمر هذه «الصحوة» الحقيقية إلى أن يتعافى المجتمع تمامًا من مخدر الصحوة المزيفة، مع مراعاة الأعراض الانسحابية التى قد تعترى جهود السير فى الاتجاه الصحيح، من خلال الاستفادة من درس منتصف التسعينيات من القرن الميلادى الماضى، عندما أعلنت القطيعة بين طول بال الدولة وإرجاف التنظيمات المتأسلمة، وقضت حينها على أشكال التحريض، لكنها أغفلت بحسن نية تجفيف منابع التشكيك والضرب تحت الحزام، التى عملت على زعزعة البناء والثقة، سواء فى التعليم أم وسائل الإعلام.
نقلا عن الحياة اللندنية