السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هيئة الاستعلامات.. والبحث عن الذات الإعلامية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت مطالبة رئيس الهيئة العامة للاستعلامات الكاتب الصحفى ضياء رشوان، لوكالة «رويترز» للأنباء، والـ«بى بى سى»، بالاعتذار عما اعتبره تجاوزا إعلاميا بنشر معلومات مغلوطة حول معركة طريق الواحات، ليطرح على الباحثين فى الإعلام والمشتغلين به أزمة جديدة قديمة تتمثل فى هيمنة إعلام الدول المتقدمة على دول الجنوب النامية.
قبل ما يزيد على ربع قرن كنا نجلس فى قاعة محاضرات كلية الإعلام ننصت إلى أستاذة بحوث الإعلام، العالمة الجليلة دكتورة عواطف عبدالرحمن؛ وهى تحدثنا عن هيمنة إعلام دول الشمال وسطوتها على عملية تدفق الأخبار والمعلومات فى مجتمعاتنا النامية، وتشرح باستفاضة كيف أننا نعلم ما يجرى فى محيطنا من إعلام دول الشمال لا من إعلامنا المحلي.
وخطأ تصور كثيرين أن تعدد أنماط الملكية خاصة فى الصحافة والتليفزيون، ثم انتشار المواقع الإلكترونية سيغير من المعادلة نسبيا، وجاء انطلاق قناة «الجزيرة» القطرية، ليجعل جانبًا من خبراء الإعلام يعتقد أن المحطة العربية بإمكانياتها الضخمة قد غيرت المعادلة كليا، وأصبح لإعلام دول الجنوب لأول مرة التفوق فى عملية تدفق الأخبار والمعلومات.
لكننا وبعد امتلاكنا لكل أدوات الاتصال الحديث ما زلنا خاضعين لهيمنة إعلام الشمال؛ حيث لا يزال إعلامنا يعتمد عليه فى نقل الأخبار والمعلومات التى تحدث فى محيطنا المحلى والإقليمي، بل إنه يستخدم فى كثير من الأحيان مصطلحاته ومسمياته التى يوصف بها قضايانا ومشكلاتنا طبقا للنموذج والأجندة التى صاغها هو بما وراءه من خلفيات سياسية ومصالح اقتصادية وربما ارتباطات استخباراتية.
إلى ذلك ثبت بالتجربة العملية انتماء قناة مثل «الجزيرة» إلى منظومة إعلام دول الشمال لارتباطها بذات الخلفيات التى تحكمه وتصيغ أجنداته.
الأزمة التى عبر عنها موقف هيئة الاستعلامات من أكبر مؤسستين إعلاميتين على المستوى الدولى، لم تكن الأبرز على الأقل خلال السنوات الأربع الماضية، بل يمكننى القول إننا وقعنا ضحايا لحرب ضروس دارت رحاها بلا هوادة، شنها إعلام الشمال على عقولنا منذ صبيحة اليوم التالى لحادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، الذى شهد تدمير برجى التجارة العالمى فى نيويورك على يد تنظيم القاعدة. 
دون وعى وقع القائمون على الإعلام المصرى فى شراك ادعاءات الإعلام الغربى بأن نموذجه متمثل فى طريقة الأداء ومنهج المعالجة وصياغة المصطلحات وتوصيف الأحداث يشكل النموذج الأمثل للإعلام المحايد، وإذا كان البعض وقع فى ذلك الشرك بحسن نية، لا يمكننا تبرئة ساحة البعض الآخر متأثرا بعقدة الخواجة، ليصبح إعلامنا جزءًا من إعلام الشمال، يعبر عن مصالحه وارتباطاته، مبتعدًا عن واقعه وما يفرضه من مقتضيات مغايرة تتناسب مع المصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية الخاصة لمجتمعنا. 
ولأن الكلمة العليا لا تزال للإعلام الغربى، نجد جماعة الإخوان الإرهابية تتجه إليه ولا تألوا جهدا للتواصل معه بشكل فعال، وفى الوقت ذاته، لم تنس مراكز صنع القرار ومعاهد الدراسات والبحوث أو ما تعرف بـ«الثينك تانك» حتى أصبحت من المصادر المهمة لتلك الجهات بشأن ما يجرى فى مصر، لذلك أتصور أن التغير الطارئ على أداء هيئة الاستعلامات فى التعامل مع مكاتب وسائل الإعلام الغربية ومراسليها فى القاهرة قد يحتاج إلى المزيد من العمل الخارجي، خاصة أن رئيس الهيئة الحالى باحث مرموق، وكان حتى أيام قليلة ماضية مديرا لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وأظنه قادر بخلفيته البحثية والصحفية إضافة إلى إمكانات الهيئة المتمثلة فى مكاتبها وملحقيها الإعلاميين بالعواصم الغربية على إيجاد جسور تواصل فعالة مع المعاهد البحثية المعتبرة ومراكز صنع القرار وإدارات تحرير الصحف ووكالات الأنباء، باستخدام آليات متعددة تتجاوز مسألة إمدادها بالتقارير والبيانات الصحفية إلى مستوى عقد المؤتمرات، وإجراء البحوث والدراسات المشتركة فى الشأن المصرى وتنظيم ورش العمل والحلقات النقاشية بالتنسيق مع إدارات البحوث المختلفة بمركز الأهرام وغيره من المراكز والكليات والمعاهد البحثية المصرية.